تصدير مشكلات الكنيسة إلى المسلمين 2

أ.د. حلمي محمد القاعود

تصدير مشكلات الكنيسة إلى المسلمين !

(2-2)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أما القضية الأخطر فهي قضية الطلاق والزواج الثاني بين النصارى أنفسهم ، فقد كان من الممكن أن يقع الطلاق بين الزوجين النصرانيين لسبعة أسباب وفقا لما تقرر عام 1938 ، وظل العمل بذلك حتى عام 1971 تاريخ مجيء رئيس الكنيسة الحالي الذي رفض الأسباب السبعة ، واختزلها في سبب واحد هو الزنا ، وعند ثبوته يتم الطلاق ، عدا ذلك فلا طلاق وفقا لتفسيره الخاص للإنجيل . نتج عن ذلك معاناة ثلاثمائة ألف أسرة في حياتها كما تقول كاتبة أرثوذكسية اسمها " كريمة كمال " في كتابها  " طلاق الأقباط " الذي صدر عن دار ميريت بالقاهرة عام 2006 ، وتكشف فيه أن حوالي 300 ألف من الأزواج النصارى لجأوا إلى المحاكم المصرية منذ 1971 للحصول على الطلاق بعد أن أصدر بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية إثر وصوله إلى كرسي البابوية قرارا بتحريم الطلاق إلا لسبب واحد هو الزنا ، متجاوزا بذلك قانون توحيد القضاء الصادر في عام 1955 الذي ألغى المحاكم الشرعية والملية القبطية. كما بات يتعين على النصارى الراغبين في الزواج مجددا أن يحصلوا على تصريح بذلك من الكنيسة ، ولفتت الكاتبة أن كثيرا منهم اتجهوا لتغيير ديانتهم حتى يتمكنوا من الزواج مجددا ، موضحة أن تشدد الكنيسة يمنع معظمهم من الطلاق كما أن من يحصلون عليه عبر المحاكم المصرية يعجزون عن الزواج مجددا لعدم حصولهم على تصريح للزواج من الكنيسة .

ويرصد الكتاب رحلة الطلاق في النصرانية منذ تفاحة بنت شنودة إلى الممثلة هالة صدقي" حيث كانت الأولى أول من حصل على الطلاق من زوجها بموجب حكم محكمة شرعية إسلامية في منتصف القرن الثامن عشر إبان الحكم العثماني لمصر (1517-1805) ، والأخيرة حصلت على طلاقها عام 2001 استنادا إلى قانون الخلع في مصر . 

وتتطرق الكاتبة إلى قرار المجلس الملي في عام 1938 بشان تحديد الأسباب التي تجيز طلاق الزوجين المسيحيين وهي الزنا ، وتغيير دين أحدهما ، وغياب أحدهما أكثر من خمس سنوات ، وإصابة أحد الزوجين بالجنون ، واعتداء أحدهما على الآخر بقصد الإيذاء ، وإساءة معاشرة الآخر أو اختار احدهما طريق الرهبنة بموافقة الآخر. وترى أن اختصار هذه الشروط بشرط واحد هو الزنا جعل حياة عشرات الآلاف من الأزواج النصارى تعيسة ، مشيرة إلى أن البعض اتهم نفسه زورا بارتكاب معصية الزنا للحصول على الطلاق. لكنهم اصطدموا بعد ذلك برفض الكنيسة منحهم تصريحا للزواج مرة ثانية بناء على ارتكاب معصية الزنا مع أنها ليست حقيقية. 

المفارقة أن رئيس الكنيسة تجاهل الأسئلة التي أرسلت إليه في عظاته حول الموضوع ورفض الإجابة عليها مصرا على موقفه ، ما جعل كثيرا من النصارى يفكرون في  "الزواج المدني "ليحل المعضلة التي تتصاعد باستمرار وتحرم النصارى الراغبين فى الطلاق وإنشاء أسرة جديدة من حق دستوري وطني ودولي يجب ألا يحرموا منه ، أو تغيير المذهب أو الديانة .

إن هناك آلافا من الحالات المعذبة أمام المحاكم ، وهناك مضاعفات وحالات عنف بين الأزواج وصلت إلى حد القتل للتخلص من زيجات تعيسة. وصار تشدد الكنيسة يمنع كثيرين من الطلاق كما أن من يحصلون عليه عبر المحاكم المصرية يعجزون عن الزواج مجددا لعدم حصولهم على تصريح من الكنيسة للزواج .

 والسؤال الآن : ماذا يفعل من تصل علاقته مع شريك العمر إلي طريق مسدود ويريد الانفصال ثم الزواج وتقف الكنيسة عقبة في طريقه ؟ ما حكم سيدة تتهم نفسها بالزنا كذبا لكي تتخلص من علاقة زواج تحولت إلى عذاب يومي ، وزوج لم يجد سبيلا إلى طلاق زوجته والحصول على تصريح بالزواج مرة أخرى من الكنيسة إلا باتهام زوجته زورا بالزنا ؟

ثم – وهو الأخطر – ما ذنب المسلمين في مصر وحكومتهم حين يغير زوج دينه أو زوجة دينها لتحصل على الطلاق ، ثم يعود بعد ذلك إلى نصرانيته ، ويترتب على ذلك تلاعب بالأديان وحقوق العباد ، وتقوم الكنيسة بأذرعها الداخلية والخارجية بحملات عن حرية العبادة وحرية التدين وحق التنقل بين الأديان ، وتغيير الوثائق الشخصية ، وتصل إلى اتهام الدولة باضطهاد النصارى ؟

ما ذنب مصر المسلمة أن تُتّهم بالاضطهاد ، والكنيسة هي التي تضطهد أتباعها ، وتتشدد ضدهم في أمر حيوي وهو بناء أسرة طبيعية لا مجال فيها للقهر أو العسف أو العيش بالإكراه ؟

إن التعصب والكراهية لن يحلا مشكلة ولو صغيرة ، والمحبة التي تحدث عنها المسيح عليه السلام تفرض التسامح مع غير النصارى ، أما تصدير المشكلات الداخلية في الطائفة إلى المسلمين فهذا مخالف لتعاليم المسيح عليه السلام، ومخالفة صريحة لمفهوم المواطنة ، بل مخالفة خطيرة لمفهوم الوطن !

أن يقف رئيس الكنيسة ضد صلاة الأرثوذكس في الكنائس الإنجيلية ويحرمها ، فهذا أمر يمكن احتماله ، أما أن يرفض لائحة 1938 التي أقرها أساقفة محترمون ، يفقهون أمور شريعتهم ، ويتيحون لأتباعهم سبعة أسباب للطلاق والزواج الثاني ، فتلك هي الكارثة التي يجب أن يتنادى لها أتباع الطائفة بحثا عن حل أمام التشدد الذي لا مسوغ له إنسانيا أو دينيا .

لقد فرض رئيس الكنيسة على حكومة النظام الفاسد قبيل سقوطها أن تصدر قرارا من المحكمة الدستورية العليا بوقف حكم نهائي وبات يقضى بحق المطلق في الزواج الثاني ، لأنه أصر على عدم التصريح لصاحب الحكم بالزواج ! 

فهل تظل مصر المسلمة ،ومصر الوطن الذي يضم أطرافا أخرى ؛ رهينة لإرادة كنيسة تسير على هدي جماعة الأمة القبطية الانعزالية الإرهابية ، وتتحمل وزر ممارساتها ومضاعفاتها ؟