الحرب النفسية

مجاهد مأمون ديرانية

رسائل الثورة السورية المباركة (47)

الثورة السورية: المرحلة الثانية (13)

مجاهد مأمون ديرانية

لو أننا حاربنا النظام بالسلاح فإنه سوف يحاربنا بالسلاح، وبما أن سلاحه أقوى وأكثر من أي سلاح يمكننا امتلاكه فلا بد أن يَهزم سلاحُه سلاحَنا، لكننا نتفوق عليه بالأعداد؛ نحن كثيرون وهو وجنوده وعبيده قلّة، فلماذا لا نبتدع أسلحة نستفيد فيها من كثرتنا لنغلب بها قلّتَه، أسلحة لا يستطيع انتزاعها من أيدينا ولا يستطيع منعنا من استعمالها ضده، ومع ذلك فإن أثرها فيه شديد؟

هذه المقالة إعلان حرب؛ سوف نبدأ بشن الحرب على النظام منذ اليوم، ليس حرب الميادين التي هي حرب أسلحة لا طاقة لنا بها، بل الحرب النفسية التي هي حرب عقول وقلوب، فلئن كانت أيدينا قاصرة عن السلاح وعدوّنا متفوقاً علينا به فإنه لن يتفوق علينا بالعقل والإرادة إن شاء الله، ولن يستطيع أن يسلبنا سلاحنا الذي قررنا أن نحاربه به حرباً منظمة شاملة، إنه سلاح لا طاقة له بالرد عليه لأنه سلاح خفي لا يراه. لا تستهينوا بهذه الحرب، إن أعظم القادة العسكريين يحرصون على التخطيط الجيد لها قبل التخطيط للمعارك الفعلية، حتى إن الجنرال مونتغمري (الذي هزم رومل في العلمين وصار من أشهر القادة العسكريين في التاريخ) يعتبر أن ربح المعركة النفسية هو الطريق إلى ربح المعركة العسكرية، يقول: "إن المعارك تُحسَم في قلوب الرجال قبل أن تُحسم على الأرض".

تعالوا نتعاون في ابتكار خطة وأسلحة وأدوات الحرب، ولكن لاحظوا أولاً أمراً مهماً: إن الحرب النفسية تحتاج إلى تركيز كالحرب الحقيقية تماماً. لو شنّت دولةٌ من الدول الحربَ على أخرى فإنها تخترق حدودها من ثلاثة محاور أو أربعة، لا يُعقل أن تهاجمها عبر كل ميل من الحدود المشتركة بينهما لأن الجيش يتشتت في هذه الحالة ولا يبقى له أثر. وهكذا فنحن في حربنا النفسية مع مرتزقة وعبيد النظام سوف نركز هجومنا على عدد محدود من المحاور، ولكننا سنبدع -بإذن الله- في تركيز الحملة واستثمار كل أداة ممكنة لتنفيذها. أقترح أن نركز على المعاني التالية في حربنا ضدهم:

(1) الثورة أقوى منكم ومن أسلحتكم، لن تستطيعوا قهرها بإذن الله: إنكم تحاربوننا بكل القسوة والإجرام منذ ستة شهور، هل استطعتم أن توقفوا الثورة الشعبية؟ لن تستطيعوا ولو مارستم القتل والتنكيل مئة سنة بإذن الله لأننا أقوى منكم.

(2) الثوار أشجع منكم ومن نظامكم: إنكم تواجهون الجماهير التي تخرج بلا سلاح بالرصاص والقتل والاعتقال والتنكيل، هلاّ واجهتمونا مواجهة الرجال الشجعان، مواجهة رجل لرجل؟ لن تفعلوا لأنكم أجبن من أن تفعلوا.

(3) النظام السوري يقترب من حتفه، أنتم خاسرون وزائلون: العالم كله يقف اليوم ضد النظام، إنه نظام ضعيف وحيد معزول لا أمل له بالبقاء وسوف ينهار قريباً، وعندما يسقط النظام تغرق سفينته بكل من فيها، كل من ساعد النظام ووقف معه سوف يخسر المعركة. أنتم أول الخاسرين.

(4) سيتخلى رؤساؤكم عنكم وتبقون وحيدين: رأس النظام وكبار معاونيه يخونون أتباعهم دائماً ويتخلّون عنهم عندما يخسرون. سوف يهربون ويتركونكم وراءهم لتواجهوا سوء المصير.

(5) سوف تحاكَمون قريباً على جرائمكم وينفَّذ فيكم حكم العدالة: الثورة وثّقت جرائم النظام وحصرت المجرمين بالأسماء، وبعد سقوط النظام سيحاكم الشعب كل المسؤولين الذين شاركوا في الجريمة، وعلى رأسهم عناصر أجهزة الأمن الذين قتلوا وعذبوا الأبرياء.

