النظام السوري والمبادرة العربية

محمد عمر

النظام السوري

والمبادرة العربية

محمد عمر

يخطئ من يظن، بان النظام السوري العريق والمتمرس بملاحقة انفاس الناس حتى وهم نيام، بإمكانه النظر في وجوه المتظاهرين الذين يخرجون متمردين ليس على امكانات النظام المخابراتية والعسكرية، بل وعلى الاصل الذي تكون منه النظام ونما وترعرع، وهو اصل الفساد المتكامل والجريمة الغارقة بالتمتع المطلق في رؤية الاجساد المصلية على اتون العذاب والوجع.

وحين تقدمت الجامعة العربية بمبادرتها، حاول النظام السوري كعادته ان يتصرف ويروغ كثعلب ماكر، الا انه امام ضغط الجماهير السورية المباركة، وقوة ارادة الثورة المتفجرة من كوامن القهر والكبت المتواصل، وامام خصوبة الدماء المسفوحة من الشهداء والجرحى والمعذبين، ادرك بمكر بان الاوراق التي بين يديه بدأت بالتساقط والجفاف، فما كان منه الا التنازل عن الغطرسة والكرامة المدعاة، من اجل انقاذ نفسه بطريقة ظن انها الشافية والكافية من الرعب الذي يفت من قوته ورادته.

وهذا هو ديدن الجبان وصفته، ولازمة من لوازم شخصيته وتركيبته، فهو قبل ايام كان يرفض وبشكل صفيق الحوار ليس مع المعارضة فقط، بل ومع المبادرة العربية برمتها، ثم تنازل وقبل المبادرة على ان يكون الحوار بالداخل، مع التحفظ على وزير خارجية قطر، ثم ازيل هذا التحفظ، واصبح الحوار ممكنا مع معارضة الخارج، والاهم خارج سورية وفي القاهرة.

كل هذا يشير وبوضوح مطلق الى الانهيار والتردي والسقوط لثوابت النظام امام ضغط الجماهير السورية المباركة، ولكن ما يجب التنبه له وبشكل ملحوظ ان وزير خارجية قطر، قد تحدث بشكل حاسم وقاطع وبكلمات محددة لا تقبل التأويل او التفسير الا بالمنحى التي هي عليه، وهي كلمات تدفعنا لاحترام الرجل وقدرته على تشكيل حدود واضحة للإرادة العربية التي لا تملك الا الاندفاع خلف حناجر الثوار ومطالبهم التي تعلو ولا يعلو عليها. قال وزير خارجية قطر: " ليس هناك مجال للاحتيال او اللف او الدوران ". صحيح انها مفردات صعبة، لكنها جاءت لتكشف عن فهم واع لطبيعة النظام السوري المرواغ والمحتال، ولتبين بان اللجنة المشكلة والجماهير العربية والاسلامية، تفهم ماهية التركيبة النفسية التي لا تعرف معنى من معان الصدق والالتزام، او حتى احترام العهود والمواثيق، لكنها تتقن فن خيانة العهد والميثاق، وتتنصل من الاحترام الذاتي لشخصيتها حين تتحول الى الكذب والتدليس.

لهذا احببت ان اجمع اكثر من مناسبة لأتحدث عنها في الوقت ذاته، واولاها، الاحتفال ببلوغ قناة الجزيرة عامها الخامس عشر، ونحن اذ نهنئ قناة الجزيرة بكل فرد فيها، ونتمنى لها احتراف فوق احتراف، ومصداقية فوق مصداقية، ومكانة فوق المكانة التي تبوأتها في قلوب العرب والمسلمين، فإننا نناشدها، وفي عام الثورات هذا، الذي شاركت الجزيرة فيه وفي صناعة احداثه مواكبة وتضحية وايثار، نناشدها ومن اعماق ما في قلوبنا من احترام لقدرتها ان توظف امكاناتها الكبيرة في نجدة اهل سوريا، وملاحقة جرائم النظام، وفساد اجهزته، وان توثق وبشكل يومي بطريقة مستثناة ومخصصة كل الاعيب النظام وكذبه وتدليسه، وان تدفع بالروح المعنوية التي من شانها اعلاء كلمة الثوار وتوطيدها كركن اساسي، بل الركن الاساسي لما ستؤول اليه الامور في سوريا، ونحن نعلم، بل وعلى ثقة مطلقة بانها لا تنتظر مناشدة او طلب من اجل القيام بدورها الذي سيسجل التاريخ لها بانه كان دورا رياديا في توطيد النصر للثورات، والحرية والكرامة للشعوب التي اسقطت الطغاة من عروش الوهم التي اعتلوها بقوة السلاح والوراثة.

الامر الثاني موجه الى الجامعة العربية التي تتخذ من القاهرة مقرا لها، القاهرة التي انتفضت، انتفاضة النيل من غابر الازمان ليمد الصحراء بعروق الحياة والبقاء، لتطيح بطاغية لم يكن احد يتخيل ان بالإمكان الاطاحة به، لتكون نهجا جديدا يخفق بروح الشباب والشابات، الذين يقفون الان على حدود الكرامة والعزة من اجل انهاض مصر واعادتها لقيادة الوطن العربي الذي لا يستطيع ان يملك بصيصا من نور دونها ودون شعبها العظيم.

