تحريض الجيش على الانقلاب!
تحريض الجيش على الانقلاب!
أ.د. حلمي محمد القاعود
من الطبيعي أن تزدحم الحياة السياسية في مصر بالأفكار والآراء والأزمات التي يصنعها الحراك السياسي الإيجابي ، بعد ستين عاما من القهر والقمع والاستبداد الفاشي الذي عاشته مصر تحت حكم إرهابي بشع ، صادر الحرية وأهدر الكرامة وترك المجال للصوص والفاسدين كي يمرحوا ويرتعوا دون رادع من قانون أو ضمير ، وحارب الإسلام واعتقل الإسلاميين وحشرهم في السجون المظلمة وقتل كرامهم تحت التعذيب الوحشي ، وعلق قياداتهم على أعواد المشانق ، واستعان بأبواق مأجورة ، على استعداد أن تبيع الآباء والأمهات بثمن بخس في سبيل تحقيق مآربها ومصالحها الحرام ، وكان في مقدمة هذه الأبواق المأجورة نفر من الشيوعيين ؛ تلامذة الصهيوني الخائن هنري كورييل ، تحولوا بعد أن أخرجهم خروشوف من السجون أو جندتهم أجهزة الأمن لخدمة النظام المستبد الفاشي في صوره الثلاث ..
هذه الأبواق المأجورة تصدرت المشهد السياسي والثقافي طوال ستين عاما ، وأقصت غيرها بكل قسوة وبجاحة ووقاحة ، ولم تستح وهي تعلن بعد الثورة أنها من الثوار والمناضلين ، وسمحت لنفسها أن تقنّن للثورة والثوار ، وأن تجعل من نفسها وصيا على الأمة ، وأن تطالب علنا – ويا للعار! – بإقصاء الإسلام لأنه يغيّر هوية مصر ، وتدعو الجيش المصري للانقلاب على الحرية والديمقراطية دون أن يهتز لها جفن ، أو يصعد الدم إلى وجهها ..!
وهاهو شيوعي حكومي يدعو في صحيفة حكومية واسعة الانتشار الجيش المصري إلى حل مجلسي الشعب والشورى ، والجمعية التأسيسية والعودة إلى نقطة الصفر لوضع دستور أولا يليه إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية ، إنه يحلم باستعادة جريمة 1954م التي اقترفها زعيمه خالد الذكر!
يبدأ الكاتب الشيوعي المتأمرك مقاله بانتظار الجيش ليتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين بالطريقة التي يريدها هو ، فيتهم أفراد الجماعة بأنهم أصحاب مشروع متكامل لتغيير هوية الدولة المصرية، وتجاوز الوطن إلي الأمة وإحياء الخلافة، ثم يحرض على جهة رسمية لا نعلمها قائلا : " الخطورة في العام الأخير أن ثمة دلائل تشير إلي انحياز ما من مركز الثقل في الدولة المصرية إلي الجماعة، والدليل السماح لحزب منطلق منها علي أسس دينية بالعمل لأول مرة في حياتنا السياسية " ، وكأن الشيوعي الحكومي لا يعرف أن مصر مسلمة ، والحزب الذي يعادي الإسلام هو الذي يجب منعه مثل الأحزاب الشيوعية التي تم التصريح بها في زمن المخلوع وما بعده ، ثم يتطوع بتقرير أمني على غرار مخبري المباحث يقول فيه : إن الإخوان بعد الرئاسة سوف ينقضون علي الجيش نفسه، ولديهم الميليشيات المسلحة، الجيش المصري هدف نهائي لهم، فهو العمود الفقري للدولة، حتى وإن بدا في سياسات المجلس الحالي ما يمالئ الإخوان،.... وما يجري الآن تغيير هوية الدولة المصرية إلي الخلافة، التي سيصبح فيها المختلف دينا مجرد ذمي ، والمختلف رأيا مارق، لا حقوق للمواطنة لأن الوطن نفسه ليس موجودا في مفهومهم ونظرياتهم، .... وفي اللحظة المناسبة سيعلن أحد حكام الخليج خليفة للمسلمين، وتبايعه الجماعة ".
