النظام السوري... وعقدته من الكفاءات والأحرار

م. محمد حسن فقيه

النظام السوري...

وعقدته من الكفاءات والأحرار

م. محمد حسن فقيه

[email protected]

عندما يفكر أي نظام في بناء دولة  متحضرة ، تحترم مواطنيها وتسعى لتحقيق مطالبهم في الحرية والعدالة والعيش الكريم ، فإنه يسعى لاستثمار الكفاءات والعقول من أبناء وطنه وتوظيفها في المكان المناسب ، ليستفيد من إمكانياتها وخبراتها ، من أجل النهوض بالبلد وتطويره .

 لكن النظام الذي لايفكر سوى يمصالح شخصية ضيقة لشلته على حساب المصلحة العامة وحقوق المواطن ، فإنه يسعى حينها إلى طرد الكفاءات وإقصاء الخبرات وتهميش النشطاء  ومحاربة الشرفاء ، في سبيل توطيد الدعائم المتهاوية لدولة الشلل والعصابات ، لا بل يعتبر هذه الخبرات والكوادر والكفاءات عائقا أمامه وعدوا له ، وتشكل خطرا على وجوده ، ويتوجب عليه التخلص منها ليضمن استمرار حكمه واستبداده ، ليتسنى له  تنفيذ أجنداته الخاصة ، من خنق الحرية وسحق الكرامة ونهب الأموال وإشاعة الفساد وتضييع الوطن .

وعندها يصبح من أعدى أعداء النظام ، ليس  المحتل أو الأجنبي الذي يفكر بالأطماع داخل البلد ، بل ذلك  المواطن الحر الشريف الذي يأبى سياسة الفساد ونهج الاستبداد ، ويجند نفسه لتصويب الخطأ وإصلاح الفساد ، والتمرد على الذل والاستعباد .

لقد أدمن النظام السوري على الإنتقام من الشرفاء والأحرار، الذين رفضوا السير في ركبه ، وعقدوا العزم على نصرة الحق والانحياز إلى المستضعفين والمظلومين من أبناء الوطن .

إن سلسلة استهداف أحرار الوطن وكفاءاته من قبل هذا النظام قديمة بقدمه ، من يوم أن تسلق سدة الحكم بانقلاب عسكري، أطاح حافظ أسد بزملائه ، ورمى بهم في السجون حتى قضوا حتفهم داخله ، أو وصلوا إلى شفير الهاوية فأخرجهم ليقضوا حتفهم بعد أشهر خارج الزنازين والسجون .

 بعد أن أقصى وسرح وغيب أو همش أو حطم  بالإعتقال أو غيره المئات ، وهجر الآلاف المؤلفة من الكفاءات والكوادر النشطة والفعالة  خارج البلد .

استفاد الابن من أبيه وأعجبه نهج الإقصاء والتغييب ليطمئن على سلامة كرسيه ،  فأكمل مسيرته واستلم اللواء من بعده ليستمر قدما في هذا الطريق ، ولم يكتف بتطبيق هذا النهج الإرهابي داخل الوطن ، بل صدره إلى دول الجوار فاعتدى على حقوق الناس وسيادة البلدان ، وحرمة الناس والأوطان .

آخر هذه المخازي الإرهابية ما قامت به عصابات الأمن الأسدية من اختطاف رسام الكاريكاتور العالمي علي فرزات ، والإعتداء عليه بطريقة وحشية همجية تنم عن المستوي الفكري المتخلف لتلك الأجهزة القمعية ومن يقف وراءها ، كما يدل طبيعة هذا العدوان البربري واستهداف رأس الفنان ويديه بشكل جلي ، على عقدة هذا النظام من المثقفين والفنانين الأحرار ، لما يرون فيهم من تهديد لكيانهم وخطرا على وجودهم ، ولذا قام أزلامه  باستهداف رأسه الذي يخط الأفكار، وأنامله التي تصوغ من هذه الأفكار رسوما معبرة ، تصور طبيعة هذا النظام الفاشي وأجهزته البوليسية المتخلفة ، التي حفرت هوات عميقة ، وشيدت حواجز شاهقة بينها وبين شعبها ، وتولت قمعه وقهره وقتله ، بدلا من من حمايته والحفاظ على أمنه وحراسة مكتسباته والاستفادة من خبراته ومهاراته .

