حول المشاركة مع الآخرين في حكومة

د. محمد عبد الرحمن

د. محمد عبد الرحمن

عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين

تأتى أحداث وتطورات تفرض على الجماعة بعض الخطوات التى لم تكن تستهدفها أو تتاح لها فرصة من اتساع مساحة العمل لا تخالف فيها مبادئها أو تتنازل فيها عن جزء من دعوتها مثل تشكيل حكومة أو المشاركة فى تحالف يشكل حكومة وطنية للإصلاح، وبالتالى يحتاج الأمر إلى وضوح الرؤية فى التعامل مع هذا الأمر المستجد.

فأولاً : يجب ضبط التوجه :

 من أن الجماعة لا تستهدف الكرسى كهدف وغاية لذاته وإنما هو وسيلة وواجب لإقامة شرع الله بكيفية ومنهجية محددة، وبالتالى يجب قطع الطمع وتعلق القلب عند الأفراد بهذا الأمر، فهو ليس هدفاً نجرى وراءه ونلهث للحصول عليه، وإنما نتعامل معه وفق مصلحة الدعوة وميزان الفائدة والخسارة.

وثانياً: أن الجماعة أعمق فى الرؤية وأحزم فى القرار :

من أن تستهويها المظاهر البراقة ولا تغوص وراء الأمور، وهى تدرك الواقع المحيط بها المحلى والعالمى، وما زالت كلمات الإمام الشهيد ماثلة أمامنا : "أن الإخوان أحزم وأعقل من أن يتقدموا للحكم فى هذه المرحلة ونفوس الأمة لم تُهيأ بعد".

وثالثاً: أن توقن أن هذه التطورات أمر غير دائم :

وبالتالى نتعامل معه كوسيلة فى اليد وليس كأمر تقاتل عليه أو تجعله بديلاً عن مسارها الأساسى ومنهجيتها فى العمل والدعوة.

ورابعاً : أن تكون على وعى كامل بأسلوب الاستدراج والتوريط:

 فإن هذه الزحلوقة تختل فيها خطوات الأفراد ومسيرتهم إذا لم تكن الأقدام ثابتة والأفراد محصنين ضد هذا الاستهواء وعلى وعى كامل بأهدافهم ودعوتهم، وقدرة على الثبات أمام الإغراءات المختلفة، وإلا فإن الزجّ بهم هو مغامرة أعقابها غير مأمونة عليهم.

وكذلك على وعى بأسلوب التوريط والزجّ بها فى مشاكل تشغلها عن هدفها الرئيسى أو تحرق مصداقيتها أمام الأمة أو تجعلها تتنازل عن بعض مبادئى دعوتها لتستمر فى هذا المكان.

وخامساً : القاعدة العامة فى ذلك :

ألا يكون فى المشاركة إعانة لظالم أو دعما لاستمرار حكمه وظلمه، هذا هو الأصل والاستثناء منه يكون وفق شروط الترجيح والموازنة بين الإيجابيات والسلبيات، ودفع المفسدة وذلك بالنظر فى مدى الإصلاح الجزئى من تقليل مساحة الظلم فعليا أو تحصيل منفعة مطلوبة للوطن، ويكون هذا فى إطار القاعدة العامة التى أشرنا إليها بحيث ترجح عليها، وهو أمر يُقدر بوقته وفى ظرفه الخاص وليس على إطلاقه .

سادسا : عليها أن تضع فى تصورها وخطتها قبل أن تُقدم، كيف تحسن الخروج منها كما أحسنت الدخول إليها:

وقد حددت مستهدفاتها والفائدة التى تخدم بها الدعوة.

بعد هذه المقدمة الأساسية نقول، تمشياً مع منهج الجماعة فى التعاون مع الآخرين لتحقيق الإصلاح والعمل لصالح الوطن، فإنه من الجائز المشاركة فى حكومة وطنية تسعى للإصلاح، وهذا الحكم بالجواز، لا يعنى أن الأمر أصبح ضمن الخيارات المطلوبة أو أنه مستهدف، ولكن يخضع لقواعد المصلحة وطبيعة المرحلة وشروط وضوابط أخرى خاصة أنه أمر لا نستهدفه لكن قد تفرضه الظروف.

وهذا التعاون مع حكومة للإصلاح الوطنى، قد يبدأ بالمساندة والتأييد والدعم، أو يرتقى إلى المشاركة الفعلية بعدد من الوزراء، وفى هذه الحالة لابد من توافر شروط معينة أهمها :

أن يكون ذلك ضمن مشروع واضح ومحدد للإصلاح فى جانب أو  عدة جوانب للأمة . وأن يكون ذلك معلناً ومتفقاً عليه من جميع أطراف التحالف المشارك.

ألا يكون فى برنامج الحكومة أى جانب أو إجراء يخالف الشريعة الإسلامية خاصة فى الأصول المتفق عليها، أو يضر بمصلحة الوطن.

أن يكون لها موقف محدد تجاه الفساد وتجاه القوانين التى تخالف أصول الشريعة كاستحلال الخمر وغيره من الكبائر.

أن يكون للوزير صلاحيات فعلية يتمكن بها من الإصلاح فى مكانه، وليس مجرد واجهة سياسية أو ديكور فى الوزارة.

أن يكون الهدف الأساسى هو تحقيق الإصلاح ودعمه فى المجتمع، حتى ولو كان جزئياً، وليس مجرد الحصول على المنصب الوزارى.

فإذا لم يتوفر ذلك، أو اختل بعض هذه الشروط والضوابط، أثناء المشاركة، أصبح ضررها أكبر من نفعها وبالتالى غير جائزة.

