خارطة طريق لتفكيك المؤامرة!

صلاح حميدة

صلاح حميدة

[email protected]

ثورة الشّعب السّوري مستمرّة منذ عدّة شهور، والقمع الرّسمي مستمر أيضاً، ويحظى النّظام السوري بدعم وتواطؤ دولي وإقليمي ونخبوي عربي قلّ نظيره، ولا يبدو من السّلوك الرّسمي أنّ هناك أيّ توجّه نحو أي نوع من الإصلاح على أيّ صعيد إن كان سياسياً أو إقتصادياً أو أمنيّاً أو إجتماعياً أو على صعيد إعادة التّوازن لمكوّنات المجتمع السّوري المختلفة.

تقوم الدّعاية الرّسميّة السّوريّة باعتماد خطاب يقول بأنّها تتعرّض ل " مؤامرة كونيّة" تهدف لجعلها تدفع ثمن مواقفها السّياسيّة، وبالتّالي فهي تبرر سلوكها الإجرامي تجاه الشّعب السّوري بأنّه محاولة منها لإجهاض هذه المؤامرة، و ينسون أنّهم  من يعتمد على الدّعم والتّواطؤ الخارجي وأنّ الشّعب السّوري لا يحظى بأيّ دعم دولي أو إقليمي، وقد تكون قناة "الجزيرة" شبه الوحيدة التي تقاتل إلى جانب السّوريين بنقلها لما يحدث على الأرض خلسةّ بكاميرات الهاتف النّقّال، وكل ما يصدر في الإعلام من ساسة وعسكريين غربيين يقول بوضوح للنّظام  بأنّ الطّريق مفتوحة له لمزيد من القمع، مع التّأكيد العلني له من قائد حلف الأطلسي بأن يطمئن بأنّ ما جرى في ليبيا لن يجري في سوريا وأنّه لا خطط أطلسيّة لفرض حظر جوّي على سوريا، وهذه إشارة واضحة من حلف الأطلسي للأسد بأن لا يقدّم أيّ تنازلات أو إصلاحات لشعبه الّتي قدّمتها له اللجنة الوزاريّة العربيّة، وهذا يثير تساؤل عن  الطّرف الّذي يتعرّض للمؤامرة الكونيّة؟.

أمّا بعض الأطراف الإقليميّة والدّوليّة – الطّائفي منها وغير الطّائفي- فهم يبرّرون موقفهم من مساندة القمع في سوريا بأنّه يأتي في سياق الصّراع مع النّفوذ الغربي على المنطقة، وأنّ النّظام السّوري جزء مهم في هذا المحور من الصّراع، ولهذا يرون أنّ على الشّعب السّوري أن يتقبّل العيش تحت وطأة هذا النّظام، مع أنّهم يجاملونه بدعوة غير جادة للنّظام ب " تسريع" عمليّة الإصلاح، وقد تفسّر هذه من قبل النّظام بتسريع عمليّة القتل والقمع لإخماد الثّورة الشّعبيّة.

بعض النّخب العربيّة تعتبر أنّ ( ما يجري ليس إلا عمليّة تحضير لتصفية حسابات الغرب وبعض النّظم المتأمركة مع النّظام الإيراني، وأنّ الهدف هو عزل النّظام الإيراني وتصوير الحرب معه على أنّها حرب ليست ضدّ الإسلام) ويرى هؤلاء أنّ الحراك الشّعبي العربي -والسّوري على وجه خاص- محق، وأنّ هذا النّظام فاشل وغير قابل للإصلاح، إلا أنّ سياق حديثهم متواطىء مع جرائم أحد ركائز المحور الإيراني في المنطقة، مع أنّه لا يوجد حشد عسكري ولا سياسي حقيقي ضدّ إيران وسوريا وحلفائهما اللبنانيين، وما يجري فقط  حرب إعلامية توحي بوجود استعدادات للحرب، ولو كان الاعداد للحرب حقيقياً فإنّ النّظام الإيراني سيكتشف أنّ النّظام السّوري لا يرغب بنصرته في معركة مصيريّة.

