على هامش الأزمة السورية

مشعل الجربا

على هامش الأزمة السورية

هل تحول الصراع في وسوريا

إلى صراع على سوريا

مشعل بن عبدالعزيز الجربا

أولا :من أجل تبسيط حالة الصراع القائمة على ارض الشام ، يمكننا تقسيم المجتمع السوري في هذه الأزمة إلى 3 فئات :

الفئة الأولى: و هي الموالية لنظام الأسد و تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: يؤيد النظام بسبب قناعته أن سوريا تتعرض لمؤامرة خارجية تهدف إلى النيل من مواقفها الوطنية و القومية لأنها تمثل أحد محاور الممانعة و المقاومة في المنطقة و هو مقتنع و مؤمن بمبادئ و قيم النظام و يتبناها و هذه الفئة من المجتمع السوري موجودة رغم قلتها.

القسم الثاني: يؤيد النظام بسبب المصالح المشتركة و المكتسبات المادية التي أغدقها عليه النظام للحفاظ على تأييده و يتمثل هذا القسم ببعض أقطاب البرجوازية التجارية و الصناعية الحديثة بالإضافة إلى كبار الضباط و موظفي الدولة الذين استطاعوا تكوين ثروات من فساد النظام خلال العقود الماضية.

القسم الثالث: يؤيد النظام بسبب الخوف من المجهول حيث استطاع النظام من خلال العزف على وتر الطائفية تخويف بعض الأقليات كالعلويين و المسيحيين و الدروز بأن البديل إما فوضى عارمة يدفع ثمنها الأقليات أو نظام سني متطرف سيعمل على قمعهم و تهميشهم.

الفئة الثانية: المعارضة لنظام الأسد و هي الشريحة الأوسع و تمثل كافة أطياف المجتمع السوري و إن كان السنة يشكلون الأغلبية فيها، و هذا يبدو طبيعي بسبب التهميش و القمع و التنكيل الذي مورس ضدهم طيلة 40 عاما من حكم عائلة الأسد. هذه الشريحة أيدت الثورة لأنها تريد استعادة حريتها المصادرة و كرامتها المهدورة و حقوقها المسلوبة، تريد نظام ديمقراطي تعددي يعيش فيه الجميع على قدم المساواة ، نظام يسود فيه القانون و يحقق المساواة بين كافة أطياف المجتمع و يحقق التنمية ويضمن التوزيع العادل للثروة.

الفئة الثالثة: و هي الشريحة الصامتة التي لم تقرر موقفها بعد من الثورة بشكل واضح رغم كرهها و عداوتها للنظام إما بسبب بقايا الخوف القديم من النظام فلا تستطيع الإعلان عن موقفها المعارض صراحة أو المشاركة بالحراك الثوري على الأرض خوفا من بطش النظام و انتقامه أو بسبب عدم قناعتها بشخوص و رموز المعارضة و كفاءتها و قدرتها على إنتاج نظام بديل أفضل.

ثانيا: مر عاما على بداية الثورة و القتل مستمر بل أنه يزداد شراسة و ضراوة يوما بعد يوم و لا نسمع من العالم إلا  كلمات المواساة و الشجب و التعاطف، بل حتى عبارات الانتقاد و التنديد و الوعيد بدت اقل حدة من قبل و انخفضت وتيرتها بازدياد بطش النظام و أصبحت تتحدث عن مبادرات دبلوماسية و حلول سياسية لحل الأزمة في حين أن النظام مستمر بحلوله الأمنية و العسكرية إلى أبعد حد.

نظام يقتل شعبه و ينكل بهم و يغتصب النساء و يهدم البيوت فوق رؤوس أصحابها و يهجرهم من ديارهم ، يعتقل الأطفال و يعيدهم إلى أهلهم جثث مشوهة، هذا نظام أوغل في القتل و التدمير و فقد أسباب و مبررات وجوده..

