وتستمر المؤامرة

أنور ساطع أصفري

أنور ساطع أصفري

كاتب - إعلامي - ناشط سياسي

يقولون أن رؤية المجتمع الدولي فيما يخصّ الأزمة السورية تتمحور حول عدم التدخل العسكري ، حيث أن أي تدخل عسكري في الأزمة سيُفجّر كافة البؤر الساخنة في الدول المجاورة ، وهذا ما تتجنّبه المؤسسات الدولية أو المجتمع الدولي .

ولعل المستفيد الوحيد من هكذا رؤية هو النظام السوري الذي يستغل هذه النقطة لإرتكاب المزيد من القمع والقتل والتنكيل وسفك الكثير من الدماء .

والمستفيد الأكبر من ذلك أيضاً وبكل تأكيد هو النظام الإيراني ، الذي بدأ يُكشّر عن أنيابه متحدياً المجتمع الاقليمي على مرأى من المجتمع الدولي وغير آبهٍ بأي شيء لأنّه وبالأساس مطمئن بأنه لا تصعيد جدّي ضده .

دعوني أعود إلى الوراء قليلاً ، فبعد عودة المالكي رئيس وزراء العراق من زيارته الأخيرة للولايات المتحدة وبعد إنسحاب الجيش الأمريكي من العراق ، حيث إلتقى هناك الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، فبعد عودة المالكي من هذه الزيارة مباشرة قام الأمين العام للجامعة العربية بزيارة بغداد وإجتمع مطوّلاً مع المالكي ، ومن ثُمّ إنطلقت المبادرة العراقية فيما يخصّ الأزّمة السورية ، وصرّحت تركيا وبنفس التوقيت  بأنها لن تسمح بأي تدخل عسكري من أراضيها ضد نظام دمشق وأنها لا ترغب بالتدخل العسكري لحل الأزمة السورية ، وبنفس الوقت أيضاً قامت شخصيات معارضة سورية بزيارة طهران واللقاء هناك مع ذوي الشأن ! ، وبنفس الوقت أيضاً خفت الصوت الجاد والعملي للجامعة العربية ، وبنفس التوقيت أيضاً بدأت إيران مناوراتها العسكرية المتطورة في المياه الاقليمية والتي تلامس شواطىء دول مجلس التعاون في الخليج العربي .وبنفس التوقيت أيضاً زاد النظام القمعي من ممارساته الدموية وجاءت قضية التفجيرات الأولً في دوار كفرسوسة والثانيً في حي الميدان وكلاهما في دمشق .

أمام كل هذه المعطيات أستطيع أن أقول أن المالكي بعد زيارته لأمريكا وبعد لقائه أوباما قد عاد وهو يحمل رسالة تحذيرية إلى الجميع فيما يخصّ الملف السوري .

المناورات البحرية الإيرانية هي ليست موجّهة إلى الولايات المتحدة الامريكية ولا إلى المجتمع الدولي ، إنما هي رسالة موجهة إلى المجتمع العربي وخاصّة دول مجلس التعاون فيما يخصّ الملف السوري ، ولعل تركيا أوّل من تعلم الدرس فغيّرت وعلى الفور كافة مواقفها وذلك منذ اللحظة الأولى التي عاد بها المالكي من زيارته لواشنطن ولقائه الرئيس الامريكي في البيت الأبيض . وقام كبار المسؤولين في تركيا بزيارة إلى طهران وإلتقوا كبار المسؤولين الإيرانيين وتدارسوا مصالحهم في المنطقة .

ولقد قامت إيران أيضاً من خلال عناصرها بإفتعال حالات شغب في البحرين ليوم واحد  ذهب فيه قتلى وجرحى ، كما إفتعلت الشيء نفسه في منطقة القطيف في السعودية ، وكأن إيران تريد أن تقول إنظروا ماذا نستطيع أن نفعل ، دعوا الملف السوري وشأنه !.

ليست هناك أية خلافات بين أمريكا وإيران ، حيث أن إيران هي التي سهّلت مهمة الجيش الامريكي في العراق ، وأمريكا هي التي قدّمت العراق على طبق من ذهب لإيران . وكل ما يصدر من كلا الجانبين من تصريحات ساخنة ما هو سوى للإستهلاك الإعلامي ليس إلاّ .

