رسائل ما قبل الكارثة!!

حسام مقلد

رسائل ما قبل الكارثة!!

حسام مقلد *

[email protected]

ماذا يريد المجلس العسكري لمصر؟ وما المستقبل الذي يتمناه للمصريين؟ وهل فكر أعضاء هذا المجلس ملياً في عواقب الهاوية التي يُدْفَعُ نحوها الشعب المصري، ويُجَرُّ إليها جرًّا من خلال الإصرار على إجهاض حلمه في الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية؟!

لقد اكتشف المصريون شيئا فشيئا أنهم وقعوا ضحية تلاعب المجلس العسكري (وقوى عديدة أخرى في الداخل والخارج ...) بأحلامهم وآمالهم في بناء دولة مدنية ديمقراطية عصرية ذات مرجعية إسلامية تحفظ لهم هويتهم وتحمي خصوصيتهم وتَميُّزَهم الحضاري، وتحقق نهضةً حقيقية وتنمية شاملة في جميع المجالات تعوضهم عن عقود الفقر والحرمان، ونهب خيرات البلد لصالح قلة من اللصوص والفاسدين (تحت مسمى رجال أعمال).

وبترشيح اللواء عمر سليمان للرئاسة تأكد لدى الشعب المصري أنه شرب أكبر مقلب في التاريخ، فالرجل الذي كان يجب أن ينضم إلى رفاقه في مزرعة طرة أصبح مرشحاً رئاسياً يسعى لاستكمال أهداف الثورة التي قامت لاجتثاثه مع النظام السابق من الحياة السياسية المصرية!!

وما أصدق المتنبي حين قال:

وماذا بمصر من المضحكات                ولكنه ضحك كالبكا!!

إن عمر سليمان كان الذراع الأقوى والأطول للرئيس المخلوع، وذلك يعني أنه أحد أهم أركان النظام السابق وأعمدَتِه المطلوب إسقاطها وإزالتها من حياتنا العامة، وكان من المفترض أن يتوارى الرجل عن الأنظار وينسحب من الحياة السياسية، ويحمد الله تعالى على العافية، ويقضي بقية عمره يستغفر ربه عما اقترفه من جرائم في حق مصر وأهلها لا أن يرشح نفسه ليحكمها من جديد!!

 

في الحقيقة لم يعد لدى قطاعات واسعة جدا من المصريين أدنى شك في أن المجلس العسكري تلاعب بجماهير الشعب المصري من أجل كسب المزيد من الوقت للالتفاف على الثورة، وأنه يخشي نجاح المشروع الإسلامي بعدما لاحت بوادر ذلك في الأفق...؛ فاتجه للتحالف ضد الإسلاميين مع: العلمانيين، والليبراليين، واليساريين، وفلول النظام السابق ورموز سلطته، كرجال الأعمال، وقادة الأمن الوطني، بل وأجهزة المخابرات الدولية والعربية، وكل القوى المحلية والإقليمية والدولية التي يهمها إجهاض مشروع النهضة المصرية ذي المرجعية الإسلامية، رغم أحقية أصحاب هذا المشروع في إعطائهم الفرصة كاملة؛ لاسيما وأن الشعب المصري قد منحهم الشرعية واختارهم بأغلبية كاسحة.

وفي هذا السياق نفهم بوضوح الآن الأسرار الكامنة وراء بعض الظواهر الغريبة والأمور المريبة، مثل:

الإصرار على شل مجلس الشعب ونزع فعاليته؛ لإحراج أغلبيته الإسلامية أمام المواطنين.

إفشال اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، من خلال الضغط على جهات كثيرة للانسحاب منها، والطعن في تشكيلها.

زيادة معاناة الموظفين والفلاحين والصناع ومختلف شرائح الشعب، وتهديدهم في أرزاقهم.

استمرار الانفلات الأمني بشكل بشع وغريب على طبيعة المجتمع المصري.

تفجير أزمات الخبز والبنزين والسولار وأنابيب الغاز من آن لآخر.

المساهمة في شيوع الفوضى والعشوائية في كل مكان في مصر؛ للترحم على أيام المخلوع.