من الملاحظ أنّ النّظام السّوري يخترق الحدود الللبنانيّة والتّركيّة ويختطف المعارضين ويقتلهم، ويهاجم ويشتم ساسة دول كثيرة، وتهاجم سفارات دول كبرى في دمشق ويعتدى على سفرائها، وتخرق اتفاقيّات حدودية مع تركيا، وتهدّد دول كثيرة بصورة علنيّة من قبل المسؤولين السّوريين، وللحق لم أر دولة تعربد على العالم وتقتل المدنيين ولا يحاسبها أحد إلّا " إسرائيل" والنّظام السّوري، ولكن حتّى " إسرائيل " كانت تمنح مهلة زمنيّة في عدوانها على لبنان وغزّة- على سبيل المثال- ولم تمنح كل هذا الوقت مثل النّظام السّوري؟!.

التّبريرات والتّحليلات السّابقة للمدافعين عن القمع والفساد لا تعفي أصحابها من المسؤوليّة، فالنّظام السّوري لا يخوض حرباً مع أطراف خارجيّة، وهو يقتل شعبه على أرض الواقع، وهو يعمل وفق قاعدة:  ( النّاس بتضربني، وأنا بضرب زوجتي) أو على وجه أخص على قاعدة خاصّة به،  وهي: (النّاس بتحكي عليّ، وأنا بقتل شعبي) وهي قاعدة تعبّر عن خلل سلوكي و نفسي خطير في أداء من يحكمون سوريّا، وتظهر خللاً أخطر في سلوك وكلام من يساعدهم ويبرر جرائمهم، وبما أنّ هؤلاء يبررون كل ما يجري في سوريا على أنّه مؤامرة على المحور الإيراني في المنطقة، فالكرة في ملعبهم هم ولا أحد غيرهم، فهم ليسوا معفيين من المسؤوليّة، بل إنّ التّفكير المؤامراتي يثقلهم بالمزيد من المسؤوليات ويلزمهم ب " خارطة طريق" لتفكيك تلك "المؤامرة" بطرق عقلانيّة، بما أنّهم يتمتّعون بقدرات خارقة على فهم ما يجري خلف ما يراه غالبيّة العرب والمسلمين، والسّوريين على وجه خاص؟!.

ففيما يخص إيران بإمكانها أن تفكّك ما يخصّها من "المؤامرة" وتجهضها في مهدها، فهي مدعوّة لكبح جماح حليفها في دمشق وتعلمه بما لا يدع مجالاً للشّك بوجوب إيقاف جرائمه ضدّ الشّعب السّوري، وأن تقف موقفاً يماثل موقفها من جرائم ملك البحرين ضدّ شعبه ، مع أنّ الفرق في مستوى جرائم الإثنين كبير جداً لصالح الأسد – ربّما نظراً للإرث الإجرامي للعائلة والنّظام- كما أنّ إيران مدعوّة لإصلاح علاقتها مع جاراتها الخليجيّة وجارها العراقي، وهي بهذا تجهض أي سعي من بعض الأنظمة الخليجيّة لتوريطها في " المؤامرة" التي تستهدفها وستدين كل من يعمل ضدّها من تلك الأنظمة، فما دام الهدف هو عزل إيران شعبياً من قبل المتآمرين، فإنّ مبادرة إيران التّصالحيّة وضغطها على نظام الأسد ستمنع عزلها وتنفيذ بقيّة خيوط "المؤامرة" المزعومة.

