دموعٌ في أعين أيتام حائرة،

م. محمد يوسف حسنة

وآهاتٍ في صدور أرامل

أمام البؤس والحزن صاغرة

م. محمد يوسف حسنة

دموعٌ في أعين أيتام حائرة، وآهات في صدور أرامل أمام البؤس والحزن صاغرة، جُرح آخر في جسد الأمة نافذ عميق، وشريحة من أبنائها تائه وسط الطريق، لم يستفز حالهم ومأساتهم قلوب وُلاة أمورهم ولم تُحرك عذاباتهم مشاعر إخوانهم، خمسة ملايين يتيم عراقي وثلاث ملايين أرملة عراقية عُرضة لشبح الموت والضياع والجهل والمرض.

صورةٌ من العراق الحديث الذي وعدته أمريكا بالحرية والاستقرار بعد أن شنّت وتحالفها عدوان على العراق وأهله تحت ذريعة مكافحة الإرهاب ونزع أسلحة الدمار الشامل، فما عرف العراق منذ ذلك الوقت استقراراً ولا نعِم بأمن، ولم تظهر أسلحة زُعم وجودها ولم يُقضى على إرهاب مُدعى، بل جلبت أمريكا الدمار والهلاك لبلاد الرافدين وسرقت حضارة شعب لطالما غرس في الأمة أمل التقدم والنهضة.

خمسة ملايين يتيم عراقي يُمثلون ما نسبته 16 %  من إجمالي سكان العراق البالغ تعدادهم ثلاثين مليون عراقي، الذي يعني بالضرورة أن مستقبل العراق بات رهينة شريحة تُعاني من سوء الرعاية والحرمان وفقدان القدوة والتوجيه.

بيّنت دراسة لمؤسسة عراقية أن الأيتام العراقيون يعانون من ظروف رعاية سيئة للغاية حيث يبلغ عدد الأيتام المشردين 50,000 طفل مشرد، وذلك نظراً للنقص الحاد في دور الرعاية، حيث يبلغ عدد دور الرعاية الحكومية 459 داراً، وتفرض الحكومة قيوداً مشددةً على المؤسسات الأهلية ورجال الأعمال عندما يتعلق الأمر بإنشاء دور رعاية جديدة للأيتام، وعلى صعيدٍ آخر فإن ما يقارب المليون يتيم عراقي تركوا مدارسهم وتوجهوا إلى ميادين الحياة المختلفة والتي كان أهمها الالتحاق بجماعات تجارة المخدرات التي غرّرت بعقول هؤلاء الأطفال الأبرياء واستغلت حاجاتهم الماسة للمال والمأوى لخدمة أهدافها اللاإنسانية، بالإضافة إلى أن 28% من أيتام العراق يعانون من سوء التغذية، 10% يعانون من أمراضٍ مزمنة، 30% من أيتام المدن يفتقدون للرعاية الصحية بينما 40% من أيتام الأرياف يفتقدونها، وتزداد معاناة هؤلاء الأطفال حيث يبيتون هم الضحية الأولى لأعمال العنف الطائفي القائمة في مختلف محافظات العراق، وتتعاظم مأساة هؤلاء الأطفال مع ارتفاع حالات الاعتداء الجسدي والجنسي عليهم (ذكوراً وإناثاً) دون وجود أي جهةٍ يلجئون إليها تقوم بتسجيل هذه الحوادث، مما يجعل من الصعب الوصول إلى أرقام دقيقة حول هذه الحوادث والتي تم تسجيل الآلاف منها وأعداد الأطفال الذين يعانون من حاجة ماسة لبرامج التفريغ النفسي نظرا لقسوة هذه التجارب وأثرها طويل المدى على الأطفال، وعلى الرغم من أن اليونسيف قامت منذ ثلاثة أعوام بإعلان العام 2008 عاماً لأطفال العراق إلاّ أن هذه الجهود مُنيت بالفشل الذريع نظراً لعدم تظافرها، بالإضافة لعدم تعاون أو تجاوب الجهات الرسمية العراقية مع هذه الجهود.