إرباك عجلة الإنتاج وتعمد إيقافها في بعض المواقع من حين لآخر؛ لإثارة غضب الناس على الثورة والثوار، والإسلاميين الذين جلبتهم.

استنزاف احتياطي النقد الأجنبي وترويع المصريين بانهيار اقتصادي وشيك.

العودة لفزاعة التخويف بالإخوان والسلفيين.

إن خيوط المؤامرة على حلم الشعب المصري واضحة الآن وضوح الشمس في رائعة النهار، ولم يعد بخافٍ رهان المجلس العسكري (وفلول النظام البائد) على عمر سليمان باعتباره الرجل القوي الذي يمتلك أخطر الملفات بحكم رئاسته سابقاً لجهاز المخابرات العامة، ويظن هؤلاء أنه الشخصية القوية القادرة على هزيمة المشروع الإسلامي بالضربة القاضية، لكن هذا الرهان هو عودة بمصر زهاء ستين سنة للوراء، ومحاولة مفضوحة لإعادة التاريخ بطبعة معدلة تناسب متغيرات العصر، لكن هذه المؤامرة الخطيرة ملغومة بكثير من المتفجرات، وستفتح على مصر والشرق الأوسط والعالم صندوقا للشرور أبشع من صندوق بانادورا الأسطوري، وكل المؤشرات تؤكد أن الإصرار على المضي في هذه الطريق المدمرة سيؤدي إلى وقوع كارثة محققة في المنطقة والعالم، وقبل ذلك ينبغي للمعنيين بالأمر أن يقرؤوا الرسائل التالية ويتأملوها جيداً قبل فوات الأوان:

ما مصير شباب الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد والحركات الأخرى الذين نبذوا العنف، والتزموا بالمراجعات التي أقرها شيوخهم واتجهوا للعمل السياسي؟ ومن يضمن التزامهم بهذا المنهج السلمي وهم يرون أن الطريق أمامه موصدة تماما؟ 

كيف سيقتنع شباب الإخوان المسلمين وشباب السلفيين بجدوى الانخراط في العمل السياسي وهم يرون الإصرار على تهميشهم وإقصائهم وتشويه صورتهم باستمرار؟ ومن يضمن عدم انجرار هؤلاء إلى العنف من باب تغيير المنكر باليد؟!

يدرك شباب الثورة أن عمر سليمان يعرف كل شيء عن جميع أطياف المشهد السياسي المصري، ويعرفون جيدا أن جميع القوى التي شاركت في اندلاع  ثورة 25 يناير ستكون عرضة للانتقام المادي والمعنوي حال فوزه بالرئاسة ـ فهل سيسمحون بذلك أم سيلجؤون لكل طريقة ممكنة للدفاع عن أنفسهم ولو اضطروا لحمل السلاح؟! وهل سيغامر المجلس العسكري بجرِّ مصر لحرب أهلية طويلة المدى بين الجانبين؟! وهل يتحمل أعضاؤه مسؤولية ذلك أمام الله تعالى، ثم أمام التاريخ والأجيال الجديدة القادمة؟

هل فكر المجلس العسكري وحلفاؤه في رد الشعب المصري على احتقاره بهذه الصورة المشينة، وازدراء إرادته والاستهزاء به، وخداعه طيلة عام ونصف، وضربه على قفاه أمام العالم أجمع؟ وهل يظن هذا المجلس أن المصريين قطيع من الأغنام، وأنهم سيبتلعون الإهانة بهذه السهولة؟ ولماذا لا يعمل حساباً لردة فعلهم التي من المؤكد أنها ستكون عنيفة ومدوية...؟!

إن دخول عمر سليمان انتخابات الرئاسة القادمة يجعلها مشكوكًا في نزاهتها؟! لأن المجلس العسكري ووزارة الداخلية التابعة لحكومة الجنزوري سيشرفان على إجراء هذه الانتخابات ـ فمن يضمن نزاهة انتخابات ينافس فيها رجل دولة قوي وتقوم عليها أجهزة الدولة؟ لاسيما أن قرارات اللجنة المشرفة على تلك الانتخابات محصنة ضد أي طعن، وأحكامها نهائية وقاطعة لا معقب لها!!