وكما أنه قد يحدث فى أى انتخابات برلمانية أن تحوز الجماعة على أغلبية المقاعد بفضل أدائها السياسى وفعالياتها وتحالفاتها المتنوعة وحب الجماهير لها، وبذلك يصبح من حقها تشكيل الحكومة .

فى حين أن مشروعها الإسلامى لإقامة المجتمع المسلم والحكومة المسلمة لم يستكمل بعد، وما زال يحتاج إلى مراحل متعددة وإلى استكمال وإعداد للركائز المطلوبة.

وفى هذه الحالة يمثل تشكيلها للحكومة نقلة نوعية ووسيلة مساعدة فى عملية الإصلاح وتهيئة المجتمع لإقامة الحكم الإسلامى وليست بديلاً عن المضى فى استكمال خط التربية وإعداد الجيل وتربية المجتمع.

ولا تمثل هذه النقلة أو تلك الخطوة الحكومة الإسلامية المنشودة أو ندعى أننا بذلك قد أقمنا الحكم الإسلامى الذى ندعو إليه لأنه لا يتحقق إلا بتكوين الركائز وتحقق الشروط والضوابط.

كما لا تعتبر الجماعة أن تشكيل الحكومة بأفرادها أو من خلال الحزب الذى يمثلها، بديل عن خطتها الرئيسية لإقامة المجتمع والحكم الإسلامى، أو أنه مسار استثنائى أو مواز للجماعة وكيانها أو يجعلها تقفز فوق المراحل وتلغى الضوابط، فنحن لسنا طلاب حكم أو منصب وإنما أصحاب دعوة ورسالة .

وعلى هذه الحكومة :

أن تلتزم فى أدائها بضوابط الإسلام فى كل المجالات والأحوال .

أن تكون خطواتها فى الإصلاح حقيقية، وأن تكون مركزة وواضحة ومتتابعة ضمن المشروع الإسلامى، حتى تمثل فعلياً نقلة نوعية مساعدة للمشروع الإسلامى الكامل، وأن يشمل ذلك أغلب المجالات سواء قانونية أو سياسية أو اقتصادية واجتماعية .. الخ .

أن تفى بوعودها وتحقيق برنامجها الانتخابى الذى طرحته على الجماهير.

أن تواجه الفساد بكل حزم، وأن تغير القوانين الخارجة على شرع الله ( وفق حديث رسول الله : "ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم" ).

أن تعرف الأمة طبيعة المرحلة، وأنها مرحلة إصلاح جزئى، وألا ترفع شعارات أكبر من واقعها، أو تطرح نفسها كنموذج متكامل ونهائى لإقامة الإسلام، أو تتاجر بالشعارات وأنها بذلك قدمت لهم الحكومة الإسلامية المنشودة والحكم الإسلامى الكامل.

انضباط أفراد الحكومة بالسلوك الإسلامى ونظافة اليد واللسان .

أن عليها أن توضح قولاً وعملاً محاسن الشريعة الإسلامية وتطمئن الخائفين من الإسلام.

أن تشرك القوى الوطنية المختلفة فى الإصلاح وتجتهد فى جمع الكلمة، لتشكل بذلك حكومة وطنية مشتركة إذا أمكن .

أن تلتزم بالشورى وإقرار الحرية السياسية والقواعد الديمقراطية مع احترام إرادة الأمة والشفافية مع الشعب.

أن تكون على مستوى التحديات التى ستواجهها داخلياً وخارجياً .

من المهم أن نوضح أن الإخوان أعمق نظرة وأكثر حكمة ووزن للأمور، ومعرفة ما يترتب على هذه الخطوات داخلياً وخارجياً، فلا يستهويهم بريق هذه الخطوات أو يؤثر على حساباتهم ووزنهم للأمور، ولكننا هنا نتحدث عن أمر قد يحدث كاحتمال ولو قليل، أو تضطر إليه الجماعة.

ولا تعتبر هذه الحكومة فى هذا الوضع أنها هى الحكومة الإسلامية المستهدفة حيث أن ذلك له مواصفات خاصة وتحتاج إلى مراحل من الإعداد والتكوين والتهيئة فلا نرفع عليها شعارات وأوصاف أكبر من حقيقتها، أو ننس جدية العمل لتحقيقها.

والحكومة فى هذا الوضع الذى أشرنا إليه تعتبر حكومة وطنية يشارك فيها مع الإخوان القوى الوطنية الأخرى من المسلمين وغير المسلمين حسب الواقع والأحوال وتعتبر خطوة متقدمة فى مسار الإصلاح ودفعة له فى هذا المستوى التنفيذى العالى.

وأخيرا نذكر بقول الإمام البنا : "ندعو إلى الإسلام والحكومة جزء منه والحرية فريضة من فرائضه"

فالحكم وإصلاحه من أركان الدعوة فى الإسلام والعمل لهذا الأمر واجب شرعى، لكن ليس مجرد الوصول إلى كرسى الحكم هو الهدف أو الوصول إليه بأى طريقة وأى أسلوب وإنما وفق منهج الإسلام وضوابطه.

وإن تجاوز وتجاهل المراحل والأسس التى وضعها وحددها الإمام الشهيد وتحقيق هذا الهدف، لا يمكن أن تؤدى للوصول إليه وتحقيق المطلوب والإقامة الصحيحة الكاملة لشرع الله، بل ستكون صورة مشوهة غير سليمة أو ناقصة، لأنها افتقدت الركائز التى تقوم عليها، حتى ولو رفعت عليها الشعارات والرايات.