ليست حادثة الفنان العالمي علي فرزات بدعا جديدا من إبداعات القمع ضد أحرار الوطن ومثقفيه من قبل هذا النظام الإقصائي ، وإنما هي حلقة جديدة من سلسلة طويلة بدأها نظام الحزب الشمولي من عهد الأب ، ثم استلم من بعده الابن هذا اللواء وسارعلى نهج أبيه ، فمن شابه أباه فما ظلم !

إن الفنان علي فرزات قد يكون الأوفر حظا بين الكفاءات والأحرار الذين استهدفهم هذا النظام الإقصائي ، بالمقارنة مع ما تعرض له غيره من  الشرفاء على أيدي هذا النظام السفاح ، فبالأمس القريب انتقم بطريقة وحشية قبيحة من الشاعر ابراهيم قاشوش ، فاغتاله وانتزع حنجرته قبل أن يرميه في نهر العاصي ، ظنا منه أنه بهذه الجريمة الشنعاء يخنق صوته ، الذي صدح بأجمل العبارات والألحان للثورة في حماه ضد الطغمة المستبدة ، إلا أنهم وبعملهم  الإجرامي القذر هذا ، قد أحيوا كلماته الجميلة وألحانه العذبة لتعم وتتردد في جميع التظاهرات في مدن وأرياف سورية ، فحفظها ورددها الشباب الثائر،  وصدحت  بها المحطات الفضائية .

كان ابر اهيم القاشوش ينشد لثوار حماة قبل أن تغتاله عصابات الأمن والشبيحة القذرة ، فأصبح بعد اغتياله منشد الثورة السورية في جميع محافظاتها .

 كان ابراهيم القاشوش قبل اغتياله محبوبا ومعروفا عند أهل حماة وثوارها الأبطال ، فأصبح نجما مشهورا عند جميع الشرفاء والأحرار، ليس في سورية فحسب بل في جميع البلدان العربية والتي عاشت ربيعا عربيا أو تعيشه أو تخطط له لتعيشه قريبا .       

لقد سبق للأب والذي خط هذا الطريق الإجرامي في حربه ضد الكلمة الحرة وفرسانها الشرفاء،  على الانتقام من رجالاتها الأباة .

 فقد أقدم على إعطاء التعليمات والأوامر لقتل سليم اللوزي رئيس تحرير صحيفة الأحداث ، على أيدي أجهزته البوليسية وأذنابهم من عصابات القتل في لبنان ، بعد أن حرقت وحللت يداه بالأسيد انتقاما ، لأنها  كانت تخط عبارات الحرية وتصدح بالحقيقة ، وتفضح مخازي نظام القمع والاستبداد .

 ومن قبله قتل حافظ الأسد الزعيم الدرزي كمال جنبلاط عام 1977، والد وليد جنبلاط ، والذي صرح أكثر من مرة بأنه يعرف قاتل أبيه !

ومن بعده قام بشار مع أجهزته الأمنية في لبنان ، على اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري مع مجموعة من مرافقيه عام 2005، بالتنسيق مع عملائه وأذرعته في جنوب لبنان .

 وهم الآن مطلوبون للعدالة والمحكمة الدولية ، والسبب في اغتياله – مع أن هذا النظام المجرم القمعي لا يحتاج إلى سبب - لأنه رفض الإنصياع لمخططات بشار وأجهزته القمعية وإملاءاتهم ، وتمرد على الإحتلال والوصاية السورية على لبنان .

إن المشكلة في هذا النظام لا تنحصر في أشخاص أو عائلة أو طائفة أو شلة فاسدة ، وإن كانوا جميعا يقفون وراء هذه العقلية المتخلفة العفنة والعمليات الإجرامية ، وإنما المشكلة في طريقة تفكير انتقامية عقيمة ، وعقلية إجرامية منحطة ، ومدرسة إرهابية متخلفة ، تتبنى سياسة إقصائية سقيمة ، وتستهدف جميع العقول والكفاءات من الشرفاء والأحرار ، الذين رفضوا أن يكونوا أفرادا أو أرقاما في القطيع ، وتمردواعلى  سياسة الإملاء والاستبداد ، وأصروا على المطالبة بحريتهم المصادرة وكرامتهم المسحوقة وانسانيتهم المغيبة ، من يوم تربع هذا الحزب الشمولي على سدة الحكم بانقلاب عسكري ، وألغى جميع من حوله .

 ومنح نفسه لقب القائد للأمة والمجتمع ، وعادى الأمة ... وعادى المجتمع ... وعادى رب الأمة والمجتمع ! .