نعم نريد تدخّلاً عربياً وإسلامياً

د. أبو بكر الشامي

نعم نريد تدخّلاً عربياً وإسلامياً

د. أبو بكر الشامي

لا أدري سبباً وجيهاً لهذه الحساسية المفرطة من قبل بعض أفراد المعارضة السورية في الداخل والخارج لموضوع التدخل الخارجي في الشأن السوري ...!

ولا أعتقد أن وطنياً سورياً واحداً يقبل تكرار النموذج العراقي على الأرض السورية . لكن ليس كل تدخل خارجي بالضرورة يجب أن يستنسخ التجربة العراقية المأساوية ...

فالشعب السوري اليوم يعيش كارثة حقيقية سببتها عصابات العائلة الأسدية وشبّيحته المجرمة ، التي عاثت في الشعب السوري تقتيلاً واعتقالاً وتشريداً ، وعاثت في الوطن تدميراً وتخريباً ، وهي كارثة لا تقلّ مأساوية عن أية كارثة طبيعية مثل الزلازل والبراكين والتسونامي ...!!!

فكما أن الدول والهيئات والمؤسسات الإقليمية والدولية والإنسانية تتداعى على وجه السرعة لدى حصول أية كارثة إنسانية في أي بلد في العالم ، فكذلك الوضع في سورية الذي يرقى إلى درجة الكارثة الإنسانيّة بكل المعايير ...

فهناك في سورية أكثر من ألفي شهيد مسجّل حتى الآن ، وكل شهيد له أسرة منكوبة به .!!!

وهناك أكثر من خمسة عشر ألف معتقل ، وكل معتقل له أسرة منكوبة به ..!!!

وهناك أكثر من خمسة عشر ألف مشرّد ، وكل مشرّد له أسرة منكوبة به ..!!!

وهناك آلاف الجرحى والمفقودين ، وكل جريح أو مفقود له أسرة منكوبة به ...!!!

ولو افترضنا أن متوسط أفراد الأسر السورية هو خمسة أفراد ، وأجرينا عملية حسابية بسيطة ، لحصلنا على عشرات الآلاف ، بل مئات الآلاف من المنكوبين السوريين .!!!

مع عشرات أو مئات الدور والمباني والمنشآت المهدمة  جزئياً أو كليّاً .!!!

وهي كارثة إنسانية بكل معايير الكارثة ، بل إن الكوارث الإنسانية تحدث بفعل عوامل الطبيعة التي لا دخل للإنسان بها ، أما الكارثة الإنسانية السورية فهي تحدث بسبب عصابة مجرمة قاتلة ، خارجة عن جميع أعراف وقوانين البشر الأرضية والسماوية ، وبالتالي فإن دواعي التدخل العربي والإسلامي والدولي في الكارثة السورية أوجب من دواعي التدخل في أية كارثة طبيعية في أية بقعة من العالم ...!!!

وإنني أعتقد جازماً بأن مسوغات وسرعة التدخل العربي والإسلامي والدولي لإنقاذ الشعب السوري من الإبادة الجماعية التي يتعرّض لها على يد عصابات القتل والإجرام الأسدية ، وفرق الموت الصفوية ، أوجب وأسرع وأكثر إلحاحاً على الضمير العربي والإسلامي والدولي من إنقاذ طفل بريء من براثن وحش مفترس ...!!!

من هنا فإننا نناشد الأشقاء العرب ، وبجميع عبارات الإلحاح والاستعجال ، متمثلين بجميع مؤسساتهم الرسمية ، ونخص جامعة الدول العربية ، ومجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي العربي ..

كما نناشد الأشقاء المسلمين  وبنفس درجة الإلحاح والاستعجال ، ونخص الجارة المسلمة تركيا ، ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، بضرورة التدخّل العاجل والفوري والإسعافي ، لإنقاذ الشعب السوري من عصابات القتل والإجرام الأسدية الساديّة المجرمة ، ووضع حدّ عاجل وفوري لقتل الشعب السوري واعتقاله وتهجيره وإذلاله ،

لأن كل دقيقة تأخير من العرب والمسلمين والمجتمع الدولي  تعني المزيد من القتل والدماء والأشلاء ، وهو ( أي التأخير ) لا يقل إثماً وبشاعة عن التأخر في إنقاذ مجاعة الصومال التي تحصد آلاف الأطفال الجوعى والعطشى يومياً ، أو أية كارثة إنسانية طبيعيّة في أية بقعة من العالم ...!!!

وعندما نقول : تدخل عاجل وفوري وإسعافي ، فإننا نقصد من العرب والمسلمين جميع أشكال التدخل السياسي والإعلامي والإغاثي وحتى العسكري ( نعم العسكري )، للوقف الفوري والعاجل لآلة البطش والإجرام الأسدية  ، التي تفتك بالشعب السوري الأعزل صباح مساء ، بدون أي وازع من خلق أو ضمير أو رحمة أو إنسانية ...!!!

فلن يكون التدخّل الصفوي الإيراني ، لدعم عصابات الأسد ، ودعمها بجميع أشكال الدعم البشرية والمالية والعسكرية والدينيّة والمذهبية أجرأ على باطلهم ، من العرب والمسلمين على حقّهم في إنقاذ الشعب السوري العربي المسلم في غالبيّته من الإبادة الجماعية على يد تلك العصابات الصفوية الحاقدة ...!!!

