كوتة للمسلمين في القيادات الجامعية

أ.د. حلمي محمد القاعود

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

كتب الأستاذ علاء عريبي ( بوابة الوفد 7 /9/2011 م ) ، مقالا بعنوان كوتة للمسيحيين في القيادات الجامعية ، يبدي فيه مخاوفه من عدم وصول الأساتذة النصارى إلى مناصب جامعية في ظل نظام الانتخابات الذي يطالب به جموع الأساتذة ، لأن المسلمين الذين يقولون بعدم ولاية الكافر لن ينتخبوه !

المقال في عمومه هجاء معتاد من نفر من الكتاب والمثقفين الذين يرون في الإسلام جريمة خطيرة يجب القضاء على مقترفيها حتى تهدأ الأحوال في مصر ، وتحقق التقدم والمساواة .

يظن الكاتب أن نظام انتخابات القيادات الجامعية هو أول مسمار في نعش مفهوم الدولة المدنية، وبداية نهاية المصريين المسيحيين داخل الجامعات، وأنه أول خطوة لأسلمة المؤسسات الحكومية، كما أنه يعد كذلك المرحلة الأولى لتدشين مفهوم الإخوة فى الدين قبل الإخوة فى الوطن، وأعتقد أن الأيام القادمة سوف نشاهد خلالها كيفية قيام هذا النظام بتحول الجامعات إلى مؤسسات عنصرية، يسيطر الأساتذة المسلمون على جميع المناصب، ابتداء من رئاسة القسم وحتى رئاسة الجامعة، مرورا بالوكالة والنيابة، ويقول الكاتب : إن أخشى ما أخشاه في ظل هذه الجامعات المتأسلمة أن يكون هذا النظام الانتخابي هو الباب الخلفي لعدم تعيين الأوائل المسيحيين كمعيدين في الجامعات، فما الذي سيمنع أساتذة يؤمنون بعدم ولاية الكافر إلى تعيين أحد الكفار حتى لو كان متفوقا ؟ ".

وواضح أن رؤية الكاتب تركز أساسا على إقصاء الإسلام من الحياة والواقع ، بوصفه مشكلة ، بل جريمة كما قلت من قبل ، تقترفها طائفة متعصبة في المجتمع أي المسلمين ، أو المتأسلمين كما يصفهم الكاتب ، أي أدعياء الإسلام ، أي الكفار ، وهو وصف منقول عن شيوعي حكومي من أنصار النظام البوليسي الفاشي البائد، ويرأس حزبا قيادته شيوعية حكومية ، ويعد فرعا من فروع الحزب الوطني المنحل .

الكاتب يتجاهل أن المسلمين في مصر ليسوا طائفة ، وليسوا أقلية بل هم كل الشعب المصري باستثناء الشيوعيين واللادينيين والمتمردين الطائفيين ، فالإسلام دين الأغلبية بوصفه عقيدة وشريعة ، ودين الأقلية بوصفه حضارة وثقافة ، فالمجتمع المصري كله مجتمع مسلم بالإيمان والفكر باستثناء فلول الاستعمار والصهيونية الذين سماهم الشهيد سيد قطب الإنجليز السمر ! 

إن مفهوم الدولة المدنية كما يقدمه الإسلام يقوم على الحرية والعدل والمساواة " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي .." ( النحل :90) . وليس في دولة الإسلام كهنوت ، ولا حرمان ولا غفران  ، وهذا المفهوم يختلف عن النظام البوليسي الفاشي أو المخابراتي الذي يقيد الحريات ، وينصر الأتباع على العامة ، ويسرق الشعب وينهب المال العام ويقيم من السجون والمعتقلات أكثر مما يقيم من المصانع والمدارس . كما يختلف عن الدولة الدينية التي أ5قامتها الكنيسة في أوربة في العصور الوسطى ، وبصفة عامة فإن مفهوم الدولة المدنية في الإسلام يختلف عن المفهوم الذي يروج له كتاب السلطة البائدة ومثقفو الحظيرة ، وهو مفهوم العلمانية وإقصاء الإسلام ، وتحويل مصر إلى دولة بلا دين ولا أخلاق !