إذا كان هدف كل ما يحدث من محاولات الالتفاف على الثورة المصرية ووأد مشروع النهضة المصري في مهده هو حماية أمن إسرائيل ـ فهل تأمن إسرائيل على نفسها من غضبة الإسلاميين المصريين (وغيرهم من الإسلاميين في شتى أنحاء العالم ...!!) ونقمتهم عليها بعد سعيها في الخفاء للإجهاز على حلمهم في بناء وطنهم؟ ومن يضمن لها ألا تستقبل ملايين المجاهدين والفدائيين الإسلاميين بشكل غير مسبوق وتعرض مصالحها لخطر حقيقي في جميع أنحاء العالم؟!

لقد تأكدت الولايات المتحدة الأمريكية (وغيرها...) أن مصالحها الاستراتيجية مع الشعوب وليست مع الطغاة، ولا شك أنها تسعى جاهدة لعدم وجود أية معوقات أيدولوجية لهيمنة النموذج الغربي الأمريكي على المنطقة والعالم ـ فهل تغامر بذلك من أجل دعم نظام ديكتاتوري جديد في مصر؟

يمر الاقتصاد العالمي بأزمات حادة ومتفاقمة منذ عدة سنوات ـ فهل يتحمل هذا الاقتصاد اضطراب الأوضاع في مصر والشرق الأوسط على نحو خطير يهدد الملاحة في قناة السويس، علما بأنها ستكون حتماً هدفا دائما للثوار الغاضبين؟! 

تأكدت الأنباء المتواترة بأن بعض مسئولي دول الخليج  يؤيدون خنق اقتصاديات الربيع العربي وعلى رأسها مصر، وتناقلت وسائل الإعلام مرارا ضغط هؤلاء مرارا على المجلس العسكري للعفو عن مبارك، كما تناقلت نبأ دعمها لترشيح عمر سليمان وترحيبها بالدفع في هذا الاتجاه ـ فهل تضحي هذه الدول بمصالحها التاريخية الأهم مع نحو تسعين مليون مصري من أجل حفنة من الطغاة الجدد تتوهم أنهم خير داعم لها... ؟!!

يفسر الخبراء الموقف السلبي لبعض مسئولي دول الخليج  من ثورات الربيع العربي وعلى رأسها الثورة المصرية بخوفهم من انتقال العدوى إليهم لاسيما لو نجحت هذه الثورات في تحقيق أحلام شعوبها في الحرية والكرامة، فهل يضمن هؤلاء ألا تعود عليهم هذه المواقف السلبية بنتائج عكسية؟!

وصفوة القول: يجب على الجميع  وفي مقدمتهم المجلس العسكري أن يدرك بكل وضوح أن الشعب المصري لن يقبل أبداً أن يُهان أو يحتقر بعد ثورة 25 يناير المجيدة، وأنه لم يقم بهذه الثورة الشعبية العظيمة لاستبدال عمر سليمان بمبارك!!

إن هذا الشعب العريق قد سئم التبعية والهوان، ويريد بناء دولة مدنية حديثة تحقق الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية لجميع أبنائها (بغض النظر عن الدين أو اللون أو الجنس أو العرق) وتوفر لهم سبل الحياة الكريمة، والمجلس العسكري مستأمن على تحقيق طموحات الجماهير، وتمكين الشعب المصري العظيم من إنجاز مشروعه الوطني الكبير، ولن تفلح كل هذه المؤامرات والمكائد في إثنائه عن ذلك، ولن يسمح المصريون بالعبث بآمالهم وأحلامهم، ولن يستسلموا أبدا مهما كانت التحديات والعقبات، والقوى الوطنية المصرية مدعوة الآن وبقوة لتوحيد صفوفها ونسيان جدالاتها وخلافاتها السياسية؛ لحماية ثورتها المجيدة من السرقة، ولا شك أن جميع هذه القوى على أتم استعداد لاستئناف موجات ثورتنا الشعبية العظيمة مجدداً مهما كانت الأثمان الباهظة التي ستُدْفَع هذه المرة!!

               

 * كاتب إسلامي مصري