أمريكا في غاية الإطمئنان في منطقتنا الإقليمية وفي المحصّلة  فليختار العرب من يشاؤون من بين تركيا وإيران لأنّ كلاهما يتبع للإدارة الأمريكية ، والإدارة الأمريكية في غاية الأمان والإطمئنان لكلا المسارين .

طبعاَ إيران تدرك تماماً أن خسارتها لنظام دمشق يعني بشكل مباشر خسارتها الحليف الأقوى لها في المنطقة وبالتالي خسارتها لحزب الله وبالتالي أيضاً خسارتها لكافة أطماعها في المنطقة .لذلك هي مصرّة على دعم النظام بكافة الأشكال والإطالة في عمره بقدر ما تستطيع ، ولكن عندما ترى أن النظام بدأ يتهاوى وهو بحاجة ماسّة لغرفة الإنعاش حيث بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة ، بكل تأكيد ستسحب إيران يدها من المعادلة وتنجو بنفسها .

الادارة الأمريكية والأمين العام للأمم المتحدة كلاهما بادر إلى إصدار بيانات تشجب التفجير الأول في دمشق والتفجير الثاني في دمشق أيضاً ، لكنهما لم يصدرا بيانات يومية تشجب حالات القتل اليومي وحمامات الدم التي تراق في المدن السورية بشكل يومي ! .

الأمين العام للأمم المتحدة يقول على وفد الجامعة أن ينجح في مهمته ونحن ننتظر تقاريره حول رؤيته للأمور داخل سورية من خلال زياراته الميدانية هناك ، وسندعم وفد الجامعة بمساعدات فنيّة وقد نرسل مراقبين من طرفنا لمرافقة وفد الجامعة العربية .

الإدارة الأمريكية لو كانت جادّة في مواقفها فيما يخصّ الثورة السورية لجيّشت المجتمع الدولي بدقائق ، لكنها ليست جادة وكذلك المجتمع الدولي ليس بجاد تجاه الشعب الثائر من أجل أبسط حقوقه الطبيعية في الحرية والكرامة والديمقراطية .

المعادلة على الأرض واضحة تماماً فهناك :

* كتلة فاسدة قمعية لا تزال قوية ومتماسكة .

* وكتلة ثائرة من أجل الحرية ومن أجل أبسط مبادىء حقوق الإنسان .

وأمام هذه المعادلة أقول : لو توفّرت معارضة موحّدة أو لو وُجدت هكذا معارضة على أرض الواقع لإختلف الوضع 180 درجة على أرض الواقع منذ اليوم الأول لإندلاع شرارة الثورة .

إن الثورة في وضعٍ أصبحت تشك فيه بوجود مؤامرة يشترك فيها الجميع وتستهدفها ، أمام هذه المطيات ومع إحتمالات حدوث تطورات جديدة على الأرض فيما يخصّ الثورة السورية ، أقول :

علينا أن نعي تماماً أن الشعب السوري الثائر إستطاع خلال الأشهر العشرة الفائتة أن يهزّ أركان النظام ولمفرده وأن يُحدث شرخاً حتّى في مؤسسته العسكرية وأن يخلق حالة إحباط إقتصادي واضحة للعيان ، كما علينا أن نعي أن هناك المزيد من الأشخاص الوطنيين الذين هم في المؤسسة العسكرية أو الأمنيّة أو الجهاز المدني ، جميعهم سينضمّون اليوم وقبل الغد إلى صفوف الثورة المطالبة بحقوقها العادلة التي تقرّها كافة الأعراف والأديان والمؤسسات الدولية .

كما علينا أن ندرك أن الشعب السوري الثائر ولمفرده وهو يواجه حالات القتل في الداخل من قبل النظام وأزلامه ويواجه مؤامرة الخارج التي تُحاك من قبل الجميع ، لقادر وبعد 10 أشهر من التضحية والعطاء أن يضع النظام القمعي الفاسد في يوم ما بين فكي كمّاشة حيث سيلفظ أنفاسه الأخيرة وينهار كما إنهارت كافة عروش القمع والاستبداد في دول أخرى .