الخريف الأمريكي
معن بشور
نستطيع ـ دون أي تعسف ـ أن نُطلق على الاحتجاجات الأسبوعية المتعاظمة في شارع المصارف (وول ستريت) في نيويورك اسم "الخريف الأمريكي"بكل ما للكلمة من معانٍ وتداعيات وإيحاءات.
واختيار وصف "الخريف الأمريكي" لا يعود لأن موعد أولى هذه المسيرات جاء متطابقاً مع الأيام الأولى من فصل الخريف، ولا فقط من كون الاستخدام المفرط لتعبير "الربيع العربي" من قِبل الإدارة الأمريكية قد أثار فينا مخاوف وهواجس وحتى مواجع، بل أيضاً لأن من يواكب التطورات السياسية الاقتصادية والاجتماعية يُلاحظ دون صعوبة، أن الإمبراطورية الأمريكية، التي كانت تُهيئ نفسها للسيطرة على العالم كلّه في القرن الواحد والعشرين، قد أُصيبت بعوارض الشيخوخة وهي لم تدخل بعد العقد الثاني من هذا القرن..!!
وأخطر ما تواجهه الإمبراطورية المهتزة اليوم، ليست هذه الأزمة الاقتصادية والمالية والسياسية التي تضرب في عُمق الدولة الأكبر والأغنى في العالم فحسب، بل حال الإنكار المرعبة التي تتخبط بها إدارتها في سياساتها، الداخلية والخارجية، الاقتصادية والاجتماعية، الاستراتيجية والعسكرية، كما في أدائها التشريعي والتنفيذي، وهو الأداء الذي أعتبرته مؤسسة (بروكينغر) للتصنيف الأئتماني السبب الرئيسي في إعاقة تخفيض الدين والعجز في الموازنة.
وأيّاً تكن الإتجاهات التي قد تندفع إليها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات القادمة والتي قد تصل إلى حد تفكك كيانها الموحد من فيدرالي إلى كونفدرالي يضم تجمعات أربع أو خمس ـ حسب توقعات الصديق والخبير في الشؤون الأمريكية الدكتور زياد الحافظ ـ فإن ما هو أخطر من الإنكار الأمريكي، ومعه الإنكار الأوروبي، هو ذلك الإصرار من جهات عربية وإقليمية على إنكار هذا التراجع المتسارع في نفوذ واشنطن وقوتها والذي تتعدد مظاهره رغم "الهجمات المرتدة والمتعددة" التي يُحاول البيت الأبيض أن يشنها في غير منطقة، وفي غير مجال، للإيحاء بأن كل شيء ما زال تحت السيطرة!
حال الإنكار الشاملة هذه، أمريكياً وأوروبيا، عربياً وإقليميا، تُفسّر رهان البعض على تدخل أمريكي، أو دور أوروبي، في هذه البلد أو ذاك، في هذه القضية أو تلك، بكل ما يقود إليه هذا الرهان من حسابات خاطئة، وممارسات خطرة وعنف دموي وعنف مضاد ثم ندم حيث لا ينفع الندم!
وإذا كان البعض يرى في الالتزام الأمريكي الفاضح بالمشروع الصهيوني، والذي شهدت منابر الأمم المتحدة آخر فصوله قبل أيام، تأكيداً على علاقة وثيقة بين الإمبريالية والصهيونية، إلا أن هذا الالتزام يكشف كذلك ضعفاً خطيراً في قوة واشنطن ونفوذها، ومثل هذا الضعف ينكشف عادة أمام "الحلفاء" قبل أن ينكشف أمام الخصوم..
فهل يقرأ المعنيون بشؤون المنطقة، من سياسيين ومثقفين وإعلاميين، في كتاب التحولات الدولية، خصوصاً في فصل التحولات الأمريكية والأوروبية، ويستنتجوا الدروس الصحيحة من هذه القراءة؟ بل هل يُجري المعنيون، حكاماً ومعارضين، المراجعات المطلوبة فيُقلع المراهنون، دون تردّد، عن رهاناتهم الخاسرة والدامية، ويستجيب القادرون، دون تلكؤ، لمطالب شعوبهم المشروعة..!!؟؟
المصدر: صحيفة الأنوار / لبنان