أمّا إن كانت إيران ومن معها لا يبحثون عن الشّعبية ولا تزعجهم العزلة،  كما عبّر عن ذلك حسن نصرالله في لقائه على قناة "المنار" وقال ساخراً عن من لا يعجبهم موقف حزبه الدّاعم لجرائم الأسد: " يصطفلوا" وهي بتعبير آخر نوع من الغرور والإستهتار بمشاعر من يتعاطفون مع المقتولين في سوريا، وبتعبير أدق هي كمن يقول لهم " إضربوا راسكم في الحائط" فهم كمن يذهب إلى البيداء بلا سلاح، فأسباب النّصر لا تتعلّق بالتّجهيز المادّي فقط، والإفراط في الغرور والعداء للظّهير والحاضنة الشّعبيّة الطبيعية لمن يقول أنّه يخوض معركة مع قوى دوليّة، سيوصله لمصير لا يتمنّاه له حتّى من يعين على قتلهم اليوم .

أمّا النّظام  فهو مستمر في قتل شعبه، ويعلن الإعلان تلو الإعلان عن تخطيطه لإصلاحات مستقبليّة وتشكيل لجان وغير ذلك، ويتجنّب تنفيذ أيّ إصلاحات من تلك التي قدّمتها له الجامعة العربية، مع أنّها وضعته قائداً لهذا الإصلاح وشريكاً أساسيّاً فيه، وليست خطواته الصّوريّة إلا محاولة لامتصاص الإندفاع الرّسمي العربي لعزله رسمياً من الجامعة العربيّة، ووصول حلفائه العرب - وغير العرب- لدرجة من الحرج تمنعهم من الاستمرار في الدّفاع عن هذا المستوى من العنف والتّقتيل، ولذلك إن لم يكن هناك آليّات رقابة وإلزام بالتّنفيذ للنّظام فستكون مهلة الأسبوعين وما بعدها عبارة عن مهلة أخرى يحظى بها النّظام لإجهاض الثّورة، وليس لتحقيق أهدافها من الحرّيّة والمشاركة السّياسيّة والعدالة الاجتماعيّة.

غالبيّة المؤشّرات تدل على أنّ نظام الأسد، ومن يتحالفون معه، ينفّذون الشّق الخاص بهم من " المؤامرة" التي يقولون أنّها تستهدفهم، وإن كان هناك تشخيص جزئي حقيقي لتلك "المؤامرة" من قبلهم، إلا أنّ هؤلاء يخفقون في وسائل التّصدّي لها و إجهاضها، فإذا كانت "المؤامرة" تقضي في جزء منها بتدويل الأزمة والإنقضاض على تلك الأطراف بعد عزلها شعبيّاً، فقتل الشّعب السّوري، وتأييد البعض لهذا القتل، لا يؤدّي إلّا إلى التسريع في تنفيذ فصول تلك " المؤامرة" وليس منعها، ولذلك قد يقرأ موقف النّظام الأخير من ورقة الجامعة العربيّة على أنّه يأتي في سياق التّفكير " المؤامراتي" وليس رغبةّ في تنفيذ إصلاحات حقيقيّة.

 التّشخيص الخاطىء للأزمة يقود إلى حلول تغرق أصحابها في الخطيئة ومن بعدها للمهالك، كما أنّ التآمر والتّواطؤ الإقليمي والدّولي على الثّورة السّوريّة، هو عامل قوّة لها وليس عامل ضعف، وبالرّغم من جنوح الثّورة السّوريّة في بعض أوجهها للعسكرة المحلّيّة الغير مدعومة بحلف خارجي، فهذا سيجعل الانتصار الشّعبي وطني بامتياز، لأنّ الخذلان العربي والدّولي سيدفع السّوريين إلى الاعتماد أكثر على قواهم الذّاتية لتحقيق الانتصار على هذا النّظام الاستبدادي الإجرامي الّذي يحظى بدعم دولي وإقليمي كبير، وبهذا فقط يخطّ السّوريون طريقهم نحو تفكيك "المؤامرة" على ثورتهم عبر فرض الوقائع على الأرض وتحطيم نظام الفساد والاستبداد بقواهم الذّاتيّة.