ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا

محمود القاعود

محمود القاعود

[email protected]

وكأن هناك ما يعمي طواغيت العرب ويدفعهم إلي مصيرهم المحتوم .. لا تجدي معهم نصائح أو مناشادات ، وكأنهم أيضاً قد ورثوا بلاد العرب بخيراتها وأموالها ورجالها ونسائها !

لسان حالهم يقول ما حكاه القرآن الكريم علي لسان فرعون  : "  يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي " ( القصص : 38 ) .

وساعد طغاة العرب عدد غير قليل من المنافقين الأفاكين الذين رددوا مع ابن هانئ الأندلسي ما كان ينافق به الخليفة :

ما شئتَ لا ما شاءتِ الأقدارُ

 

فاحكُمْ فأنتَ الواحد القهّارُ

 

و كأنّما أنتَ النبيُّ محمّدٌ

 

وكأنّما أنصاركَ الانصارُ

 

أنتَ الذي كانتْ تُبشِّرنَا بهِ

 

في كُتْبِها الأحبارُ والأخبارُ

 

هذا إمامُ المتَّقينَ ومنْ بهِ

 

قد دُوِّخَ الطُّغيانُ والكُفّار

 

هذا الذي ترجى النجاة ُ بحبِّهِ

 

و به يحطُّ الإصرُ والأوزار

صار كل عتل زنيم من حكام العرب يعتقد أنه " الواحد القهار " وأنه فعلا الذي كانت تبشر به الأحبار والأخبار !

وإن تأملنا في حال هؤلاء المسوخ السفلة الذين يصور لهم خيالهم المريض أنهم يتمتعون بـ " الحكمة والحنكة وبعد النظر والخبرة والعمق والجود والكرم والإخلاص ... إلخ الموشح " نجد أنهم بعيدون كل البعد عن هذه الأوصاف ، بل هم علي العكس تماما .. حقراء وسفلة ورعاع ولصوص قاموا بالسطو المسلح واغتصبوا السلطة والثروة ..

زين العابدين بن علي وحسني باراك ومعمر القذافي وعلي عبدالله صالح وبشار الأسد .. إن أردنا أن نعرف ماذا قدم هؤلاء الخنازير لبلادهم ، فلن نجد أية إجابة إلا أنهم خربوا بلدانهم ودمّروا شعوبهم ورهنوا إرادتهم بالغرب الصليبي ..

عقود طويلة في الحكم لم ينتج عنها أي شئ  لصالح الشعوب .. فقط نتج عنها أموال ومخدرات ودعارة لصالح الحكام وأزلامهم ..

ومع ذلك فالطغاة لا يعتبرون أبدا ..

وجاء يوم الخميس 20 أكتوبر 2011 ليسجل حدثا تاريخيا أجزم أن طغاة العرب لن يعتبروا منه ، حيث بثت الفضائيات صورة الجيفة القذرة للمسخ الأخرق معمر القذافي بعد قتله علي يد الثوار في مدينة سرت التي اختبأ فيها لشهور .. كانت صورة الجيفة تغني عن الكلام وتذكر الجميع بأيام الله :

"  وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ  " ( آل عمران : 140 ) .

لم يكن الحلوف القذافي يتخيل يوما أن يحدث به ما حدث فهو – وفق زعمه – " عميد الحكام العرب وملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين وأمير المؤمنين وزعيم إفريقيا وصاحب النظرية العالمية الثالثة – الكتاب الأخضر – وقائد ثورة الفاتح من سبتمبر ورئيس ما تُسمي الجماهيرية العربية الشعبية الليبية الاشتراكية العظمي والقائد المناضل المجاهد الذي خرج من البادية والخيمة !

لم يكن هذا المسخ يتخيل ولو للحظة واحدة أن يترك السلطة ، وكان يعد ابنه سيف الشر والإجرام ليرثه من بعده .. لكن إرادة اللهأقوي من كل إرادة ومكر الله خير من أي مكر ..

فور رؤيتي لجيفة القذافي تذكرت قول الحق سبحانه وتعالي عن الوليد بن المغيرة :

" ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلاَّ إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ " ( المدثر : 11 – 30 ) .

ليس الوليد بن المغيرة وحده .. بل كل طاغية أمده الله بالقوة والمال والأولاد ثم كذب بآيات الله واستكبر .. دعا الله حبيبه أن يترك له الوليد بن المغيرة .. فهو القادر عليه .. وهو الذي سيذيقه مشقة العذاب وسيدخله النار ..

وجدتني اقرأ الآيات الكريمات وأنا أشاهد جيفة القذافي .. مثلما أعطاه الله المال والأولاد والحكم ، جرّده من كل ذلك في لحظة ، وجعله أعجوبة :

" فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ " ( يونس : 92 ) .

اليوم أيها القذافي يراك العالم وأنت تداس بالأحذية ، ليزداد الذين آمنوا إيمانا .. ولتتحقق فيك آيات الله التي حتما سيغفل عنها رفاقك في الطغيان والبهتان الذين يُسمون " حكام العرب " ..

إن هلاك الطاغوت الإرهابي معمر القذافي يوم عيد لكل الأحرار في العالم ، وعلي أهلنا في ليبيا الشقيقة التوحد ونبذ الفرقة والحذر من مؤامرات الناتو وأمريكا وبناء الدولة التي أعادها هذا النافق إلي العصور الحجرية ..