جلال وعارف الطويل وقصة الحق والباطل

د. خالد الطويل

د. خالد الطويل

ينحدران من وسط عائلي وفني واحد, وتربطني بهما نفس القرابة, أحدهما انحاز ليناصر الباطل ويقف مع الظالم وهو الممثل المعروف لدى الأوساط الفنية عارف الطويل, وعلى النقيض منه, فقد اتخذ الممثل جلال الطويل الإتجاه المعاكس تماماً عندما صاح بأعلى صوته وأمام الملئ أجمع "يسقط بشار الاسد" رمز الفساد والظلم والإجرام. هذه الحالة ليست هي الحالة الأولى ولا الأخيرة في المجتمع السوري, والتي تنم عن حدوث شرخ في الوسط الاجتماعي وتفكك أسروي واضح, ولا أدل على ذلك إلا ازدياد حالات الطلاق وازدياد الهوة بين محبي النمطية التقليدية وبين عاشقي الإنفتاح والحرية.

الإختلاف بالرأي ومن ثم مناصرة فريق دون آخر هي عملية تمايز طبيعية, وهي سنة ربانية وضعها الله عز وجل بين عباده. ومما لا شك فيه فإن الله تعالى عليم بحال كل واحد داخل المجتمع الإسلامي، يعلم المؤمن منهم صاحب الحق ويعلم المنافق المناصر للباطل، والتمييز بينهم بالنسبة إلى علم الله الذي يحيط بالغيب حاصل منذ القدم، ولكنه سبحانه يريد أن يكون علمه بما هم عليه من الإيمان أو النفاق من باب علم الشهادة لا علم الغيب فقط، فتظهر الحقائق في عالم المشاهدة وتكون واقعاً في حياة الناس، وذلك لكي يتحقق حكم الله في خلقه، ومنها حكمته في الجماعة المسلمة، والتي من أهمها أن يحصل التمييز بين الصالح والطالح في عالم الشهادة وليس في عالم الغيب فقط، قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} فليس من مقتضى حكمته، ولا من فعل سنته أن يترك الصف الإسلامي مختلطاً لا يعرف فيه المؤمن من المنافق، بحيث يتوارى فيه المنافق تحت ستار بعض المظاهر السهلة من مظاهر الإسلام بينما هو في الحقيقة عدو للحقيقة، ولذلك اقتضت سنته أن يميز الخبيث (المنافق) من الطيب (الصادق)، لأن الجماعة المسلمة لا يمكن أن تؤدي دورها على الوجه المطلوب ولا أن تحقق أهدافها بالكيف المرغوب وهي لا تزال تعيش في أجواء الغبش التصوري الذي لا يُمَيز معه بين من يناصر الحق وهو صادق ومن ينتسب إليه وهو في الحقيقة كاذب.

ولابد ان نذكر هنا بأن التمييز يعني في معناه العام التفريق بين العناصر التي تكون متشابهة في بعض المظاهر ولكنها مختلفة في الحقيقة، فيقع الفرز بينها تبعاً لما يتكشف من الحقائق التي تكون مستورة عندما تكون الأجواء راكدة. فالمحنة هي سبباً فعالا في كشف حقائق الناس وإخراج مكنونهم النفسي، لأنها تشكل أجواء الضغط الذي يصعب معه التصنع، فتكون بمثابة الأحداث الساخنة التي تصهر تحت تأثير حرارتها عناصر المجتمع فيفرز الخبث الدخيل، ويتميز هؤلاء من هؤلاء.

الباطل لا يكفّ عن مناوأة الحق, والصراع بينهما قائم منذ قابيل وهابيل، بل منذ أن دخل إبليس عل نبينا آدم وأخرجه من الجنة, وليست "الأحزاب" ولا "أحد" إلاّ نموذجاً للحدث الذي اختبر به الناس في عهد رسول الله فتكشفت حقائقهم، وظهر ما كان مستورا منهم، وفاء كل واحد منهم إلى الفريق الذي يعبر عن حقيقته. ثم ظهر بعد ذلك هذا التمايز بشكل واضح في عهدي علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان ومن ثم انتقل الى ابنيهما الحسين ويزيد, والقصة معلومة للجميع, ومع أن علي (كرم الله وجهه) وابنه الحسين قتلا من قبل معاوية ويزيد, لكن مايزالان يرمزان الى قوة الحق الى قيام الساعة وما نزال نصلي على آل محمد (صلى الله عليه وسلم) خمس مرات في اليوم على أقل تقدير.

نعود الى ثورتنا المجيدة والتي يشهد لها العالم أجمع بأنها ثورة الحق في زمن الباطل, ثورة الكرامة في زمن الذل, ثورة الآلآم على الجراح, ثورة الأقلام على السلاح. ثورة تسمو فوق كل التعصبات, ثورة تحرر العقل من كل المربكات, ثـــورة النور على الظلام, ثورة الصبر على الطغيان, ثورة الحريـــــــة المطلقة, إنها ثورة الحق كله على الباطل كله .

