(الاتجاه المعاكس) وإطلالة "فيصل القاسم"
(الاتجاه المعاكس) وإطلالة "فيصل القاسم"
بعد غيبة كبرى،
وحلقة فاشلة بكل المقاييس عن الثورة السورية والعصابات المسلحة!
محمد العلي
بعد كسوف طويل استمر لأكثر من ستة أشهر ، تزامن مع مرحلة حساسة تمر بها شعوب المنطقة ، شهدت خلالها ثورات شعبية عارمة ضد طغيان الطبقة الحاكمة في عدة بلدان عربية ، وهو ما اصطلح عليه ( الربيع العربي ) ، أطل إعلامي الجزيرة فيصل القاسم ، من على شاشة قناة الجزيرة ، ليبث أولى حلقاته من برنامجه المثير للجدل (الاتجاه المعاكس) ، الذي يقوم على التحريش بين المتناظرين حتى يتناقروا تناقر الديكة أو يتناطحوا تناطح الكباش وهذا أمارة نجاح البرنامج في تحقيق أهدافه ، ويقضي القاسم وطره عندما يستطيع حمل ضيوفه على التراشق بالشتائم والسباب المقذع ، وهي اللغة التي تغلب على الخطاب في البرنامج المذكور ، وعلى الرغم من أن مدير الحوار يحاول أن يظهر الموضوعية والحيادية لكن جمهوره غالباً ما يكتشف نزعاته الخفية وميوله الباطنة ( اللاشعور ) ورواسب الثقافة التي أُشرِبها قلبه .
كان الجمهور السوري الثلاثاء الماضي ينتظر على أحر من الجمر أن يدق القاسم ساعة الصفر ، لتبدأ حفلة شبهها بعض شباب الفايسبوك بحفلات المصارعه الاميركيه (الكوتش) ، وسبب تشوق السوريين للحلقة الأولى من (الاتجاه المعاكس) ، أنها تتناول الشأن السوري وخصوصا قضية العصابات والمنشقين عن الجيش السوري !..وهل الإعلام يضخم الأحداث في سورية !؟.
روايات العصابات السلفية المسلحة ، رواية وهمية ظلت السلطات السورية تمارسها على مدى مئة وعشرين يوماً ، هي عمر الثورة السورية الآن ، دون كلل ولا ملل ولا خجل ، وما تزال أبواق إعلامها وببغاواتها ترددها في التلفزيون السوري بنسخه المكرورة السورية منها واللبنانية وفي لقاءاتهم على شاشات الجزيرة والعربية وسواها ، حتى صاروا " نكتة " تثير السخرية والاشمئزاز والشفقة من عبد الصمد وغادة عويس ومنتهى الرميحي !. ولا ريب أن دحض هذه الفرية من الأهمية بمكان ، ذلك أنها عمدة إعلام النظام وذريعته الوحيدة " اليتيمة " التي يبرر بها القتل ويفسر الأحداث الجارية ، وليس عنده غير هذه الدعوى ، ولذلك تراه يرددها ليل نهار ، وينعق بها أبواقه وببغاواته ، وتجري على ألسنتهم وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنها كذب محض وأنهم كذابون أفاكون . وعليه فإذا سقطت هذه النظرية الساقطة أصلاً ، والتي ربما ما تزال تنطلي على بعض السذج والبله ، حينذاك سينهار النظام حتماً ، وتنحاز الأغلبية الصامتة أو الخائفة إلى جانب الثورة .
وربما كان هناك سبب آخر لترقب السوريين وتشوقهم للحلقة ، كون المذيع سورياً وله تاريخ حافل بتجييش الشعوب ضد جلاديها والتباكي على مظلوميتها ، فهل يظل كما عهدناه في الحالة السورية التي تخصه أم ستختلف اللغة ويستعين بالتورية والكناية ولغة الإشارة واسمعي يا جارة والتلميح دون التصريح واللف والدوران والروغان ، ليظل ممسكاً بالعصا من وسطها ، ويتناغم مع موقف طائفته الدينية التي ظلت بشكل عام حليفة النظام حتى اللحظة !؟.
لكن الحلقة كانت صدمة لكثير من الشباب السوريين ومفاجئة رغم أن الفيصل بدأ النزال متحمساً وأخذ يطلق أسئلته التي انهمرت كالرصاص المصبوب في باب السباع وباباعمر لكنها كانت هذه المرة كما قال كثيرون : ( أسمع جعجعة ولا أرى طحناً ) !.