الأفكار السابقة مجرد مقترحات، ومن وجد أصلح منها فلا يتردّدْ في استعمالها. المهم أن نهاجمهم بها هجوماً مركَّزاً وأن نستغل كل وسيلة متاحة في الهجوم. أقترح بعض الوسائل وأترك لخيالكم المبدع ابتكار غيرها:

(1) أبرزوا الأفكار السابقة في المظاهرات، احملوها في اليافطات العريضة أو رددوها في الهتافات.

(2) رشّوها على الجدران بالخط العريض (كما يصنع "الرجل البخّاخ" في إبداعاته).

(3) ادخلوا إلى صفحات العبيد والعملاء واملؤوها بالتعليقات. أنا أصنع ذلك بين وقت وآخر، أحياناً أدخل إلى صفحة من صفحاتنا فأجد أنهم سرقوها أو اخترقوها، فلا أغادرها حتى أعلّق فيها بما يفتحه الله عليّ (ضمن المعاني السابقة)، وأحياناً أصل مصادفةً إلى صفحة من صفحات الأعداء، فإذا كنت في فسحة من وقتي فإنني أسجل إعجابي بالصفحة وأعبث بهم قليلاً ببعض التعليقات، ثم ألغي الإعجاب وأنصرف في حال سبيلي.

(4) لو استطعتم أن تصلوا إلى أرقام هواتف مجرمي النظام -كبارهم وصغارهم- أو عناوينهم البريدية فشنّوا عليهم الحرب من خلالها. هذا الأمر صنعه بعض الثوار غيرَ مرة، وقد سمعت تسجيلات صوتية لاتصالات مستفزّة مع بعض الأبواق الإعلاميين وبعض ضباط الفروع الأمنية، كانت ظريفة جداً وأغضبتهم تماماً. ومرة قرأت لواحد من نشطاء الحرب النفسية تقريراً موجزاً بما يصنعه هو وجماعة من أصحابه، بارك الله فيه وفيهم، قال: "أنا أقوم بالاتصال أكثر من عشرين مرة يومياً ببعض مخافر الشرطة في أنحاء سوريا لتوعيتهم وإطلاعهم على حقيقة ما يجري من القتل والتنكيل الذي تمارسه أجهزة الأمن بحق الشعب السوري الأعزل، وأقول لهم بأن ما تصنعونه في مدينة ليست مدينتكم وبأهل ليسوا أهلكم في مكان خدمتكم هناك عناصر مثلكم في مدينتكم وقريتكم قد يمارسون بأهلكم نفس الشيء، فاتقوا الله في أهليكم. إضافة إلى أنني أقوم مع مجموعة كبيرة جداً بنشر نفس هذه الحملة التوعوية لكل من نعرفه من أهالي وأصدقاء وأقرباء وأبناء المجندين في الجيش العربي السوري".

أنا نفسي أتيحت لي ذات مرة فرصة لم أستطع تجاهلها، فقد قرأت في صفحة شبكة أخبار حلب وإدلب قبل شهرين تحذيراً من استعمال عنوان بريدي لأن المخابرات استولت عليه، فكتبت رسالة وجهتها إلى "عناصر المخابرات الذين سيقرؤون تلك الرسالة" قلت لهم فيها إنني سررت جداً بقراءة ذلك الخبر لأنني أبحث من وقت طويل عن وسيلة للتواصل معهم، وحيث إن تلك الرسالة ستصل إليهم فلا بد أن يقرؤوها... وبعدما ركزت على المعاني السابقة ختمت رسالتي بنصيحة صغيرة، قلت لقارئها: لو كنت مكانك لخرجت من الفرع فوراً وأوقفت أول سيارة أجرة فذهبت إلى بيتي ولم أتركه حتى يسقط النظام، لعل انسحابي المبكر (نسبياً) من جهاز الأمن سيخفف من عقوبتي بعد انتصار الثورة.

*   *   *

لنركز -أخيراً- على واحدة من أهم أدوات الحرب النفسية، وهي الإشاعة. إنها سلاح الضعفاء، لا تكلف إلا صياغتها بشكل جيد وإطلاقها أول مرة، وبعد ذلك ستمشي وحدها وتنتشر في الناس، العدو منهم والصديق على السواء، فأما الصديق فإنه يُسَرّ بها وترفع معنوياته، وأما العدو فتصنع فيه العكس.

النظام يستخدم ضدنا هذا السلاح ويسخّر من أجله آلته الإعلامية وعملاءه الكثيرين، فلنردّ عليه بالمثل. لقد تتبعت عدداً من الأخبار المخيّبة للآمال خلال الشهور الماضية، ووجدت دائماً أنها تصدر من مواقع حكومية أو موالية، فتيقنت أنها إشاعات يلعبون بها بأعصاب الثوار ومعنوياتهم. منها ما أشيع قبل مدة عن حوادث اغتصاب وقعت في مخيمات اللاجئين في تركيا، ولما كان هذا الخبر مُنكَراً بحيث يصعب تصديقه فقد أتعبت نفسي في تعقبه في الشبكة فوجدته -كالعادة- منسوخاً في عشرات أو مئات المواقع والصفحات، وبعد بحث مُضنٍ وجدت أن أصله خبر منشور في موقع من مواقع النظام (أي من مواقع الشبيحة الإلكترونيين)!

