أنف البلكيني ونواب الكيف

حسام مقلد

حسام مقلد *

[email protected]

تفاعلت قضية النائب السلفي (أنور البلكيني) على نحو مفاجئ في الأسابيع الأخيرة، وأحدثت لغطاً كبيراً في مختلف الأوساط السياسية والإعلامية في مصر، بل لقد حظيت بشيء من اهتمام عدد من وسائل الإعلام والصحف الغربية كصحيفتي: لوس أنجلوس الأمريكية، والجارديان البريطانية، لاسيما وأن الليبراليين وجدوا فيها فرصة كبيرة للتشهير بالسلفيين وتشويه الإسلاميين عموما والنيل منهم!!

وبدا حزب النور حساساً جداً وعصبياً ومتسرعاً في موقفه من النائب بطل هذه القضية، وهو ما يعكس حال قلة الخبرة السياسية التي تشوب الحزب بسبب حداثة عهده بالسياسة، ولعل هذا يفسر لنا تخبط الحزب أحيانا ووقوعه في أخطاء متكررة.

ولكي يدرأ حزب النور المشكلة عن نفسه أصدر قراراً غاضباً ومتحفزاً (ولا أقول متعسفاً...!!) بفصل النائب، كما تقدم بمذكرة إلي رئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتني يطلب فيها إسقاط عضوية النائب من المجلس، واعتبر البعض أن حزب النور بهذا القرار الجريء والشجاع ـ من وجهة نظرهم ـ قد برأ نفسه، فقد أكد أن النائب (أنور البلكيني) كذب في ادعائه بتعرضه لهجوم من البلطجية، وأن الحزب لا يتحمل هذا الكذب، وينأى بنفسه عن الفضيحة التي تسبب فيها النائب!! (عجباً وهل السياسة تعني شيئا غير الكذب؟! إن كل ساسة العالم يكذبون كما يتنفسون، لكنهم يكذبون بحرفية ومهارة عالية، وليس على طريقة الهواة التي تصرف بها صاحبنا...!!). 

وذهب بعض أنصار حزب النور إلى أنه بجرأته على الاعتراف العلني بالخطأ فإنما يضرب لبقية الأحزاب المثل والقدوة في العمل السياسي الديمقراطي المؤسسي القائم على الشفافية والوضوح، فقراره المفاجئ والشجاع قد أنهي الجدل حول مسؤولية الحزب عن خطأ أحد أعضائه، وملف هذا النائب قد وُضِع بين يدي مجلس الشعب ورئيسه ليُحسم على نحو مُرضٍ للجميع، وقد اتخذ المجلس مؤخرا قرارا برفع الحصانة البرلمانية مؤقتا عن النائب لحين الفصل في قضيته!!

ورغم أن تعامل حزب النور مع هذه القضية يبدو جيدا وشفافا وموضوعيا في الظاهر، ومع ذلك فهناك من يرى غير ذلك، خاصة وأن تعاطي الحزب مع هذه القضية لا يسقط مسئوليته عن اختيار نوابه لمجلس الشعب، وللجميع الحق في أن يتساءل عن معايير هذا الاختيار، ويعتقد الكثيرون أن حزب النور لا يتوانى عن تقديم الأدلة الدامغة والمتكررة على الاندفاع والتهور وقلة الخبرة والافتقار إلى النضج الكافي في المجال السياسي!!

وللأسف الشديد يتأكد هذا الانطباع دوما من خلال التعامل السياسي لعدد غير قليل من أعضاء حزب النور مع كثير من القضايا والتساؤلات التي تثار بين الفينة والأخرى، فكثير من ردود أفعال الحزب وتصريحات رجالاته الإعلامية تأتي سريعة، ولا تنم عن وعي كافٍ بحيل السياسة وألاعيبها، ومكر أغلب وسائل الإعلام التي تنصب شراكها الخادعة لتستدرجهم وتورطهم في إشكاليات كثيرة لتشويه الحزب والافتراء عليه!! 

وليست الزاوية السياسية فقط هي البعد الوحيد لقضية النائب السلفي "أنور البلكيني" فهناك البعد الإنساني الذي أغفله الجميع تقريبا ولم يتحدثوا عنه وهو موقف الرجل أمام نفسه وأمام أسرته وأولاده وأصدقائه ومحبيه، فلمصلحة من تشويه الرجل بهذا الشكل؟! لمصلحة من استغلال لحظة ضعف بشري عادية وقع فيها إنسان كما يقع غيره من ملايين البشر للتشنيع عليه بهذا الشكل الحاد والشرس؟ أكل هذا من أجل التشهير بالإسلاميين من خلال تشويه سمعة حزب النور؟!

وأي عيب في أن يجري شخصٌ ما جراحة تجميل في أنفه؟ وأي بأس في أن يطلب هذا الشخص من طبيبه عدم إخبار أي أحد بإجرائه لهذه العملية نظراً لأية إحراجات اجتماعية يتخوف منها؟ أوليس من حق كل إنسان حفظ أسراره الخاصة وحماية مصالحه الشخصية؟!