من ارض الثورة، نريد للجامعة العربية ان تتحمل مسؤوليتها بكل قوة وعزم، وبكل وضوح وشفافية، امام ارواح الشهداء الذين يجزرهم النظام السوري بمدى من رعب وصلف ووحشية، فهي وجدت من اجل توطيد الروح العربية بين الشعوب، ومن اهم الادوار التي من شانها ان تثبت ذلك، قدرتها على الالتحام مع مشيئة الجماهير وتطلعات الشعوب وامانيهم، فهي الحارس الذي يجب ان يكون بيده القول الفصل في مواجهة التوحش والهمجية التي توغل وتمعن في اعراض المسلمين والعرب، لان الانظمة مهما علت ومهما ارتفع سقف ظلمها، فإنها لا يمكن ان تصمد امام ثورة شعب وارادة ثورة، والدليل على ذلك قريب العهد، بل اقرب من حبل الوريد، فها هو بن علي سفاح تونس وجزارها، غادرها في عتمة ليل مظلم، وها هو مبارك، يتخفى واولاده من ارادة الشعوب بالسجون والمرض، وها هو القذافي يقع بين ايدي الثوار فتكون نهايته عجيبة لحكمة ارادها الله جل شأنه. ونحن اذ نقر ونعترف للجامعة العربية بالدور الذي اضطلعت فيه من احداث ليبيا، ووقفتها التي نفخر بها مع الثورة الليبية والشعب الليبي، حين طالبت الناتو بحماية المدنيين وفرض حظر جوي، فإننا نقول ايضا، بان ليبيا لم يكن طاغيتها اكبر ظلما وطغيانا من حاكم سوريا بالوراثة، بل وربما يمكن القول بان اوجه التشابه تتطابق بين النظامين، وترجح كفة حاكم سوريا وطاغيتها في الامعان باحتقار الشعب السوري والعربي والاسلامي حين يقف كذئب ليعلن ان سوريا هادئة وادعة، وان ما يثار عن شيء اسمه الثورة السورية هو محض افتراء وكذب.

ما نريده من الجامعة العربية بوضوح غير مشوب مراقبة الاوضاع في سوريا مراقبة حثيثة، وليس لفترة طويلة، بل لأيام معدودة، لتحصي اعداد الشهداء والقتلى والجرحى والمعتقلين، ولتكون شاهدة على الترويع والتخويف والترهيب الذي يمارس على الشعب السوري ممارسة يومية لم يمارسها أي نظام قبله الا نظام القذافي، لتقول الجملة الفصل، امام الشهداء والمكلومين والجرحى، وامام الامهات اللواتي يجبرن على تشييع جثث اكبادهن وهن تحت نصل مقصلة الطاغية ليقلن بان المندسين هم من قتلوا شهداءهن، اليس في هذا الفعل المنحط تحت الانحطاط وقدرته ظلما اكبر من ظلم القتل ذاته، هذه الاحداث تجري في سوريا كل يوم، حتى ان مرتزقة النظام السوري القادمة من ايران ومن حزب الله، تمارس قتلا ممنهجا ومدروسا لأفراد الجيش السوري من اجل اظهار هذه الجثث على انها ممن سقطوا بفعل المندسين، نريد من الجامعة ان تكون حامية العزة والكرامة للمواطن العربي الذي سيصنع نظاما جديدا قائما على الحرية والعدالة، وجيلا قادرا على تزويد الجامعة العربية بكل ما تطلب من قوى مادية ومعنوية من اجل توطيد قدرتها على حماية الشعوب دون حاجة اللجوء الى قوى غير عربية من اجل وقف الظلم والعدوان الذي يحيق بالشباب العربي من طغاة لا يريدون الا عبيدا.

ومن نافلة القول طبعا، ان نذكر الجامعة العربية، بان وقف العنف من قبل الطاغية السوري، لا يعني باي شكل من الاشكال وقف الاحتجاج السلمي الذي يمارسه الشعب السوري ضد الطاغية، فالشعب هو من يملك الحرية والارادة والقدرة والاختيار على موافقته ان كان سيرضى بالطاغية ان يبقى في سدة الحكم ام لا، ونحن على ثقة مطلقة بان الشعب السوري الثائر الحر قد قال كلمته بوضوح تام، وهنا يأتي دور الجامعة لتفسح المجال للشعب بالخروج من اجل التظاهر وقول كلمته بحرية ودون خوف، وليس على نظام ممقوت ومكروه ومنبوذ ان يبقى رغم ارادة الشعب وارادة الثورة.

