دير ياسين سوريّة

صلاح حميدة

صلاح حميدة

[email protected]

مشاهد مؤلمة جدّاً تلك التي نشاهدها في القرى والمدن السّوريّة الثّائرة على النّظام، قصف وقتل ومجازر جماعية، وتنكيل وتعذيب حتّى الموت بطرق تشابه ما كان يجري في محاكم التّفتيش في أوروبّا، ويحتار المشاهد في تقييم شخصيّة من يقومون بمثل تلك الجرائم بحقّ أبناء شعبهم، وفي أيّ مدارس أمنيّة وبوليسيّة درسوا.

ما لفت نظري فيما يجري هناك في الفترة الأخيرة قضيّتين رئيسيّتين:-

 فهناك ظاهرة ذبح عائلات بأكملها والتّمثيل بالجثث، وهدم للبيوت وحرق للأثاث مما أدّى إلى تهجير آلاف العائلات من سوريا وفي داخلها، ووصل عدد المهجّرين من قراهم وبيوتهم إلى الأردن وتركيا ولبنان ومصر وليبيا وغيرها إلى عشرات الآلاف، وهو مرشّح للزّيادة كل يوم.

مشهد العائلات المذبوحة في حمص أعاد الذّاكرة إلى ما جرى في مجزرة دير ياسين عام 1948م، حيث أبيدت عائلة  " زهران" الفلسطينيّة ذبحاً وطعناً بالسّكاكين، ولم ينج منهم إلا طفل صغير، وكلّنا يذكر أثر مجزرة دير ياسين على معنويّات المقاومة الفلسطينيّة والمواطنين الفلسطينيين في تلك الفترة، وما تسبّبت به من هروب واسع للسّكان إلى الدّول المجاورة وإلى مناطق فلسطينيّة أخرى.

مشهد ما جرى في حمص وما تلاه من مشاهد للهروب الواسع للسّكان من إدلب والمدن والقرى الّتي يهدّدها النّظام السّوري بالإبادة، يظهر أنّ ما يجري في سوريا عمليّة تتجاوز كونها محاولات لإنهاء ثورة أو تمرّد عسكري، فما يجري عبارة عن "تطهير سياسي" حتّى لا نطلق عليه "تطهيراً طائفيّاً"، فالنّظام السّوري يقوم بعمليّات تطهير منظّمة للمناطق الثّائرة، وخطورة ما يجري تكمن في انتهاجه لوسائل احتلاليّة لم يستعملها إلا الفرنسيين في الجزائر والطّليان في ليبيا، وإن قلنا أنّ الاحتلال الإسرائيلي انتهج أفعالاً مماثلة في بعض جوانبها، إلا أنّ النّظام السّوري تميّز عنه في إجرامه وتنكيله بالشّعب السّوري، ومن الممكن إطلاق صفة " الحصريّة " للنّظام السّوري في بعض وسائل التّعذيب والتّقتيل والإجرام الّتي ينتهجها.

هذا الفعل إن استمر سيخلق وقائع ديموغرافيّة جديدة في سوريا، فما يجري عبارة عن عمليّة منظّمة وليست عشوائيّة، ولا بدّ أن ينتبه لها السّوريّون ومن يهتمّ لأمرهم، فترك عصابات الأسد تعيث فساداً في سوريا على هذا النّحو، مع التّواطؤ الدّولي والإقليمي سيصل بنا إلى نتائج كارثيّة لن تمحى من ذاكرة شعوب المنطقة بمن فيها الشّعب السّوري.

ولذلك لا بدّ من العمل على تثبيت السّوريين في بلدهم، وتمكينهم من الدّفاع عن أنفسهم، وإمدادهم بكل ما يريدون من أجل تحقيق هذا الهدف، وعدم انتظار أحد ليقدّم الدّعم الدّولي والإقليمي، والإبتعاد عن أصحاب ترف التّنظير بعدم تسليح الشّعب، فمن الواضح أنّ هناك رغبة واضحة لمنح عصابة الأسد الوقت الكافي لتنفيذ أجندة خليطة بين السياسة و الدكتاتوريّة و الطائفيّة، والمشاريع الدّوليّة التي لا زالت تعيش أزمة الإسلاموفوبيا، والمعاديّة لحريّة الشّعوب العربيّة، وواجب الدّول العربيّة والمنظّمات الشّعبيّة والأفراد المؤمنين بحرّيّة الشّعب السّوري وصدقيّة ثورته أن يدعموه بكل ما أوتوا من قوّة، وبكل الوسائل، حتّى لا نصحوا يوماً على نكبة عربيّة جديدة بعد الفلسطينيّة، ويكون ضحيّتها الشّعب السّوري القتيل والمهجّر الّذي كان ضحيّة تكتّل من المصالح الطّائفيّة والرّوسيّة والصّينيّة، وتواطؤ ونفاق الغرب وبعض الدّول العربيّة والعالميّة، فالشّيء الوحيد الّذي نجح فيه نظام يقدّم نفسه كمعادي للإستعمار والاحتلال أنّه ليس إلا نسخة أسوأ منهما معاً.