هذا السلاح الفعال سلاح فردي، أي أنه لا يحتاج لإطلاقه إلاّ إلى شخص واحد يصوغ إشاعة مُحكَمة ثم يطلقها بأي طريقة كانت، تعليقاً في أحد المنتديات أو في واحدة من صفحات الفيسبوك أو تغريدة عبر تويتر، يمكن أن يُسِرّ بها فقط إلى صديق والصديق سينقلها إلى غيره فتنتشر بسرعة، والنساء أفضل في هذا من الرجال (بلا حساسيات بالطبع) ويمكنهنّ أن يستعملنَ هذا السلاح بفعالية أكبر. المهم أن يبقى تداول الإشاعات بين الأفراد ولا تتبناه صفحات ومواقع الثورة حفاظاً على مصداقيتها، ولكن لا مانع من استغلال تعليقات الأعضاء لنشرها لأن إدارات الصفحات ليست مسؤولة بالضرورة عن صحة كل ما يكتبه الأعضاء والقرّاء.أعصاب

 

الإشاعات التي يمكننا اختراعها لا حدود لها، المهم أن تشترك كلها في أهداف الحرب النفسية، وهي إضعاف المعنويات، ودفع العدو إلى اليأس، وتشكيك أطراف العدو بعضهم ببعض والإيقاع بينهم... أيّ إشاعة تضعف النظام ستكون مناسبة جداً. ولا حاجة لأن تكون الإشاعات كلها مخترَعات، بل كثيراً ما يناسب أن نلتقط طرف خبر صحيح أو جزءاً من قصة حقيقية ونشتغل بترويجها وإذاعتها طالما أنها تؤذي العدو وتضعفه. هذه بعض الأمثلة، وهي قليل من كثير جداً يمكن أن تتفتّق عنه خيالات الثوار:

(1) بشار الأسد يعاني من انهيار نفسي، سمعت أنه تحت المراقبة الطبية وأن طبيبه منعه من اللقاءات والزيارات، وأنه يتناول سبعة أنواع من المهدئات.

(2) يقال إن أسماء تعيش في رعب قاتل بسبب اقتراب الثورة من الانتصار وتلحّ على زوجها بالإسراع بمغادرة سوريا قبل أن تزداد الأمور سوءاً.

(3) وصلني من مصادر من داخل القصر الجمهوري أن الخلافات تزايدت مؤخراً بين بشار وماهر وكل واحد يلوم الآخر على النتيجة التي وصلت إليها الأمور، ويقال إنهما يتبادلان التهديد والشتائم.

(4) علمت من مصدر موثوق أن هشام بختيار (الذي يترأس مكتب الأمن القومي) يلحّ على الرئيس الأسد لإقالة اللواء عبد الفتاح قدسية رئيس شعبة المخابرات العسكرية، وذلك بسبب فشله في احتواء الانشقاقات المتزايدة في الجيش.

(5) تسريبات مؤكدة تقول إن أحد كبار قادة الأجهزة الأمنية قد التقى سراً بالسفير الأميركي وأن الطرفين ناقشا خطة لتنفيذ انقلاب على القيادة السورية الحالية.

(6) بعض الأصدقاء العلويين المطّلعين أكدوا لي أن عدداً من كبار ضباط الطائفة العلوية جهزوا خطة للتخلص من عائلة الأسد، وذلك لحماية الطائفة من سقوط النظام الذي يقولون إنه بات قريباً جداً.

(7) علمت من مصادر موثوقة في مطار دمشق أن كبار الضباط والمسؤولين يهرّبون زوجاتهم وأولادهم خارج البلاد، ويبدو أنهم يستعدون للهرب هم أنفسهم في أقرب وقت والتخلي عن الضباط الصغار والعناصر والأفراد.

(8) قال لي موظف كبير يعمل في المصرف المركزي إن عدداً من الأشخاص الكبار حولوا أموالاً كثيرة إلى الخارج مؤخراً، وأنهم يستعدون لمغادرة البلاد هرباً من الثورة المتنامية.

أكثروا من الإشاعات وأطلقوا منها العشرات كل يوم. المهم أن تركز الإشاعة على نقطة ضعف، ولتكن واضحة وقصيرة، ومما يقوّيها أن تطعَّم ببعض الأسماء ولا سيما أسماء الكبار. استعينوا بالإشاعات مع أدوات الحرب النفسية الأخرى لإضعاف النظام والضغط عليه، ولتشكيك الموالين بسلامة موقفهم وتخويفهم من المستقبل. إن الإشاعات رصاصٌ مجاني يملك كل شخص إطلاقه بأمان، صحيح أن الذي يطلق تلك الرصاصات لا يبصر مصرع خصمه، لكنها رصاصات تصيب أهدافها بالتأكيد بإذن الله.