المجزرة الأخيرة في حمص, خبر وتعليق

د.عبد الغني حمدو

المجزرة الأخيرة في حمص, خبر وتعليق

د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري

[email protected]

[email protected]

قبل كل شيء لايسعنا إلا ان نقول : إلى رحمة الله يامن سفكت دماؤكم من رجال ونساء وأطفال غدراً وحقداً ولؤماً , وإن شاء الله لكم الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء.

عندما نضع أنفسنا في موقف مراقب لاينمتي إلى كلا الفريقين ,سيسأل نفسه مباشرة السؤال التالي:

لماذا لم يخف أصحاب الفعل الشنيع معالم الجريمة , كما فعل آلاف المرات وخلال عقود عدة في إخفاء جرائمه ضد الشعب السوري؟

قبل الاجابة عن السؤال , لابد لنا من العودة لمعنى الدولة ومقومات الدولة واستقلالية القرار التابع لدولة مستقلة , نجد أن مقومات الدولة السورية قد انتهت تماماً بعد انطلاق الثورة بعدة شهور , فالسلطة الحاكمة بمفهومها العام , هي كيان لايمكن الاستغناء عنه , تقتضيه الضرورة لمجموعات من الناس تشترك فيما بينها بمقومات ثقافية واجتماعية وقد تكون عرقية أو مذهبية على قطعة من الأرض , ولكي تنتظم حياة هذه المجموعات البشرية , وجدت السلطة الحاكمة لتحقيق الأمن للمواطن وسيطرة القانون على تسيير أمور الناس للفصل بين الخلافات , وحماية الوطن من العدوان الخارجي .

وعندما يجد المجتمع أن هذه السلطة أخلت بالمسئولية التي كانت ملقاة على عاتقها , يسعى لازالة السلطة القديمة واستبدالها بسلطة أخرى , وعندما قرر المجتمع السوري بغالبيته , استبدال هذه السلطة بسلطة بديلة , لأنها أخلت بكل الشروط المتعاقد عليها , هنا السلطة حولت جميع إمكانيات الدولة التابعة للمجتمع السوري , واستخدامها ضده في أبشع أنواع الجرائم المرتكبة , وبالتالي السلطة تحولت من سلطة تمثل الشعب وتحميه إلى سلطة لقتل وتجويع وتهجير وإذلال الشعب الذي كانت تمثله , فالمنطق يقول أن هذه السلطة أصبحت سلطة احتلال وليست سلطة تمثل الشعب .

وعلى أثر ذلك ,انهارت مؤسسات الدولة المدنية والخدمية , وانهارت العملة الوطنية , والجيش والأمن يتفكك ويضعف يوماً بعد يوم , وهربت الأموال إلى الخارج وأغلقت المعامل والمصانع وتحولت المستشفيات إلى معتقلات للتعذيب والقتل والتصفية , وأصبح الجميع بعيداً كل البعد عن لحظة أمان هادئة يشعر فيها بطمأنينة أكان من المؤيدين أو المعارضين .

وعلى مستوى السياسة الخارجية أصبح وزير الخارجية الروسية هو المفوض السامي الروسي الذي يفاوض ويتحدث ويعقد الصفقات بالنيابة عن السلطة السورية , لأنها أصبحت موجودة فقط بالشكل وليس بالفعل , وعلى مستوى الداخل الذي يقود عمليات القمع والاجرام , هي مجموعات لاتربطها بالدولة إلا مصالحها , وتحول الوضع لعصابات متعددة وعائلات مافياوية , وبحماية الجيش والذي يحميها .ومع الضغط الاعلامي العالمي , والحصار الاقتصادي وسقوط النظام معنوياً وشرعيا وفلتان الأمور من بين يديه , استعمل هذه الورقة الطائفية العلنية , حتى يقابله ردات فعل قوية من الطرف المقابل , كما شاهدنا من تهديدات ودعوات لابادة طائفية كاملة  , هذه الدعوات للتصفيات الطائفية , يستفيد منها عصابات المافيا , بعد شعورهم بالهزيمة , ليقولوا للعالم نحن الطائفة المحرومة والمهددين بالسحق الكامل , فلا بد أن تجدوا لنا مخرجاً , تحفظون فيه دماءنا وحياتنا , ولا يمكنكم حمايتنا إلا بكيان يحمينا كدولة لنا في المناطق التي فيها نسبة كبيرة كالدولة العلوية المقترحة في الساحل السوري .

أو سيجعل قضية الفعل المضاد , بأن يجعل نفسه هو المنقذ للشعب السوري من الحرب الطائفية , وهي الورقة الأخيرة التي يستخدمها النظام الاستبدادي في كل العصور من تخويف المجتمع من خطر محدق ينصب نفسه هو المانع لهذا الخطر , ويقنع الناس فيه , ولكن عندما يصل المجتمع لحالة اليأس ويثور ضد نظامه الفاسد يجد ذلك كان وهماً عاش فيه لعقود طويلة .

فالسبيل الوحيد لنجاح الثورة هو استمرارها على ماهي عليه , وقليل من الصبر وقليل من الوقت ستجدون هذا النظام تحت أقدامكم وقريباً جدا بإذن الله.