دلالات تصريحات وزير الدفاع الأمريكي من "إسرائيل"

م. عبد الله زيزان

دلالات تصريحات وزير الدفاع الأمريكي

من "إسرائيل"

م. عبد الله زيزان

[email protected]

تميز الخطاب الأمريكي الرسمي في الملف السوري بالكثير من التردد والتخبط، يصعب من خلاله فهم ما تريده الإدارة الأمريكية كحل للأزمة السورية... فنذكر كيف تنصلت الإدارة الأمريكية من تصريحات وزيرة خارجيتها "هيلاري كلينتون" حين أسقطت الشرعية في بادئ الأمر عن النظام السوري وقالت إن بشار ليس بالشخص الذي لا يستغنى عنه، بدعوى أنه موقف شخصي ارتجالي من وزيرة خارجيتها لا يعبر عن رأي الإدارة الأمريكية –وهي طريقة غريبة في التراجع عن تصريحات مسؤول رفيع بمستوى وزيرة خارجية دولة كالولايات المتحدة الأمريكية-، لكنهم فيما بعد عاودوا وأعلنوا سقوط الشرعية عن النظام وطالبوا الأسد بالتنحي، مما يشير إلى حجم المشكلة التي يشعرون بها من تداعيات سقوط النظام في سورية...

ولعلّ أهم أسباب التردد الأمريكي هو الموقف "الإسرائيلي" من النظام السوري والذي اتسم بالكثير من التوجس من مرحلة ما بعد الأسد، مما دفعهم إلى الضغط على أمريكا والغرب لمساندة النظام السوري ومحاولة إنقاذه من أزمته الراهنة، كما تشير بعض التحليلات والتسريبات، وربما ما قامت به "إسرائيل" من غض للطرف لتجاوزات النظام السوري في الجولان دليل على مدى الدعم الذي يحظى به نظام "الممانعة" هذا من هذه الدولة المارقة...

لكن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي "ليون بانيتا" الأخيرة والتي قال فيها: إن سقوط النظام السوري مسألة وقت - لا يمكن لها أن تكون ارتجالية، كما أن لها دلالات كبيرة، إذا ما ربطناها باختياره "إسرائيل" المكان المناسب لهذه التصريحات... فهو على ما يبدو يريد أن يرسل بذلك رسالة مزدوجة إلى النظام السوري، مفاد الرسالة الأولى أنّ صبر الإدارة الأمريكية تجاه ما تعيشه سورية الآن من الفوضى قد انتهى، وهي لن تقبل بنظام عاجز عن تأمين استقرار هذه البقعة الجغرافية الحساسة من المنطقة العربية، وأما الرسالة الثانية، فهي أنّ الورقة الأخيرة التي كان يملكها النظام السوري والمتمثلة بالدعم "الإسرائيلي" له قد سقطت هي الأخرى...

فكما يبدو أنّ "الإسرائيليين" باتوا مقتنعين أكثر من أي وقت آخر بأنّ النظام السوري قد فشل إلى هذه اللحظة في وأد الثورة السورية وإنهاء أزمته، وأنّه لا مؤشرات تلوح في الأفق تدل على أنّ هذه الثورة قد تنحسر أو تتراجع، كما أن التمسك بهذا النظام قد يعود بالضرر الكبير على دولتهم المضطربة أصلاً، خاصة مع ظهور بوادر العمل المسلح من جانب المنشقين من الجيش السوري، والذين لا يمكن ضبط تصرفاتهم ضمن إطار محدد وواضح... وجاءت عملية "الرستن" الأخيرة والتي أراد النظام من خلالها تأديب بقية المدن السورية الثائرة لتكشف حجم المأزق الذي تعيشه الآلة العسكرية السورية، حيث دفعتها المقاومة الشرسة في تلك المدينة إلى استخدام مئات الدبابات وعشرات الطائرات...

فهل سنشهد تحولاً أمريكياً حقيقياً في التعاطي مع الملف السوري؟

في الحقيقة يشعر السوريون أنّ الإدارة الأمريكية حتى فترة قريبة لم تكن جادة في ما ذهبت به من تصريحات حول سقوط شرعية نظام الأسد ودعوتها إليه بالتنحي... فهي لم تتخذ الخطوات العملية التي تترجم هذه الأقوال إلى أفعال مؤثرة على الأرض... كما أن تمترس الإدارة الأمريكية خلف الموقف الروسي الرافض لأي قرار أممي يدين سورية بات مثيراً للشك والريبة... فالنظام الروسي يريد من خلال مواقفه الأخيرة ثمناً أمريكياً يعوضه عن خسارته من سقوط حليفه السوري وهو ما تدركه أمريكا وتتغاضى عنه...

لكن تصريحات وزير الدفاع الأمريكي الأخيرة بنكهتها الجديدة بصدورها من "إسرائيل"، ربما هي إشارة إلى منعطف جديد في تعامل الإدارة الأمريكية مع الملف السوري، وهذا ما سيتكشف لاحقاً من خلال المواقف العملية التي ربما ستنتهجها أمريكا والغرب من ورائها، والتي قد تغير قليلاً من الريبة التي يحملها السوريون نتيجة تقاعس وتباطؤ التحركات الأمريكية العملية على أرض الواقع...