هذه بعض مسوغات الكاتب الشيوعي المتأمرك ليقوم الجيش بانقلاب عسكري ، حيث تمتد فترة الانتقال إلى ما لا نهاية ، ويسعد الكاتب وأمثاله الذين عاشوا في حظيرة مبارك الثقافية بالاستمرار على حجر السلطة الحاكمة التي تغدق عليه وعلى أسرته كما كان المخلوع يفعل !
هذا الكاتب الثوري ( بعد يناير ) هو الذي كتب عن مبارك بعد عودته من الرحلة العلاجية في ألمانيا ( مارس 2010) : تحت عنوان (قائد القوات) مشيدا بالسيرة المباركية، منذ أصغى إلى اسم اللواء طيار محمد حسني مبارك بعد عام 1967، وعرف أن من صفاته 'الإرادة الحديدية، الجلد، سعة الأفق، الذكاء، والسمعة الطيبة والعلاقات الحسنة مع الآخرين'. ثم نقل عن زكريا عزمي أن الرئيس مبارك لم يكن يبدي غضبا على عناوين الصحف التي تهاجمه ( أي مبارك ) بل كان يبدي قدرا كبيرا من التسامح والصبر معلقا إنها الديمقراطية'، وأضاف الكاتب الثوري الشيوعي الحكومي : 'لقد جنبت خصاله القيادية مصر الكثير من المخاطر في ظروف عالمية ومحلية مضطربة، ورغم كل المصاعب أشعر أن قلب مصر يتجدد، يموج بالحركة ويضخ الأمل، وعندما رأيت الصور الخاصة باستئناف الرئيس لنشاطه شرعت في تدوين هذه الشهادة التي تخص أبعادا عامة وخاصة تتصل بالرئيس وملامحه الإنسانية، وسعة صدره، وأيضا ما أكنه تجاهه من امتنان ومودة'.
ولكن صاحبنا الثوري ( بعد يناير ) ومحرض الجيش على الانقلاب على الديمقراطية والإسلام ؛ يقول في ندوة بعد ثلاثة أشهر من سقوط المخلوع : إن نظام مبارك 'أسوأ نظام مرّ على مصر... حتى من الاحتلال الأجنبي، فالنظام السابق جرف البلاد، ونهبها بكل طاقته، حتى إن المساحات المخصصة لهموم المصريين في خطابات مبارك تقلصت.. حتى اختفت تماما وحل محلها سخرية واحتقار وتجاهل'. وقد دفع هذا التحول رفيقا شيوعيا يعيش في لندن لوصفه بأنه من خدام الاستبداد وأنه 'كان مع قرينه .. أول المبادرين إلى مد أيديهم لأخذ ما يمكن من القصعة!' أي قصعة مبارك.
الشيوعي المتأمرك ليس وحده في الدعوة إلى انقلاب الجيش على الديمقراطية والإسلام ، ولكنه مثل آخرين من التيار العلماني المعادي للإسلام يؤمنون باستئصال الإسلام ، وإن كانوا يتخذون من الهجوم على الإخوان طريقا لتحقيق غاياتهم الرخيصة ، وقد كتب أحدهم في إحدى صحف الضرار مثل كتابته ولكن بشيء من المواربة ، وتناسى هؤلاء أن الزمان اختلف ، وأن الشعب تغيّر ، وأن الجيش المصري الذي عبر في رمضان يصعب خداعه بمثل هذه التقارير المباحثية الرخيصة ، ويصعب أيضا أن يحارب دين بلاده ، لأنه يعلم أن العدو الصهيوني الذي خدمه هنري كورييل يعلن دون خجل عن يهودية الكيان الغاصب !