إن الدولة المدنية ( العلمانية ) التي يشير إليها كتاب السلطة البائدة ومثقفو الحظيرة قد ماتت منذ زمان ، وشيعها الشعب المصري المسلم إلى مثواها الأخير منذ عام  1967م عام الهزيمة الأشهر والأكبر في تاريخ مصر ، ولذا فهي ليست محتاجة إلى مسمار في نعشها كما يشير الأستاذ عريبي !

ثم يتنبأ الكاتب بأن الانتخابات بداية النهاية للمسيحيين في الجامعات ، وهذا كلام خطير يشحن النفوس ضد المسلمين ، وضد أفضل آلية لاختيار القيادات الجامعية في الظروف الراهنة وهي الانتخاب ، ويبدو أن الكاتب متأثر ببعض الدعايات الفجة التي يروجها المتمردون الطائفيون حيث يرددون كثيرا من الأكاذيب والأضاليل لابتزاز النظام ( سابقا ولا حقا ) وتحقيق امتيازات لا يستحقونها ، وتسبب غبنا للمسلمين وظلما ، ولعلى أذكره بأن الجامعة المصرية في الثلاثينيات والأربعينيات، حتى الستينيات كانت تحت هيمنة مسيحية على العديد من الكليات ، مثل الطب والصيدلة والعلوم والهندسة والتجارة ومعاهد الصيارفة ، في هيئات التدريس بل في الطلاب الذين كانوا يشكلون أغلبية بحكم قدرات أسرهم المالية التي كانت تفوق قدرات معظم أسر الشعب المصري آنئذ ، ومع ذلك لم يغضب المسلمون ، ولم يصرخوا ، ولم يقولوا إن ذلك بداية النهاية للمسلمين في الجامعات ، ولكن مجانية التعليم أتاحت لكثير من أبناء الشعب المصري بما فيهم النصارى أن يصلوا إلى التعليم العالي ، وأن يكون من الطبيعي أن تكون أغلبية هيئات  التدريس من الأغلبية دون غضاضة أو شذوذ !

أستغرب جدا من الكاتب أن يتحدث عن أسلمة الجامعات ، وكأن الجامعات كافرة يجب إدخالها إلى الإسلام ، من الطبيعي أن تكون الجامعات مجالا للأغلبية الساحقة والأقلية العددية ، وجميعهم كما قلت سلفا مسلمون بالعقيدة أو الحضارة .. لماذا هذا الرعب وذلك الفزع من الإسلام ؟ ولماذا وضع العربة أمام الحصان ، وافتعال معارك لا وجود لأسبابها ؟

قبل سنوات التحقت طالبة نصرانية بكلية التربية جامعة قناة السويس ، ودخلت قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية ، ونجحت وتفوقت ، وكانت الأولى ، وعينت معيدة ، واختارت في دراساتها العليا العلوم الإسلامية لتكون مجال دراستها ، وصارت أول نصرانية تدرّس الإسلام لطلاب مسلمين ، فهل بعد ذلك من تسامح ؟

إن الخوف من عدم تعيين معيدين من النصارى لا مسوغ له ، لأن الخوف الذي عرفناه ، والمعاناة التي شاهدناها طوال ثلاثين عاما من الاستبداد البوليسي الفاشي ، كانت في رفض الطلاب المسلمين وعدم موافقة الأمن جهارا نهارا على عدم تعيينهم ، بل إن الأمر كان يصل إلى البعثات والمؤتمرات ورفض أي مرشح مسلم ترى جهات الأمن الفاجرة أنه لا يروق لها ،  وكاتب هذه السطور تعرض للمنع في بعض المناسبات مع أنه لا ينتمي إلى تنظيم أو جماعة أو حزب له صفة إسلامية ، ولكن تهمته أنه يكتب عن الإسلام !