حتى الآن وحسب التقديرات المتحفظة يوجد أكثر من 10 ألاف قتيل، أكثر من 50 ألف جريح، أكثر من 50 ألف معتقل، أكثر من 50 ألف لاجي داخل و خارج سوريا،

 السؤال هل هناك فرصة لمثل هذا النظام أن يستمر في إدارة البلاد و التحكم بمصائر العباد و أن ينجو من العقاب بعد كل ما فعله من قتل و تدمير و تهجير و تعذيب.

المحزن بالأمر أن نفس النظام قام بنفس الفعل الشنيع قبل 30 عاما و بنفس الأسلوب و الأدوات عندما ارتكب جريمته الشنيعة في حماة و تدمر و بقية المدن السورية في الثمانينيات دون أدنى عقاب و هذا ما قد شجعه على تكرار التجربة مرة أخرى. كنا نعتقد أن ضعف الإعلام في ذلك الوقت عن نقل الوقائع بصورتها البشعة بالإضافة إلى ظروف الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي و الغربي ساعدت النظام على التفرد بضحيته و ارتكاب جريمته و الإفلات من العقاب و لكن  أن يتكرر المشهد و المأساة مرة أخرى لنفس الجلاد و لنفس الضحية بل بصورة أكثر بشاعة و دموية و أمام مرأى و مسمع

 العالم فهذا ما لم نكن نتصوره أو نتخيله و مثل هذا الموقف المتخاذل من المجتمع الدولي يحتاج إلى تفسير.

ثالثا: النظام يدعي بوجود مؤامرة كونية على سوريا و أنا أتفق معه تماما على مبدأ المؤامرة و لكن هذه المؤامرة هي على هذا الشعب الأعزل الجريح المستباح و ليس على النظام الذي دعمه الغرب قبل الشرق لاحتلال و التحكم بمصير هذا الشعب على مدار أربعين عاما و إضعافه و تحجيم دوره و سلخه عن هويته و انتمائه لخلق توازنات إقليمية و تجاذبات مذهبية في المنطقة لتحقيق مصالح الغرب و إسرائيل.

الصراع في سوريا بين نظام دكتاتوري دموي يملك كل أسباب القوة و البطش مدعوم بأجهزة أمنية فتاكة و بجيش مدجج بالسلاح لا يتوانى عن قتل مناوئيه و بين شعب أعزل عاش حياة الذل و الخنوع عبر عقود و قرر أن يتخلص من قيوده و الانتفاضة على جلاديه لاستعادة حريته المسلوبة و كرامته المهدورة.

الصراع على سوريا بين دول تعلن دعمها الواضح و العلني للنظام سياسيا و إعلاميا و عسكريا كروسيا و إيران و بين دول ترغب في تغيير النظام و تتعاطف مع الشعب الثائر كتركيا و السعودية و قطر و لكنها غير مستعدة لتحمل الأعباء و دفع الثمن أو الدخول في صراع مكلف مع الدول الداعمة للنظام.

الولايات المتحدة و فرنسا لا تعتبران الأزمة السورية أولوية لهما على الأقل خلال الفترة الحالية فلكل من الدولتين استحقاقات رئاسية على الأبواب و لا تريدان الدخول في مغامرة غير مضمونة النتائج مما يوثر على فرصهم في الفوز بالانتخابات القادمة. بل على العكس قد ينظران للأزمة في سوريا على مبدأ لم آمر بها و لكنها لا تضيرني.

تركيا تعيش حالة تناقض و أزمة أخلاقية، فهي ترغب في مساعدة الشعب السوري لإنجاح الثورة خاصة بعد التصريحات القوية و النارية التي أطلقها أردوغان في بداية الأزمة و تطمح إلى لعب دور ريادي في مستقبل سوريا الجديدة، لكن في نفس الوقت لا تستطيع المغامرة بلعب دور أكبر من دون غطاء دولي و دعم إقليمي ناهيك عن المشاكل الداخلية و الخارجية التي تنتظرها أذا ما بدأت بلعب مثل هذه الدور  فإيران و العراق و حزب العمال الكردستاني و الأقلية العلوية في تركيا قد يسببان لها الكثير من المتاعب التي هي في غنى عنها.