 نعم أخطأ البلكيني عندما ادعى أن البلطجية قد هاجموه واعتدوا عليه وسرقوا منه مئة ألف جنيه، ولحزب النور كل الحق في محاسبة الرجل عن ذلك بالطريقة المناسبة، وبما يتناسب مع حجم الخطأ الذي ارتكبه، لكن أهذا الأمر الفردي والسلوك الشخصي الخاطئ يستحق كل هذا اللغط؟ ومن قال إن الإسلاميين ملائكة مقربون أو رسل معصومون؟ أو ليسوا بشرا كسائر البشر ويُتوقع منهم أن يقعوا في حبائل الشيطان كغيرهم؟! علامَ إذن كل هذه الضجة وكل هذه المبالغة في ردة الفعل من جانب حزب النور؟! أفلا يدل هذا الموقف المبالغ فيه على اهتزاز ثقة الحزب بنفسه وبرجاله؟!

ثم ما الذي حدا بمدير مستشفى التجميل الذي أجرى فيه الرجل العملية أن يفشي أسرار مريضه على هذا النحو المخجل؟! ألم يخالف بذلك آداب وقوانين مهنة الطب؟! أفيأمن أحد على نفسه وأسراره الطبية بعد ذلك؟! ألم يكن بمقدور هذا الطبيب أن يوضح الحقيقة لرجال الشرطة على نحو يكفل معالجة الموضوع على نطاق ضيق دون شوشرة أو تشويش؟ وما الذي جذب وسائل الإعلام وهيجها حول هذه القضية بهذا الشكل الغريب والمثير للشك؟!!

هل نسينا قضايا نواب الكيف، ونواب القروض، ونواب أكياس الدم الملوثة في مجالس شعب الحزب الوطني السابقة؟!! وهل ترقى قصة تجميل أنف (البلكيني) لتكون كهذه الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب المصري دون حسيب أو رقيب؟  حقاً ما أضعف ذاكرتنا!! أترانا نسينا عبارة الدكتور فتحي سرور الشهيرة "المجلس سيد قراره" للتغطية على هذه الجرائم البشعة؟! لكن أين كذب شخص من أجل إخفاء تجميل أنفه من جرائم منظمة استهدفت نهب أموال الشعب المصري وقتل أبنائه؟!!

وهل لدى مجلس الشعب المصري بعد الثورة وقت فراغ يضيعه في مناقشة هذه السفاسف مثل: قصة النائب الذي فقد أعصابه وأفلت لسانه منه فسب الآخرين وتطاول عليهم ببذيء الكلام، ونائب آخر غاظته أنفه فقرر جدعها لتجميلها؛ ونظرا للحيته الكثة فاستبشعت نفسُه أن يظهر أمام الآخرين بمظهر الشخص غير ذي الحجا الذي يشغل باله بهذه التوافه، وكبرت المسألة في ظنه فارتاع أن يبدو أمام حزبه وأحبابه وأنصاره بمنظر المغير لخلق الله، لكن أنفه كانت تغيظه وتزعجه وتؤرقه ولم يعد يتقبلها أو يتحمل شكلها، وربما هناك دوافع نفسية عميقة ومشاعر دفينة ألحت عليه بشدة وأوقعته في صراع عنيف لم يجد بدًا معه من تجميل أنفه، فاخترع قصة هجوم البلطجية واعتدائهم عليه كي لا يفقد مركزه الاجتماعي واحترام الناس له، فَلِمَ لا نقدر هذه الظروف وهذه المعاناة النفسية الرهيبة التي كابدها الرجل لاسيما وأنه تصرف في شيء يخصه هو، فتبقى الأنف أنفه وهو حر فيها، وما يهمنا أنه لم يسرق شيئا من أموال المصريين، ولم يمتص دماءهم كما فعل غيره ونجوا بفعلتهم بفضل مقولة(سيد قراره).

وبقي أن أذكِّر أحبابَنا في حزب النور وغيرهم بهذا الحديث النبوي الشريف فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: "أُتِيَ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ برجلٍ قد شرب الخمر فقال: "اضربوه" (أي اضربوه حد شرب الخمر) فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف قال بعض القوم: "أخزاك الله" قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان" (رواه البخاري).

وفي رواية أخرى عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتِيَ برجلٍ قد شرب الخمر فقال: "اضربوه" فمنا الضارب بيده، والضارب بثوبه، والضارب بنعله، ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "بكتوه" فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله!! ما خشيت الله!! وما استحييت من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال بعض القوم : "أخزاك الله"، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه" (رواه أبو داود).

نسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعا الإخلاص في القول والعمل، وأن يحفظ مصر وشعبها من كل الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن... اللهم آمين.

               

* كاتب إسلامي مصري