إلى أهل الرحيبة، كلمة لابدّ منها
صدى الثورة: نِعَم
إلى أهل الرحيبة الذين كان يجدر بهم أن يكونوا صقورًا حقًّا كما نعتوا أنفسهم دومًا، لست أكتب إلا لأذكرهم وأحاول إيقاظهم من غفلةٍ الله وحده أعلم متى منها يستيقظون..
أتساءل هنا، أأنتم نفسكم يا أهل الرحيبة الذين ثرتم على الظلم يوم لم يثر غيركم؟! أبهذه السرعة تناسيتم (حادثة البلدية) عندما استُقوي علينا بهدم بيوت مخالفة فيما أكثر من نصف دمشق عشوائيات، أبهذه السرعة تناسيتم كيف ثرتم على ما رأيتموه ظلمًا، لتصل بكم الجرأة إلى إحراق البلدية بما فيها ولو لم بحل حائل لأحرقتموها كذلك بمن فيها..!
أتأمّل فقط إن كنتم قد ثرتم عندها لأجل بيوت من حجارة وطين لا أنكر أن فيها شقاء العمر، أم ثرتم لأجل كرامة وعزة هدّمت، كانت تحويها كل طابوقة عمّرت هذا المنزل وذاك! استشهد ثلاثة وجرح من جرح، واعتُقل منكم من اعتقل وبقوا بلا محاكمة، ولم يخرجوا إلا بدفع "فدية" افتدوا بها في حين كان عفوٌ عن مساجين مجرمين ليعيثوا في الأرض فسادًا كحلوان بمناسبة سيادة المولود الجديد ابن سيادته!
أأنتم نفسكم اليوم الذين لا يخرجون إلا عشرات، ومئات فقط وفقط إذا سقط شهيد! أهؤلاء العشرات هم فقط الصقور الذين استطاعت الرحيبة أن تنجبهم منذ عقود! ربما، ألا يقولون أنه زمن عزّ فيه الرجال!!
أقول لكم: إن كانت ثورتكم –وحدكم- قد فاجأت السوريين حينها لما أظهرتم من شجاعة، فلا أحسبكم عاجزين عن إظهارها وأنتم مع الكلّ، والكلّ معكم، إنّ ما يحصل اليوم نقلة تاريخية كبيرة لن ينسَ التاريخ أدقّ تفاصيلها، فلا تكونوا بتخاذلكم على لائحة العار، وقولوا للتاريخ فلتسجّلنا بالخطّ العريض يا تاريخ.
إنكم إن كنتم ثرتم لبيوت هدّمت حينها فلديّ كلمتان، إحداهما لمن وجد في تلك البيوت "شقاء عمر وطار"، أما الثانية فلمن وجد فيها كرامة تهاوت لإنسان يحق له العيش في أرض الله الواسعة بلا تضييق ولا حصار، فنظرة كلا الفريقين لما حصل حينها لا ريب تتشابه إلى حدّ كبير مع تصوّرهما لأحداث اليوم، فمن يجدها ثورة لا داعي لها مادام الخبز موجودًا –أي أنها أزمة-، ومن يجدها ثورةً لإنسانية الإنسان فهو معها قلبًا وقالبًا. أربط وأشابه بين الحالين، لأن الكرامة لا تجزّأ، فمن كان له كرامةٌ في صغار الأمور كان له ذلك في عظائمها، ومن لا، فلا.. ولا أحسبكم يا أهل الرحيبة إلا أهل عزّة وكرامة وكبرياء.
أمّا الأولون الذين يجدونها ثورة "على الفاضي"، فأذكرهم بما يبذله أزواجهم وأولادهم من بعدهم ليحصلوا على لقمة العيش وسورية مليئة بالخيرات، أليس الذي يعيش مكتفيًا لا ترهق كاهله الديون نزرٌ قليل من العباد يسمون أنفسهم "ملوكًا" فكأنما حيزت لهم الدنيا؟! ومن لم يكن منهم مدينًا فإنه في غالب الأمر يعيش عيشةً قاسية زاهدًا رغم أنفه مكره لا بطل، أأذكركم أن مليارات الدولارات هي في أيد عصابة قليلة لو وَزّعت ما تملك على الشعب لكفَتْه، فأين جزاء أعمالكم وأتعابكم و"مصّ دمائكم"؟! ألم تعانوا كثيرًا من الاندساسات الفكريّة التي يحملها أطفالكم من المدارس البعثيّة، تلك التي لا تربيهم إلا على قول القائل:
رضيت بالبعث ربًّا لا شريك به ... وبالعروبة دينًا ما له ثانٍ؟!
