الأكذوبة الثامنة للعهد الأسدي

د. ميشيل سطوف

د. ميشيل سطوف

 أكذوبة " التقسيم " وتصريح بشار أسد الأخير في 18 سبتمبر امام الوفد البرلماني الروسي ..

ربما كان تصريحه هذا بأنّ التدخل الخارجي يهدد المنطقة بالتقسيم ويضاعف من مخاطر التطرف الإرهابي في العالم ،

 الأكذوبة - الخرجة الأخيرة المتبقية له في جعبة " العائلة " . وهو بالتأكيد تصريح معدّ ومقرّ سلفاٌ ليوجه رسائل عدّة إلى الكثيرين ممن يعنيهم الأمر ، من هنا تتأتى أهمية التعليق عليه في محاولة فرز الجدّ من التشبيح "الاستراتيجي " :

 * فهو إلى جانب طابعه الابتزازي بالنسبة للمنطقة وشعوبها ، يحمل ابتزازاً للعالم وفي مقدمته العالم الغربي والكيان الصهيوني على الطريقة القذافية ..

 * وهو إلى جانب التهديد الذي يوجهه للشعب السوري ( بمفهوم الحرب الأهلية التي يعدّ لها ويدفع باتجاهها ) ولشعوب المنطقة العربية والإقليمية ، فإنما يتوجه بشكل خاص إلى كل من حكومات تركيا والسعودية .. وأيضاً إلى حليفته الكبرى إيران..

السؤال الأول قبل تشريح هذا التصريح يتعلق بخلفيته وبما يعكسه في الحقيقة ، خاصة عندما نتذكّر ما أشيع بقوة من دواخل النظام - وبالعمد أيضاً – عن الدعاية التي سبق وأطلقت على لسان عمّه رفعت أسد في مطلع الثمانينات حين اهتزّت أركان الحكم أثناء المواجهة العنيفة مع الكتائب الإسلامية المسلحة ، من دعوة مئات الكوادر المقربة إلى ترتيب وإعداد كيان منفصل باسم " الطائفة العلوية "..

ولا بأس من التذكير بباكورة تصريحات بثينة شعبان – مستشارة بشار أسد - منذ الأيام الأولى لانتفاضة الشباب السوري عن الفتنة الطائفية .. ثم إشاعة الحكايا الموهومة عن القتل على الهوية وتجنيد شبيحة الإعلام حتى من العرب لنشر ذلك ، حيث يصحّ القول " ضربني وبكى سبقني واشتكى .."

 * كما التذكير قبل أيام بتصريحات بشار أسد بأنّه لم يستعمل بعد كلّ أوراقه ..؟

ظنّي أنّ هذه الفزاعة وفي سياق توقيتها مع الشهر السابع للثورة إنما ينمّ عن حقيقة شعور " عائلة العهد " بالضعف وانسداد الخيارات الأمنية والدموية المتبعة ..

 * لكنّ المهم الذي يعنينا يتعلق بجدّية وقابلية الطرح للتحقّق ؟

هنا أيضاً ، لا بدّ من تسجيل أنّ استهداف ما يسمى بالغرب لمنطقتنا ليس بالأمر الجديد أو العابر ، فله خلفياته وحساباته ونوازع مصالح الطبقات الحاكمة علناً أم من الخلف ، وليس من المستبعد تلقائياً قبول هكذا أجندة .. لكن إذا وضعنا رغبات وجهود الصهيونية العالمية لإضعاف واحتواء المنطقة بما في ذلك تاريخياً تقسيم المنطقة إلى دويلات متناحرة مستضعفة تدور في فلكها وفلك أسيادها بما في ذلك تقديم التبرير العملي لوجودها العنصري .. وإذا اعتمدنا ما يكتب ويشاع عن مخططات تمضي في هذا الاتجاه تعود إلى عقود سابقة ، فهل ذاك الغرب مستعد وقابل للتغابي عن تداعيات ومخاطر هكذا مشروع لا يعلم أحد إن كان سينجح أو أين سيؤدي في منطقة ما انفكوا يبحثون عن الاستقرار فيها لما يوفّره " استقرارها بأية صيغة " من حاجة موضوعية لوضوح آفاق مصالحها ..

 ظني وتقديري للواقع الموضوعي وللعقل الحسوب لهؤلاء: أنّ الغرب وحتى الصهيونية ذاتها مضطرة للتفكير ألف مرّة قبل الانخراط الفعلي في هكذا مغامرة .. لماذا ؟

لأنّ الأمثلة التي بين أيدينا وفي أحضاننا تجعل الجميع أمام أمثلة تنحى في الاتجاه الآخر ، وهي أمثلة متعددة ومتنوعة وناطقة بكل اللغات :

فالمثال العراقي ، رغم الغزو والاحتلال الأجنبي ورغم تدخل ملالي طهران بكل ثقلهم والنفخ في الفتن الطائفية وبعد مرور كل هذه السنوات الطويلة ، يقدم أبرز نموذج لفشل مشاريع التقسيم .. بل أنّ الجانب الكردي للموضوع ورغم الاندفاع المعروف لكردستان العراق نحو الدولة والاستقلال لم يقدم على ذلك ، ليس بسبب المصالح الخاصة فقط بل لأنّ المسألة ليست بهذه البساطة كما لا يمكن تجاوز حقيقة الأوضاع والكوابح الإقليمية القائمة والهامة ..