إن وصف الجامعات بالمتأسلمة والعنصرية  ، وصف غريب ، وكنت أتمنى أن يترفع الأستاذ عريبي عنه ، فهو يفترض أنها غير مسلمة وتدعي الإسلام ، ويفترض أنها ستكون عنصرية أو طائفية بمعنى أدق ، وهذا اتهام لا يجوز ، ولا يليق ، لسبب بسيط ، وهو أن مصر مسلمة منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ولن تكون غير ذلك إن شاء الله ، ولعل هذا هو ما أكسب الأقلية النصرانية فيها تميزا بالرقي عن بقية الطوائف النصرانية في العالم .

ثم إن حكاية ولاية الكافر على المسلم بهذه الصورة الغريبة يمثل حالة غير مقبولة من التشهير بأفضل العقول في مصر ، وهي عقول أساتذة الجامعات ، فهؤلاء الأساتذة أصحاب منهج في الفهم والتعبير ، ولا يجوز أن نضعهم مع السوقة في فهم قضية الولاية ، التي لا مجال لها هنا . إن الجامعة علم وبحث ، وأستاذ ، وليست منصبا أو قيادة أو ولاية . إنها محراب عبادة أكبر من كل مظاهر الصراع الاجتماعي ، واختيار القيادة وفق الانتخاب يقوم على قدرة المرشح على القيام بدوره ، وكفاءته في تنفيذ المهام المنوطة به . مثله في ذلك مثل المرشحين للمجالس المحلية والنيابية ، والناس تنتخب الأكفأ مسلما كان أو غير مسلم ، وتاريخ مصر الحديثة يؤكد أن المسلمين انتخبوا نصارى وأيدوهم قبل 1952 وبعدها ، ولعل مكرم عبيد من أبرز النماذج .

إن غير المسلم حين يندمج في المجتمع ومشكلاته سواء كان مجتمعا كبيرا أو صغيرا ، ويكون واحدا من أفراده ، فإن من السهل جدا أن يحقق القيادة والنيابة ، ولكن حين يشعر أن ولاءه للكنيسة وحدها ، وأن الأغلبية تمثل كيانا غريبا عنه ، فعليه أن يتوقع كل شيء ، وخاصة في مجال الانتخابات ..

لزيادة التوضيح أقول : إن التمرد الطائفي الذي تبلور مع قيادة الأنبا شنودة للكنيسة وتمثل في جماعة الأمة القبطية الإرهابية ومدارس الأحد ، وكانت فلسفته تقوم على تقسيم الوطن ، ومحاربة المسلمين البدو الغزاة ، وغير ذلك من أفكار طائفية عنصرية بغيضة ، مع الاستقواء بالولايات المتحدة والغرب ، وتحريك خونة المهجر في عواصم العالم للضغط على الحكومة المصرية والتشهير بها . أقول : استطاع التمرد الطائفي تحويل الكنيسة إلى دولة ذات سيادة تتعامل مع الحكومة المصرية تعامل الند للند ، وتفرض عليها شروطها في تغيير هوية الدولة وزرعها بالكنائس ، وتحريم تدريس الإسلام في المدارس ، وفصل الأقلية النصرانية عن محيطها الاجتماعي لتكون كيانا قائما بذاته قيادته الكنيسة .

وقد خلق هذا وضعا شاذا وغريبا كان لا بد من ظهور من يرفضه على الطرف الآخر ، وأعتقد أن إنهاء التمرد الطائفي بالقانون ، وإعادة الطائفة إلى اللحمة الاجتماعية ، هو السبيل لمعالجة السلبيات التي صنعها المتمردون الطائفيون .

أما الجامعة فستبقى – مع كل التحولات – رمزا للعقل المصري في تسامحه وتوهجه ، ورفقا بالإسلام يا أبناء الإسلام !