مصر المحروسة: والسيناريو المظلم

حسام مقلد

حسام مقلد *

[email protected]

سألني صديق سؤال الأعلم بالإجابة من المسئول: هل تفهم ما يجري في مصر الآن من وراء الكواليس؟! قلت: وما الذي يجري خلف الكواليس؟! قال في قلق وتوجس: هناك لعبة كبيرة لسرقة الثورة المصرية والسطو عليها، وأخشى أن تؤجل الانتخابات، وتمتد الفترة الانتقالية، وتحلو السلطة في أعين العسكر، فيتم إخراج مسرحية محبوكة، ونعيد إنتاج نظام شبيه بالنظام الذي حكم مصر عقب ثورة يوليو ولكن في ثوب جديد، وتظل مصر رهينة ذلك النظام عدة عقود أخرى وتبقى مكبلة مهدورة الطاقات، لاهثة خلف مشاكلها التي لا تنتهي، عاجزة عن أي فعل قوي في الخارج أو في الداخل!

قلت في امتعاض: أعوذ بالله من هذا التشاؤم والنظرة السوداوية للأمور، لِمَ يا أخي تفكر بهذا المنطق وفي إمكانك التعاطي مع الأمور بكثير من التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل؟!

قال الرجل في صرامة: هذا شأن الحالمين الواهمين أمثالك، أما أنا فأنظر للأمور بمنتهى الواقعية ولا ألهث وراء السراب، ولا أضيع وقتي مستغرقا في أحلام اليقظة التي تدمر صاحبها في النهاية!!

قلت مندهشا: وأي أحلام فيما يقال؟! ألم يكرر المجلس العسكري مرارا أنه لا يرغب في الاستيلاء على السلطة، وأنه يريد بل يسعى بكل جدية لتسليمها لحكومة مدنية منتخبة في أقرب وقت ممكن؟! ألم يضع المجلس العسكري خارطة طريق لنقل السلطة فعلا؟! أليست الخطوات الدستورية التي حددها استفتاء 19مارس معروفة جيدا حتى بات من الممل تكرارها؟! فَلِمَ كل هذا التشكيك في نوايا المجلس العسكري؟! وما الذي يجبره على ذلك اللف والدوران وكان بإمكانه أن يعلن الأحكام العرفية منذ البداية، ولا يلزم نفسه بهذا الشكل الحاسم القاطع بأن المرحلة الانتقالية ستنتهي بنهاية هذا العام، وسيتم تسليم الحكم في البلاد لمؤسسات مدنية دستورية منتخبة؟!

قال الصديق ساخرا: وهل تصدق كل هذه التمثيلية؟! ألا يمكن للمجلس العسكري أن يتذرع بأي شيء للعدول عن رأيه وتغيير كلامه وموقفه؟! بل ألا يمكن اختلاق بعض المشاكل، وافتعال المزيد من الاضطرابات لقطع الطريق على تنفيذ سيناريو الانتخابات المعلن، وإخضاع البلاد للحكم العسكري الشامل في شكل صريح ومباشر؟!

قلت مستاءً: سبحان الله!! والله ما زدت في كلامك على أن أعدت كلام عشاق نظرية المؤامرة الذين يشكون في كل شيء ولا يثقون بأي أحد مهما كان، أما أنا وملايين المصريين غيري ممن وصفتهم بالحالمين فنثق في مجلسنا العسكري، ليس فقط لأنه أهل لهذه الثقة، بل لأنه لا يجوز لنا غير الثقة فيه من أجل مصر، وإلا فلو شككنا في كلامه وتصريحاته، ولو تخيلنا لِلَحظة واحدة أنه يتلاعب بنا، وأن ما يقدمه لنا من معلومات وبيانات ليس صادقا، فهذه والله لكارثة محققة فسوف تذهب بنا الظنون كل مذهب، ولا يخفى على أحد خطورة هذه الأجواء من الضبابية والشكوك وفقدان الثقة في أهم مؤسسات الدولة وأكثرها خطورة وحساسية!!

قال الرجل:لو كان كلامك صحيحا فبِمَ تفسر حالة الميوعة والرخاوة التي يدير بها المجلس العسكري أوضاع البلاد منذ سقوط نظام مبارك وحتى الآن؟!  ومن الذي أعطى فلول مبارك الفرصة تلو الأخرى كي يعيثوا في مصر فسادا؟! وما سر هذه الرحمة والطيبة في محاكمة مبارك ورموز نظامه البائد في نفس الوقت الذي يحال فيه المدنيون للمحاكم العسكرية؟! ولماذا لا تقوم وزارة الداخلية بدورها في حفظ الأمن؟! وإن كان هناك تواطؤ من بعض عناصرها فلِمَ لا يتم تسريح هذه العناصر أو الأخذ على أيديها بقوة؟! وما الذي يعيق المجلس العسكري عن إتمام قوانين استقلال القضاء، وتطهير الجامعات وكافة الوزارات من فلول النظام السابق؟! وأهم من ذلك كله: كيف ستجرى الانتخابات ولم يتم تحديد آلية واضحة لإجرائها؟! بل كيف ستجرى هذه الانتخابات ولم يعلن عن موعد محدد لها؟! وماذا عن جماعات الضغط في الداخل والخارج والتي لا تريد الخير لا لمصر ولا لأهلها؟!!