المملكة العربية السعودية و قطر ترغبان حقيقة في دعم الثورة السورية لأسباب أخلاقية أولا و لأسباب إستراتيجية  ثانيا، فهاتان الدولتان لا تستطيعان الوقوف على المدرجات بصفة المتفرج و الدماء السورية تسيل كل يوم و القنوات الفضائية تنقل أبشع الصور عن المجازر اليومية بحق الشعب الثائر و هي ترى الدعم الإيراني اللامحدود للنظام لعدة أسباب أكثرها طائفي. في المقابل ترى الدولتان في تغيير النظام مصلحة إستراتيجية لهما في مواجهة التهديد الإيراني و المد الفارسي الصفوي في المنطقة خاصة بعد رحيل نظام مبارك الحليف في مصر، فوجود دولة محورية في

 المنطقة كسوريا و من ورائها لبنان على خط الاعتدال بالإضافة إلى الأردن يعطي منطقة الخليج عمق استراتيجي كبير و هام يساعدها في مواجهة التحديات المقبلة. لكن بغياب الغطاء الأممي و الدعم الغربي الواضح للتغيير في سوريا فان قدرة الدولتان على تقديم دعم مادي واضح و علني للثوار يبقى محدود.

  دروس التاريخ علمتنا أن إرادة الشعوب لا تقهر و أن حقها في تقرير مصيرها لا بد أن ينتصر في النهاية فليل الظالم قصير مهما طال و الظلم لا يمكن أن يدوم و لكن حتى تتغير موازين القوى الداخلية أو الخارجية أو تحدث مفاجآت غير متوقعة على الأرض تبقى كافة السيناريوهات المحتملة بين سيئة و سيئة جدا،

السيناريو الأول:  تخلي المجتمع الدولي عن الشعب السوري تماما و ترك آلة القتل السورية تدمر ما تبقى من المدن و تهجير أهلها لوأد الثورة الوليدة لا قدر الله و العودة إلى عصر الظلام و القهر و الذل و الخنوع و هذا ما لن يقبل به الشعب لأنه يعرف أن تكلفة الرجوع إلى ما قبل 15 آذار 2011 مكلفة و باهظة أكثر من الاستمرار في الثورة.في حال تحقق هذا السيناريو و هو مستبعد ستعيش سوريا حالة عزلة و حصار دولي و إقليمي خانق كالذي عاشه العراق في التسعينيات مما يضعف الدولة و النظام و يفتت مكونات الشعب السوري و يعيد سوريا إلى الوراء عقود من الزمان.

السيناريو الثاني: تحول الصراع الدائر إلى حرب أهلية طويلة الأمد بين مكونات الشعب الواحد و ما يترتب عليه من تقسيم البلد على أسس طائفية و عرقية و أثنية و تتحول فيه سوريا إلى ساحة حرب إقليمية على النمط اللبناني.

السيناريو الثالث: الدخول في مفاوضات بين أطراف النزاع (النظام و المعارضة) تحت إشراف دولي و إقليمي للوصول إلى تسوية وسط تبقي النظام مع إجراء بعض التعديلات التجميلية و تعطي المعارضة دور أكبر في الحياة السياسية و لكن على كل طرف الاستعداد لرفع سقف التنازلات التي سوف يقدمها للطرف الآخر لأنه لن يكون هناك منتصر أو مهزوم.

و حتى يأذن الله بنصر من عنده، نسأل العزيز القدير أن يرحم أهلنا في سوريا و أن يحفظ لنا شامنا الحبيبة و ينصرها على ظالميها و أن يعيد إلى عاصمة الأمويين تألقها و بريقها لتأخذ دورها التاريخي الذي تستحقه و الذي أريد تغييبه خلال العقود الماضية،

 و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين نبينا محمد.