أليس دخول أبنائكم إلى الجامعة فرحة كبرى وحلم لا يناله الكثيرون؟! ثمّ ماذا عن الحلم التالي، الوظيفة؟! كم عدد المغتربين من أهل بلدنا الذين تغرّبوا لأجل العلم أو لقمة العيش؟! هل يوجد عائلة لا يوجد بها شخصٌ على الأقلّ شرّق وغرّب؟!
أما الآخرون الذين أعلنوها ثورة كرامة فلست أملك أمامهم سوى الانحناء، سوى تقبيل الجباه ومواطئ الأقدام، فوالله أنتم من تشحذون هممنا ولسنا نحن، وأنتم من تعطوننا الأمل بعد الله ولسنا نحن، بارك الله بكم فردًا فردًا.
فيا أختي الرحيبانية التي تخبئين ابنك في البيت حذر الموت، أين إيمانك وأنت تعلمين أنْ لو كتب على ابنك الموت في لحظة ما تأخرت ولا تقدّمت ولو كان على أكفّ الراحة؟! أين أنت من دفْعِك زوجك للخروج ليطالب بكرامته وكرامتك وكرامة أبنائك وأبنائهم؟! ألا تعلمين أن الرزق مقسوم وأن الله لا يضيع أحدًا، فأمّا إن كان شهيدًا فأنت زوج الشهيد العظيمة، وإن كان النصر فأنت زوج المناضل؟!
يا أخي الرحيبانيّ الذي تحسب أنك قد تترك عائلة لا معين لها ولا عائل، قد تترك أمًّا مفجوعة، أختًا ملتاعة، أو أرملة مسكينة، تذكّر، أنت تتركهم لله، الله يتكفّلهم ويحفظهم. لم يمرّ وقت طويل لتكون قد نسيت الشهيد أحمد الحسين رحمه الله الذي لم يكن مشاركًا في الاعتصام، ولكن سبق قول الله تعالى: "قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ"(يونس 49)، فأين الموت الذي تفرّ منه، وأين الحياة التي تنشدها خانعًا؟!
يا شباب الرحيبة يا صقورها يا جيل الأمل، اكسروا القيود واخرجوا من قفص خوفكم وتبعيتكم، اخرجوا من قفص ملذات الدنيا وضيقها إلى ملذات الحريّة وسعتها، بادر، كن أنت البادئ وسيبادر من بعدك كثيرون، فلتحيوا حياة طيبة، ليحياها من بعدكم أبناؤكم فلا يجدوا في أنفسهم شيئًا عليكم، لكي لا تتلطّخ أسماؤهم بالعار إذ يقول هذا وذاك فعل أبي وكان أبي ويقول ابنك في داخله لماذا تخلّفت يا أبي؟! أيوجد أكبر من الموت يا شبابنا؟ هي إما شهادة غدًا أو موت كميتة البعير غدًا أيضًا، فأيّ الموتتين تختار؟!
يا فتيات الرحيبة، أعلنّها ولا ترضين لها بدلاً كما أعلنتها الكثيرات، لن أقبل بزوجٍ غير مندسّ، ما وطئت قدمه أرض المظاهرات ولا صدحت حنجرته لأجل حريّته وكرامته، فمن يعجز أن يستردّ حريته وكرامته اليوم لن يستطيع أن يحفظها لكِ ولأبنائك من بعدك.
فلتسري في دمائكم يا أهل الرحيبة بشائر النصر، ترونها حقائق أمام أعينكم، وإنه لقريب قريب، وما ذلك على الله بعزيز..