ولدينا النموذج الليبي ، رغم تهديد وجهود القذافي داخلياً ودخول الناتو بكل ثقله السياسي والعسكري في الأزمة بحيث كان الطريق مفتوحاً أمامه لتوجيه الأحداث صوب التقسيم .. بيد أنّ ذلك لم يحدث ، ليس حبّاً بعيون الليبيين ووحدة ترابهم وشعبهم بل لأسباب قابلية تحقيق المشروع وضمان جدواه ..

ولنضيف النموذج الصومالي ذا النكهة الأليمة الخاصة ( وهو في الأطراف ) ، الذي تتحارب أجزاؤه بهدف سيطرة الجزء على الكل وليس ترسيم الانقسام ..

حتى انفصال جنوب السودان بسياقه المعروف ، له خصوصياته ، كما أنّه تمّ بشكل سلمي .. ومازال نموذجاً طريّاً من المجازفة التنبؤ بمصيره ..

 * يبقى الأهم هو ما يتعلق بقابلية تقسيم سورية من الداخل أو من الخارج والذي نكرّر إجابتنا عليه بالنفي منذ مطلع الثمانينات في حواراتنا مع الزعماء الوطنيين التاريخيين أمثال المرحوم أكرم الحوراني وكل الذين كانوا يتخوفون من اندفاع حافظ أسد نحو تمزيق البلاد وفق مخططات الدويلات السورية حسب الوصفة الفرنسية الشهيرة ، مذ:رين بموقف زعماء الوطن والثورة السورية من مختلف الطوائف والمناطق في الثلاثينات حين اجتمعوا في " القرداحة ذاتها " بدعوة من الزعيم صالح العلي للردّ على المشروع الفرنسي والتمسك بالوحدة الوطنية ووضع قيادة الثورة السورية الكبرى في يد سلطان جبل العرب باشا الأطرش ..

كما أنّ شعارات وممارسات جماهير شعبنا وثورتنا العيانية في الميدان وكل يوم وبأعلى الصوت والصورة والعرق والدم ، من تآلف وجهاء ورجال دين مدينة اللاذقية ومدينة حمص لوأد الفتنة وتأكيد التمسك الثابت والمتين بالوحدة الوطنية تأتي لفضح وتكذيب هذا المحظور الموهوم ، هذا على صعيد الشعب ووعيه لوحدته الوطنية : الشعب السوري واحد

أمّا على صعيد " النظام " وبأوسع ما يمكن من قواعد له ، فهل يعتقد عاقل ومحلّل بأنّ المستفيدين من عهد عائلة أسد يغامرون بكل ما جنوه في رحاب الوطن الواسع كشرائح من الطبقة الوسطى – وهي العصب الحاسم للقرارات في اللحظة المناسبة بسبب من تأثيرها على الفوق وعلى العامة المعنية - وربما بحياتهم ووجودهم من أجل الدفاع عن استمرار عائلة أسد والمقربين المعدودين في استبداد أو سلطة فوق نيران حروب مفتوحة وفي رقعة محاصرة إلا من البحر .. لقد اعتقدنا ، خلال تحليلنا مطلع هذا العام لحتمية قدوم الثورة ووصول تسونامي الحرية والثورة إلى سورية ، بأنّ الورقة الطائفية التي استخدمها العهد الأسدي واتكأ عليها بطريقته وتضليله مستفيداً من أخطاء ومغامرات البعض سوف تعبر للى وجهها الآخر لتصبح ورقة ضعفه وتنقلب عليه لا محالة وإن طال انتظار البعض لها تحت ضغط القتل والقهر المسعورين ..

بقي أن نذكّر أيضاً ببعض الأوراق الأخرى ، خاصة فيما يتعلق بأحاديث التقسيم ، وحتمية انقلابها عليه : كالورقة التركية التي لن تتفرّج على مشروع تقسيم دول المنطقة وكذا السعودية المعنية أو حتى مصر والجزائر والمغرب وصولاً إلى إيران وانتهاء بروسيا ذاتها ، طالما أنّ كلاًّ من هذه الدول معني برفض ومجابهة هذه الفيروس ..

حتى أنّ مشاريع الصهيونية التي لا تنام ، فهي مضطرة للأخذ بعين الاعتبار حقائق الواقع التي تنطق بلغة الثورة وحرية الشعوب وبناء الدول الحديثة على أساس المواطنة والتآخي وليس التفريق والاستبداد والكبت ..

 * أما التهديد بتصاعد الإرهاب ، فمن المعروف أنّ التطرف في انحسار ، كما أنّ الحرية والعدالة والكرامة هي اللقاح الحقيقي ضد هكذا أمراض ، فلا خوف و لا مكان لهذا التهديد الذي لن يفيد بشار أسد اليوم كما لم يفد القذافي بالأمس .