 إن ثورة الشعب الأبي البطل في سوريا هي ثورة إحقاق الحق وإزهاق الباطل, يقدم فيها أروع أمثلة التضحية والفداء في العصر الحديث للقضاء على الفساد والظلم والقهر, في سوريا العروبة والإسلام, سوريا التاريخ والحاضر والمستقبل، ومهما افتعل نظام التلفيق والكذب والدجل من الألاعيب يلعبها وأباطيل يسوقها, فلن يحرف بوصلة هذا الشعب عن مسارها الذي اعتمدته كل قوى هذا الشعب الخيرة من رجاله الأشاوس الشجعان وأبطاله الغر الميامين وهي إسقاط هذا النظام العفن الفاسد واستبداله بنظام تعددي ديموقراطي مدني يكفل لكل مواطن مواطنة كريمة وعيشة حرة. فليس لدى الشعب السوري مايخسره الان، لقد نهبوا أمنه ورزقه وسلامته وحريته وكرامته وماضيه وحاضره، لم يعد لديه مايخسر فهو خارج إلى المعركة بصدره الأعزل وأياديه البيضاء، وقد قرر أن يستشهد في سبيل نقل الصورة والحقيقة، ومحاولة رسم معالم المستقبل لمن سيأتون بعده على الطريق، طريق الحياة التي سلبت منه، والتي لم تعد في سورية تتمتع بالقداسة في زمن الأهوال التي تلتهم الشباب والأطفال فتمضغهم، وتلغي بهم على قارعة الحياة أشلاء يتمنون الموت. ليس لدى الشعب السوري مايخسره، ولكن لدى جلاديه وجلاوزته ومناصريه الكثير مما يقاتلون من أجله، إنهم يقاتلون من أجل الإنتقام من "العبيد" الذين انتفضوا، يقاتلون من أجل الحلف الذي بنوه وانهار على رؤوسهم ورؤوس حلفائهم في المنطقة، إنهم يقاتلون من أجل أن لاتجرف الأقدار شتاتهم وبقاياهم، إنهم يقاتلون خوف انتقام الشعب الأعزل من مجرميهم المتحالفين معهم بالصمت أو بالفعل. إنهم وفي سبيل بقائهم، يقاتلون وحتى النهاية شعباً أعزل قرر الصمود حتى لو فني عن بكرة أبيه!..وهكذا هي قصة الحق والباطل، ونهاية هذه القصة وامثالها مسطرة في كتب التاريخ لمن اراد المزيد.

أقول لمن لم يحسم أمره بعد أو أنه مازال محايداً, لا يمكن لك أن تكون بعد هذا اليوم إمعة, لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء, ذلك لأنك لن تستطيع  أن تضع قدم في صف الحق وأخرى في صف الباطل, منتظراً رجوح الكفة لصف معين في زمن باتت الكلمة هي المعيار, والموقف يعبر عن مبدأ الرجال, ففي زمن اللاحياد يكون الحياد نفاقاً وخداعاً للنفس ويرقى الى مستوى المشاركة بالفعل. وأقول الى الشعب السوري الأبي, ما تحققت حرية ولا انكسرت قيود العبودية والرق ولا دمغ الحق الباطل ولا انتصرت قوى الخير على قوى الشر عبر الصراعات الإنسانية ضمن كل المحطات التاريخية دون مقابل ولا ثمن ولا تضحيات جسام, فالحرية لا تعطى ولا توهب, والشعب السوري اليوم بجميع شرائحه لا يقدم على مذبح الحرية ومقصلة الجلاد حبراً أسود على ورق أبيض سرعان ما يتبلل ويتفتت ثم تلعب به يد الرياح, الشعب السوري يقدم فداء لهذه الحرية دماء زكية طاهرة على تربة نقية طاهرة لذلك لا يمكن أن يكون الجزاء إلا من جنس العمل, لأن سنة الله تقتضي ذلك وستتحقق بإذن الله وسيصنعها السوريون بأنفسهم مهما عاكس النظام السوري التيار الفطري, فبالنهاية ستنتصر إرادة الشعب المظلوم والمغلوب على أمره على إرادة الدكتاتورية والإستبداد الهمجي والسياسات التهريجية.

عودة على ذي بدء, لا يسعني في نهاية المطاف إلا أن أقول حماك الله يا جلال فكنت أسبق وأشجع الناس بقولك الحق جهراً وهذا أعظم الجهاد عند الله, وأقول لعارف أسال الله أن يزيل الران عن قلبك والغشاوة عن عينيك ويجعل بصرك حديد لتصبح بحق عارف بحق الشعب السوري في حياة كريمة  حرة أسوة ببقية شعوب العالم. وأذكر الشعب السوري الأبي بأن أشد الأوقات ظلاماً وحلكة هو مايسبق الفجر الساطع, وكما قال المفكر الإسلامي محمد الغزالي: "إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، هناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته ،ويبلغ الحق فيها أقصى محنته. والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها ، فإذا ثبت ، تحول كل شيء عندها لمصلحته وهنا يبدأ الحق طريقه صاعداً ويبدأ الباطل طريقه نازلاً وتقرر باسم الله النهاية المرتقبة".