هذا ما نطلبه من الجامعة العربية، وازيد على ذلك بان الواجب امام الارواح التي تسقط كل يوم ان تكون الجامعة اسرع باتخاذ قراراتها حتى لا يكون عدد الشهداء اكبر واعظم من ان تحتمل قلوبنا وعقولنا، لان حزب وايران، ومرتزقتهما، مستعدين، لإفناء الشعب وازالته لو طلب منهم ذلك، وما نريده وبوضوح كامل ومحدد ودون أي خجل او محاولة حياء، ان يتم حماية الثورة السورية والقائمين عليها، حتى لو اقتضى هذا تدخل الناتو من اجل الحفاظ على الثورة ومسيرتها وحقها في الحرية والعدالة، ونحن هنا لا نسعى الى توريط الجامعة بل الى انقاذ الناس من مخالب ضباع النظام وسدنته، وهم وحدهم، هم فقط، من يتحملوا مسؤولية وصول الناتو الى المنطقة ان وصلت، لانهم رأوا بشعوبهم عبيدا لا يمكنهم التحرر من العبودية، ولأنهم لم يدركوا الدروس التي وضعتها الثورات عبر التاريخ. ولأنهم اثبتوا وبشكل قاطع لا يقبل الشك، بان قيمة الوطن عندهم تتلخص بما يقدمه الوطن لهم ولأسيادهم، وليس فيما يقدمون للوطن.

لكن الثوار اثبتوا بان اقدامهم اعلى من هامات الطغاة، حين ارتفعوا الى عليين وهم يُخَصٍبون الوطن بدمائهم.

اما كلمتنا الى الثوار، الاحرار، الابطال، الاشاوس، اهل العزة والكرامة، فإننا ندعوهم للصمود والمثابرة، والى توسيع دائرة الثورة هنا وهناك، فليس امام الثائر الا النصر او الشهادة، لهذا، ومن هذا المنطلق، فانتم من تملكون القرار للوطن كله، وانتم، انتم فقط، من يمكنه الوقوف على رؤوس العز والمهابة والشهامة، لتقولوا ما تودون من جمل ومن عبارات، وما للكون الا ان يصغي وينحني اجلالا وتعظيما لأنقاسكم الزاخرة بالحق والعدالة.

انتم الان اسياد الوطن وقواده، وانتم من يستطيع ان يرسم حدود المستقبل، كما يريد ويتمنى، بعزيمة الصمود والتحدي والصبر على الالم والعذاب، لأنكم من يملك الوطن والحق الكامل في تشكيله وفق ارادة العدالة والحرية، ونحن نربأ بكم ان تكونوا اقل من ذلك، لأننا نعرف معنى الشهادة ومعنى ارادة الشعوب المستمدة من اراداة الله جل شأنه.

وعلى المجلس الانتقالي السوري، ان يشحذ همته ويرتفع بمسؤوليته وقدرته الى مستوى الثورة والثوار، بكظم الاختلافات والافتراقات التي تغذي النظام وتمنحه فسحة من اجل الايغال بالدماء والاعراض، وان يفعل ادواته وطرقه ومحادثاته واساليبه بكل ما يملك من طاقة وعزم وقدرة من اجل ايصال نوايا الثوار ورغباتهم الى كل حر وحرة في العالم، نحن نعلم بان المسؤولية كبيرة وانها تحتاج الى جهود وجهود، لكن ارادة الثورة، يمكن ام تمنحهم ما لم يمنحه احد لاحد عبر التاريخ.

وما نطالب به الثورات التي حققت انتصاراتها، ان تكون داعمة بكل ما فيها من زخم ثوري وقوى نصر وانتصار، للثورة السورية والثورة اليمنية، لان الثورات مهما اختلف طابعها الخارجي، فإنها تبقى تحمل نفس توترات الجوهر وخفق الروح، وكما كان البوعزيزي ملهما للشعب التونسي والشعوب العربية، فان على الجماهير العربية في الوطن العربي وخاصة تونس ومصر وليبيا، ان تبقى حاملة لهذا الالهام كواقع ثوري على الارض من خلال مظاهرات واعتصامات تطالب بما يطالب به الثوار في سوريا واليمن، وكما كان خالد سعيد شهيد الامة العربية والاسلامية، فان شهداء اليمن وسوريا هم ايضا كذلك. على العرب والمسلمين، ان يسيروا ليلا ونهارا في مظاهرات حاشدة ترسل رسائلها الى الطغاة بان الثورات كما حققت الحرية، فإنها ايضا تستطيع ان تحقق وحدة الهدف الثوري في مصب الحرية والعدالة.

كنت سعيدا وانا اشاهد قناة الجزيرة وهي تقدم الهدايا لام البوعزيزي، ولام خالد سعيد، التي قالت بان قلبها مع سوريا واليمن، وتوكل كرمان وهي تنشد قسم الثورة، ليس لوطنها فقط، بل ولسوريا، وسأكون اكثر سعادة، حين ارى ميدان التحرير وهو يرفع رايات الثوار في سوريا واليمن،

وكذلك الشوارع التونسية والليبية وهي تخرق اذن الكون بهتافات تساند الثورات وتشكم شهية القتل المتمكنة بالأنظمة التي تأبى التنازل عن عبودية الشعوب.