روسيا وثمن الدماء السورية!!
حسام مقلد *
لم يفاجأ الشعب السوري بالموقف الروسي في مجلس الأمن، فقد كان في حكم المؤكد أن روسيا اختارت نظام الأسد وانحازت إليه منذ البداية، بل إن الموقف الروسي من الربيع العربي وعدم ترحيبهم به بصفة عامة موقف شديد الوضوح؛ فالروس متوجسون خيفة من الأضرار المحتملة على مصالحهم الإستراتيجية في المنطقة وفي عمق دولتهم، وقد حذر المسئولون الروس الساسة الغربيين بشكل سافر ومعلن في وسائل الإعلام من إسلاميي الربيع العربي...!!
إذن كان مستغرباً أن يعوِّل البعض على تغير موقف روسيا في مجلس الأمن وتخليها عن دعم بشار ونظامه المتوحش، فروسيا ـ كغيرها من الدول ...!! ـ لا يعنيها إلا مصالحها أولا وأخيراً، وهي غير معنية بالدماء السورية، ولن تكون أرحم بالسوريين من بني جلدتهم ورئيسهم الفاشي الطاغية، ونظامه السياسي القمعي الظالم، ومن يقف معه في نفس الخندق من العلماء والمشايخ والمثقفين والفنانين ورجال الأعمال وكبار أعيان المجتمع السوري في المدن الكبرى كدمشق وحلب!! فكثيرون من هذه الشرائح أخفوا كلمة الحق، وارتضوا الصمت والتواطؤ خوفا وطمعا، بل بعضهم ارتضى لنفسه الانحياز السافر للنظام المجرم المتوحش تجنبا لبطشه وحماية لمصالحه الشخصية ولو على حساب أرواح آلاف الشهداء السوريين والضحايا الأبرياء!!
الآن الأمور شديدة الوضوح ولا مجال لأي لبث أو غموض: فمجلس الأمن مقيد بالفيتو الروسي الصيني، ولا يلوح في الأفق تغير هذا الوضع قريبا، والجامعة العربية عاجزة كعادتها عن فعل أي شيء إيجابي فهي مجرد كيان مصاب بالموت السريري وكان ينبغي التخلص منه منذ زمن بعيد، والدول العربية كما عهدناها دائما منقسمة على نفسها، ويعاني أغلبها من أزماته الداخلية وليس في مقدورها تقديم شيء يذكر يحمي السوريين ويحقن دماءهم ويوقف عدوان نظام الأسد الغاشم عليهم، والموقف الإقليمي ملتهب، فالتحالف الإيراني السوري وحزب الله يقف على أهبة الاستعداد...!! وإسرائيل تراقب وتنتظر وترجو بقاء نظام الأسد ليحميها، وربما تسعى لتحقيق ذلك...!! وموقف تركيا البراجماتية غامض ونسمع هدير ساستها منذ قرابة عام كامل ولا نرى أية تحركات عملية ذات قيمة الأرض!!
لقد حسم السوريون رأيهم واختاروا ألا يحكمهم بشار ونظامه بعد الآن، ولا رجعة في ذلك بعد كل هذه الدماء التي سالت وآلاف الأرواح التي أزهقت، ثم لا أمان لهؤلاء المجرمين القتلة من سفاحي نظام الأسد وشبيحته وزبانيته، إذن ما العمل والحال هكذا؟!
لابد من استمرار المظاهرات السلمية في سوريا وتصعيدها بكل الوسائل المتاحة بما فيها العصيان المدني الواسع، كما ينبغي أن نرى فوراً هبَّة شعبية في كل دول العالم العربي والإسلامي تساند إخوانهم السوريين مساندة فعالة وليس مجرد تعاطف شكلي، بل يجب أن تشهد العواصم العربية المليونيات والمسيرات الضخمة التي تندد ببشار الأسد ونظامه الغاشم وتعلن تضامنها التام مع الشعب السوري الأعزل، ولعل الثوار في مصر وتونس وليبيا واليمن يكونون الأسرع والأقرب في دعم ومؤازرة الثورة السورية الشريفة الباسلة.
ومن أهم الفعاليات التي يمكن القيام بها على المستوى الشعبي والرسمي توجيه رسائل حاسمة لروسيا والصين بأنهما يقفان الموقف الخطأ وأن الانتهازية والبرجماتية السياسية لن تنفعهم على المدى البعيد، ويجب إبلاغ الروس بوضوح تام أنهم بموقفهم الفاضح مع الظالم بشار الأسد ونظامه المجرم السفاح فقد أحرقوا أي رصيد لهم لدى الشارع العربي، وينبغي إفهامهم بكل الوسائل أنهم الخاسرون إستراتيجياً واقتصاديا وسياسيا وعسكريا باتخاذهم لهذا الموقف المنافق!!
يجب أن يعلم الروس أن الزمن قد تغير وأن وقت حسابهم الشعبي والرسمي آتٍ لا محالة، فالسوريون وخلفهم جميع العرب والمسلمين لن ينسوا أبدا أن روسيا وقفت مع الجزار العلوي الطائفي في دمشق، وأن الأسلحة الروسية أهديت إليه لارتكاب أبشع المجازر وأفظع المذابح الوحشية في كل المدن السورية، ولن تنسى ذاكرة السوريين ولا الشعوب العربية والإسلامية مشاهد الخراب والدمار وبحار الدم السوري المسفوح في: حمص وإدلب وحماة ودير الزور... وغيرها من المدن، وساسة روسيا يزايدون ويرقصون على الأشلاء السورية في مجلس الأمن، لابد أن يفهم الروس أن مصالحهم الحيوية والإستراتيجية في الشرق الأوسط ووسط آسيا باتت مهددة بالفعل، وأن الأمر لن يتوقف عند مجرد الضغط الشعبي بالتهديد بالمقاطعة الاقتصادية، فهذا مجرد إجراء رمزي والكل يعلم أن حجم التبادل الاقتصادي بين العرب وروسيا ليس بالشيء الكبير الذي تخشى عليه روسيا، لكن هذه فقط ورقة ضغط شعبية لإرسال رسالة شديدة الوضوح إلى الروس بأنهم يقفون الموقف الخطأ وأن رقصهم على أشلاء السوريين ومشاركتهم في سفك دمائهم لن يمر دون ثمن، وستدفعه روسيا عاجلا أو آجلا من نفوذها ومصالحها الحيوية، لقد تغير الزمن ولن تسكت الشعوب العربية بعد الآن على من يدمرها ويقتل أبناءها!!
* كاتب إسلامي مصري