وأخفق القاسم و(الاتجاه المعاكس) فيما نجحت وبجدارة وامتياز حلقة ( الشريعة و الحياة ) التي أصلت - على لسان الأب الروحي للربيع العربي - للثورة تأصيلاً شرعياً قاطعاً لا لبس فيه ، وطالبت الأغلبية الصامتة أو الخائفة بالانخراط في هذا الحراك ومقاومة الظلم والرق الذي يمارس على الشعب السوري ، وهي الحلقة الأولى أيضاً بعد الغيبة الكبرى لبرامج الجزيرة الشهيرة !.
القاسم حاول أن يظهر الموضوعية والحيادية ، لكنها خانته رغم أنفه في حلقة الثلاثاء الماضي ، ورأى كثر من المشاهدين حسب متابعتي لتعليقاتهم وتعقيباتهم على الحلقة في الفايسبوك أنه كان ميالاً لضيفه اللبناني ميخائيل عوض أحد أبواق الثامن من آذار ونموذج الانحطاط بلغة الخطاب في جوقة " أبواق " النظام والذي استهل كلامه في قذف النساء المهجرات الطاهرات بالدعارة والخنا ، إذ لم يكتف النظام بتهجيرهن تهجيراً قسرياً بل أضاف إلى ذلك الطعن في أعراضهن وتلويث سمعتهن ، وهذه الافتراءات " شِنْشِنَةٌ أعرِفها من أخزم " كما يقول المثل العربي وفلاشة الشعيبي تنضح بمثل هذه المفتريات ، وكل السوريين يذكرون قائمة التهم والافتراءات التي وجهوها إلى الطفلة البريئة ( طل الملوحي ) ، وصورها كـ ( ........ ) ، وأعف قلمي وأستحي أن أذكر تلك الحَصان الرزان الطاهرة بـكلمة . كذلك تهمة النظام للشيخ العرعور بالشذوذ والاغتصاب – حاشا له - وهي التهمة نفسها التي ألصقت بالطفل حمزة الخطيب ورفيقه تامر الشرعي ، فقد اتهمهم كبير أبواق النظام وشبيحة إعلامه بسام أبو عبد الله بالحرف ، بأنهم اقتحموا مساكن بلدة " صيدا " لسبي المحصنات الغافلات من حرائر الضباط والعسكريين العلويين ، ولذلك عوقب حمزة ابن الثلاثة عشر ربيعاً بحسب جرمه ، وقطع عضوه الذكري ، جزاءً وفاقاً !.
ميخائيل عوض ضيف فيصل القاسم في (الاتجاه المعاكس) مثَّل دور محامي النظام ، وقد اتهم كثير من شباب الثورة السورية القاسم بأنه كان يقدم له الفرصة تلو الفرصة ، ليستولي على خصمه ، فلا يكاد يبين ! . ومثالها مقولة السفير الامريكي الشهيرة بأن أسلحة المتظاهرين " المقليعة والنقيفة " ، قدمها له كطرف خيط يمسك به لفضح ما يزعم بأنه دور أمريكي في المؤامرة ونحو ذلك !.
ومما يؤخذ على البرنامج أو على الفيصل بشكل عام وخاصة الحلقة الماضية انعدام التوازن بين الشخصيات إذا كان هو الذي يختارها ، وهو أول معيار للحكم على نجاح البرنامج وحياديته ، مع معايير أخرى كتوزيع الأوقات وطبيعة الأسئلة ....إلخ ، فضيفه ممثل الثورة عارف كيالي جنرال سابق في الجيش ورجل مسن وثقافته عادية وقدراته الكلامية والحوارية متواضعة وجرى كلامه في العموميات والتخوين مع تكرار ممل وظَّفه خصمه بدهاء ومكر في صنع ما يبدو نصراً ، وبدا بالمقابل كيالي عاجزاً عن إثبات بطلان نظرية المؤامرة والعصابات رغم تهافتها وتفاهتها !.
وهذا الاختيار للشخصيات في رأي كثيرين غير موفق بالنسبة لكليهما ، وكم من قائل حتى من مؤيدي النظام : أليس بين السوريين من يدافع عن النظام ؟. وأين إعلامييه المشهورين كالعبود وطالب إبراهيم وبسام أبو عبد الله وشحادة وأمثالهم ؟. وقائل آخر : لو أن الأستاذ فيصل أتى بأي واحد من شباب الثورة الذين لم يُعرَفوا قبلها كأحمد الخطيب أو عمر الإدلبي مثلاً لأفحمه ، وهذا هو الفرق بين شباب الثورة والمعارضة الخشبية بحسب تعبيره ؟. بينما تمنى كثيرون لو حلِّ محمد العبدلله أو عمار القربي أو محي الدين اللاذقاني أو زهير سالم أو بسام جعارة والأسماء كثيرة لا حصر لها ، فهل ضاق الأمر بفيصل القاسم ، ولم يجد إلا كيالي !.