والحديث عن أرامل العراق حديث ذو شجون، فالأرامل والأيتام وجهان لعملةٍ واحدة من المأساة، حيث تشير التقارير الرسمية العراقية إلى أنه وحتى عام 2009 بلغ عدد الأرامل العراقيات 3 ملايين امرأة، وأن 70% منهن تتراوح أعمارهن بين 22و35 عاما، ومع تصاعد عددهن خلال السنوات الأخيرة واضطرارهن للنزول إلى شوارع المدن للتسول من أجل لقمة العيش ووقوعهن فريسة سهلة في أيدي تجار المخدرات والرقيق، أصبحت الأرامل رمزاً لانهيار المجتمع العراقي، بينما كانت النساء اللواتي يفقدن أزواجهن يتلقين رعاية ودعماً من نظام الأسرة الممتدة ومن الجيران والمساجد، ولكن مع استمرار الحرب على أرض الواقع، تقول المنظمات الحكومية والاجتماعية إن احتياجات النساء الأرامل تجاوزت المساعدات المُتاحة مما يشكل تهديداً لاستقرار البلاد والهياكل الاجتماعية الضعيفة التي أصبحت سمة للمجتمع العراقي بعد انغماسه في أعمال العنف، مما يشكل مأساة حقيقية بحاجةٍ ماسة لتدخل سريع للحفاظ على عماد المجتمع ونصفه الأهم ألا وهو المرأة وصون حقها وكرامتها الممتهنة في ظل هذه الظروف اللاإنسانية.

مأساة متفاقمة وإشكاليات بحاجة لعلاج جوهري وإجراء عملي لا حلول مؤقتة تجميلية وتعهدات إعلامية، تدخل قائم على إنسانية الفعل وسلامة النية والارتقاء بشريحتين دمرهم احتلال ادّعى أنه بحربه يُجسد خدمة حرية الإنسان وصون كرامته.

والخطوة الأولى تبدأ بالتنسيق والتعاون ما بين المؤسسات المعنية وتشكيل فريق عمل موحّد يأخذ على عاتقة تقييم الاحتياجات وبناء بنك معلومات يتضمن أعداد وأماكن واحتياجات الأرامل والأيتام ويضع الخطط وينسق العمل بما يضمن الرعاية الشاملة للأرامل والأيتام.

رعاية شاملة تضمن برنامج تطوير دور الرعاية القائمة واستحداث الأعداد التي تُناسب الأعداد الكبيرة للأيتام، وتأخذ بعين الاعتبار عناية الأيتام من ناحية الصحة والتعليم.

رعاية تُفرد مساحات لبرامج بناء القدرات وتطوير مهارات الأيتام والنظر على أن الاستثمار فيهم هو بمثابة استثمار في مستقبل العراق وإيجاد قيادة مستقبلية تأخذ على عاتقها تطوير البلاد وخدمة العباد وتصحيح مسيرة عطّلها المحتل ودمر خلالها البنية التحتية والاقتصاد العراقي.

والأهم من ذلك كله أن يتم تحقيق التواصل وإعادة الدمج بين هؤلاء الأيتام وبين أقرانهم في المجتمع وعدم التعامل معهم على أنهم حالة مجتمعية تحتاج للإغاثة والرعاية، والمحافظة قدر الإمكان على وجود اليتيم مع عائلته المتبقية والحفاظ على الروابط الأسرية.

أما الأرملة العراقية، فهي بحاجة لبرامج الدعم النفسي والتأهيل المجتمعي والمهني وتوفير فرص عمل مناسبة حسب قدراتهم وإمكانياتهم تكفيهم الحاجة وذل السؤال، ولا تتركهم عُرضة الحاجة والمال، إلى جانب الاهتمام بوضعهم الصحي وتطوير القدرات.

رعاية شاملة أساسها قائم على المنظور التنموي والاستثمار البشري في هذه الشريحة المهمة والاستفادة من القدرات المتوافرة فيمن يُشكلون ما مجموعه ثمانية ملايين من أصل ثلاثون مليون عراقي.