ولنا من تاريخنا العربي والإسلامي الأغرّ القدوة والأسوة ...

فلقد جيّش العرب والمسلمون الغيارى عبر تاريخهم المشرّف جيوشاً جرارة لأسباب أقل بألف مرّة مما يجري اليوم في سورية الحبيبة ، مثل استغاثة حرّة ... !!!

ولعل أول تلك الأصوات المستغيثة التي صدحت في أذن التاريخ ، هو صوت المرأة الأنصارية المسلمة ، التي غدر بها ( يهود ) ، في سوق بني قينقاع ، فكشفوا بعض عورتها ، فصاحت ، وامحمداه .!!!

وجاءها الجواب من القائد الأول لهذه الأمة المجاهدة : أن (يـا لبيكِ ) .!

وزحف النبي صلى الله عليه وسلم  ، بجنود الحق يدك أوكار اليهود ، حتى مزقهم وشرّدهم في الآفاق .!!!

ومن من العرب والمسلمين يجهل صرخة الهاشمية الحرّة التي غدر بها الروم فأسروها ، فصاحت صيحتها التي غدت مثلا" وامعتصماه .!!! فأجابها المعتصم ، من عراق التاريخ والأمجاد :  أن ( يـا لبيك ) !!!

وجهز جيشاً لجباً ، قاده بنفسه ، واقتحم به عمورية ، ولم يرجع إلا بالأسيرة المسلمة ، وهي حرة عزيزة ، ولا تزال كلمات أبي تمام التي خلد بها تلك الملحمة الرائعة تجري في عروقنا ، والتي قال فيها :

السيف أصدق أنباءً من الكتبِ    في حدّه الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ

ومن هناك .. من وراء البحار .. من الأندلس الخضراء ، صدح صوت امرأة مسلمة ، غدر بها الأعداء فأسروها ، فصاحت :  واغـوثـاه بــك يا حكم ...!!!

( الحكم الأول بن هشام الأول ملك قرطبة من 180-206هجري).

وانطلق النداء يجلجل في أرجاء الكون ، حتى بلغ الحكم ملك قرطبة ، فصاح من فوق عرشه: أن ( يــا لبيك ) .!!!

وتحرك من فوره على رأس جيش يعربي يعشق الموت في سبيل الحرية ، حتى دهم العدو في عقر داره ، وخلص الى الأسيرة المسلمة ، وقال لها : هل أغاثك الحكم يا أختــاه .!!؟

فانكبت الأسيرة تقبل رأسه ، وهي تقول : والله ، لقد شفى الصدور ، وأنكى العدو ، وأغاث الملهوف ، فأغاثه الله ، وأعز نصره ..!!!

ولله در الحجاج بن يوسف الثقفي ، يوم بلغه صوت عائلة مسلمة أسرها الديبل في أعماق المحيط الهندي ، فصاحت في أسرها : يا حَجاج .!!!

وانطلقت الصرخة تهز أوتار الكون ، حتى بلغت العراق ، بلد النخوة ، والكرامة ، والنجدة .! فصاح الحجاج بأعلى صوته والتاريخ أذن تسمع: أن يـــا لبيك  .!!!

وأرسل جيشاً لجباً جعل عليه أعظم قواده ، محمد بن القاسم ...

وتحرك الجيش العربي المسلم ، يحدوه صوت المرأة العربية المظلومة ،حتى اقتحم بلاد الديبل (كراتشي حالياً ) ، وقتل ملكها ( داغر ) .! وعاد بالمرأة العربية المسلمة حرة عزيزة .!!!

أما من المجتمع الدولي فيكفينا الضغط السياسي والإعلامي ، وسحب الشرعية من العصابة الأسدية المجرمة ، وتقديم كل أشكال الدعم المعنوي والإغاثي للشعب السوري المنكوب ...

ولم أسمع أو أقرأ حتى الآن أن سورياً واحداً في الداخل والخارج يقبل بالتدخّل العسكري الأجنبي في سورية ، أو يقبل بالاستقواء بالأجنبي مهما عظمت التضحيات ، أو يقبل بدخول الوطن على الدبابات الغربية أو الأمريكية ، وهي نقطة تعتبر من مفاخر المعارضة السورية فيما أعلم  .

لكن الاستقواء بالأجنبي ، والدخول على دباباته شيء ...!!!

ودعم المجتمع الدولي ، ومنظمات الأمم المتحدة للشعب السوري ، وضغطها بكل أشكال الضغط السياسي والإعلامي والاقتصادي وغيرها ، للوقف الفوري والعاجل لعمليات القتل والإجرام والاعتقال والتهجير والتدمير والإبادة الجماعية ، التي ترتقي في جميع الأعراف الدولية والإنسانية إلى مرتبة ( جرائم ضد الإنسانية  وإبادة الجنس البشري) بحق الشعب السوري الأعزل ، لمجرّد خروجه في مظاهرات سلمية حضارية ، يطالب فيها بأبسط حقوقه الإنسانية في العزّة والكرامة والحريّة ، المغتصبة من عصابات الأسد وشبّيحته منذ ما يزيد على أربعين عاماً ، شيء آخر ...!!!

دمشق : في العشرين من رمضان / 1432 هجري

الموافق للعشرين من آب / أغسطس / 2011 ميلادي