وهلك طاغية آخر.. والبقية تأتي

بدر محمد بدر

بدر محمد بدر

[email protected]

هكذا شاءت إرادة الله، ولا راد لمشيئته سبحانه وتعالى، أن يمرغ أنف الطاغية معمر القذافي في الرغام، وأن يراه العالم كله ذليلا مهانا كسيرا لا وزن له ولا قيمة، يطلب الرحمة ممن أذاقهم كؤوس الذل والهوان، ويرجو العفو ممن لم يرحم ضعفهم أبدا، وهو الذي عاش حياة الأباطرة والقياصرة، وتسمى بأكبر الألقاب والصفات، وأنفق المال بغير حساب.

إنها ذكرى لمن كان له قلب، وعبرة لكل طاغية، وتنبيه لكل ظالم، ورسالة إلى كل جبار، إنها نفس القصة التي تعرض لها فرعون، حين طغى في الأرض واستعبد الناس وظلم نفسه وقال "أنا ربكم الأعلى"، فكان جزاؤه أن أغرقه الله في البحر ثم أخرج جثته ليرى الناس من هو ربهم الأعلى، ولكن الظالمين دائما يغفلون عن آيات الله "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون"، هكذا عاش الهالك معمر القذافي، غافلا عن آيات الله المقروءة والمرئية.

هل كان الطاغية الهالك معمر القذافي مستعدا لموتة شريفة، يخلد فيها ذكره عند الله وعند الناس وعلى صفحات التاريخ؟ وهل كان يفكر لحظة في أنه يوما ما سوف يموت وحيدا، لا حول له ولا قوة، وأنه سوف يقف في النهاية أمام الله العادل ليحاسبه على ما اقترفت يداه هو ومن يأمرهم؟ وهل وضع في حسابه يوما أن الشعب الليبي الحر، الذي أنجب المجاهد عمر المختار وإخوانه الأبطال، الذين دوخوا الاستعمار الإيطالي، يمكن أن يقبل الذل والهوان والظلم دون أن يثور؟

لكنه عاش بكل قسوته وجبروته وطغيانه وظلمه، يقتل الآلاف من أبناء شعبه، ويعتقل عشرات الآلاف في أسوأ السجون والمعتقلات على وجه الأرض، ويمارس قطع الأرزاق ومحاربة الشرفاء واغتيال الأبرياء، وينفق أموال الشعب الليبي بلا حساب على نزواته ومغامراته، ويرتكب كل الموبقات على مدى أكثر من أربعة عقود، حتى ضج الناس وخرجوا يثأرون لكرامتهم وحريتهم، وما أصدق حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".

والآن هل لا تزال هناك فرصة أمام الطغاة والمتجبرين، الذين يذيقون شعوبهم مرارة الظلم والعدوان؟ وهل هناك من يفهم الدرس من بقية الحكام والمسئولين، بعد هروب زين العابدين من تونس، ومحاكمة مبارك في مصر، ومصرع القذافي في ليبيا؟ هل لا تزال هناك فرصة أمام طاغية اليمن، الذي يقتل شعبه كل يوم، ويدمر وطنه كل لحظة، وكأنه يقول: تموت اليمن ويحيا الرئيس وأبناؤه وحاشيته؟ هذا والله لن يكون، وسوف تتحرر اليمن من رجس هذه العصابة الآثمة قريبا جدا.

وهل لا تزال هناك فرصة أمام طاغية سوريا، الذي يسفح نظامه الإجرامي الدم الحر للشعب السوري كل صباح بكل غطرسة؟ والذي قتل من شعبه حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف، وجرح واعتقل عشرات الآلاف، وشرد مئات الآلاف؟ هل يمكن أن ينتبه الطاغية السوري إلى مصيره المحتوم، فيحاول إنقاذ نفسه وأركان نظامه من هول النهاية؟ لا أعتقد، فالطغاة دائما هم آخر من يتعلمون دروس الواقع والتاريخ، وسوف ينتصر الشعب السوري قريبا، ويذهب الطغاة إلى مذبلة التاريخ. 

إن الشعوب تسكت على الظلم أحيانا، لكنها أبدا لا تصبر طويلا، وتنتفض لتلقن الطغاة دروسا في الحرية والكرامة، وأن صبرها لم يكن عن عجز، والشعوب باقية والحكام زائلون، فهنيئا لمن اتقى الله في شعبه، وعاش قائما بالعدل والقسط، يحارب الظلم والفساد، ويرجو الأجر من الله، وحسن الذكر بين الناس.