 أسرعت قائلا: معك حق في معظم هذه التساؤلات، لكن علينا أن نستصحب طوال الوقت أننا أمام فترة انتقالية، وأن ما حدث في مصر ليس بالشيء الهين، وأن حجم ما تحقق من إنجازات حتى الآن ليس بالأمر البسيط، ومن المهم جدا أن يدرك شباب الثورة أننا لا نعيش وحدنا في هذا العالم وأن لكلٍّ أهدافه ومصالحه سواء في الداخل أو في الخارج (...) ولا تتفق أهداف الجميع بالضرورة في كل الأحوال، وفن السياسة هو فن صناعة التوازن بين كل هذا المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية؛ لتعظيم ما تحققه من أهداف وطنك ومصالحه بأقل قدر من الخسائر، وهذا يستدعي تعلم فن ما يقال وما لا يقال وفق اختلاف الظروف والملابسات والأحداث، مع التمسك بالمبادئ، وعدم التفريط في أي شيء من الثوابت والمصالح القومية العليا، وأعتقد أن ذلك هو ما يحرص عليه المجلس العسكري الحاكم في مصر الآن، ومعه أغلب القوى السياسية المصرية.

وهنا انفجر الصديق ضاحكا وقال ساخرا: والله أنت وأمثالك أناس طيبون حقا!! أتريد أن تفهمني أن انقسام شباب الثورة إلى نحو مئتي ائتلاف أمر صحي يعبر عن اختلاف عادي في الرأي، وأنه حراك سياسي ومجتمعي تلقائي، وطبيعي جدا أن يحدث مثله في مثل هذه الظروف؟! وهل من الطبيعي كذلك حدوث هذا الاستقطاب الحاد بين الإسلاميين وأنصارهم من جهة والعلمانيين الليبراليين ومؤيديهم من جهة أخرى؟! هل تمزيق الوطن بين الفريقين على نحو ما نرى هو من مستلزمات الديمقراطية وضروراتها وواحدة من أماراتها المهمة؟! وهل من الحكمة أن يثير بعض الإسلاميين في هذا الوقت بالذات مخاوف المجتمع بما يطرحه من أفكار مخيفة بالفعل؟! ومن ناحية أخرى هل تلقِّي الجمعيات والائتلافات مساعدات مالية أجنبية هو من مظاهر الديمقراطية المصرية الوليدة أم هو إيذانٌ بميلاد عصر جديد من النفوذ الغربي الواسع في تفكير نخبنا السياسية الصاعدة؟! وهل من الطبيعي إطلاق أيدي فضائيات رجال الأعمال لتمزيق مصر كما تشاء دون رقيب أو حسيب؟! ثم أين المجلس العسكري الحاكم من كل ما يجري؟! لِمَ يكتفي بموقف المتفرج من بعيد وكأن الأمر لا يعنيه؟! هل تعجبه وتروقه حالة الفوضى والبلبلة الحاصلة الآن؟! لماذا لا يحسم الأمور بجدول زمني محدد، وبقرارات واضحة لا لبس فيها ؟! أم هذه هي الخطة: بلبلة، وفوضى، واضطرابات... حتى إذا ما ضج الناس بالشكوى أُعْلِنت الأحكام العرفية في البلاد واستولى العسكر على السلطة؟!!

في الحقيقة لم أستطع مدافعة هواجس الرجل ومخاوفه أكثر من ذلك، فتساؤلاته وجيهة ومخاوفه مشروعة، وأحسب أنها مخاوف جميع المصريين الآن، فهي في البداية والنهاية مخاوف على مصر ومستقبلها ومصالح شعبها، ونحن المصريين وإن كنا نثق في المجلس العسكري وفي صدق نواياه، لكن المطامع والطموحات جزء من الطبيعة البشرية، والفروق الفردية بين البشر حقيقة مؤكدة من حقائق الحياة، وما فعله المشير عبد الرحمن سوار الذهب من تركه للسلطة طواعية في السودان حدثٌ فريد في العالم العربي لم نشهد له مثيلا حتى الآن، ولا أدري هل يضرب مجلسنا العسكري مجددا المثل الأعلى في التضحية والإيثار من أجل مصر المحروسة ومصالحها العليا؟ وهل يسمو جميع المصريين على أنفسهم ويرتفعون إلى مستوى المسئولية، ويقطعون الطريق على فلول نظام مبارك في الداخل، وأعداء مصر المتربصين في الخارج أم تستمر الكوميديا السوداء إلى نهاية هذا السيناريو المظلم؟!!

                

 * كاتب إسلامي مصري