إلى السيد حسن نصر الله

د. نور الدين صلاح

د. نور الدين صلاح

أخاطب السيد نصر الله بصفتي مواطن سوري وبصفته رئيس حزب مقاومة في لبنان، وسأضعه أمام الحقائق التي من المفترض أن يكون قد علمها ولا تخفى على أمثاله وخصوصاً من كان في موقعه

أولاً : ما يجري في سوريا ثورة شعبية بكل المعايير، فالمظاهرات التي عمت معظم المناطق في سوريا والشعارات المرفوعة تؤكد ذلك فلا حزبية ولا طائفية ولا عنف ولا للتدخل الخارجي، ولا يمكن أن نكذب أنفسنا ونحن شهود على الواقع ونرى ما يحدث على الأرض، ويكفي أن نعلم أن الثورة منطقية لأن أسبابها موجودة، فالمشاكل الاقتصادية والطبقية والمعيشية اليومية التي هي من النتائج المباشرة للفساد المالي والإداري، وغياب الحرية والممارسة السياسية وانسداد كل الأفق والاستئثار بكل شيء، وغياب كل أشكال التعبير عن الرأي وإهدار كرامة الشعب كل ذلك من أسباب الثورة، هذه هي الحقيقة التي لا تخفى على أحد يعيش في سوريا، والكل يعلم حقيقة المؤسسات الموجودة على أنها ديكورات تلميعية وتجمعات شكلية، ولا يعني وجود الثورة بالضرورة عدم وجود مؤامرة، لكن الثوار ليسوا متآمرين ولا يتحركون لأهداف المتآمرين ولا يخضعون لبرامجهم (أجندتهم الخاصة) ولا أدل على ذلك من رفض الجميع التدخل الخارجي مع وجود القمع الشديد والظلم الصارخ في التعامل ووجود من يروج في الخارج لهذا التدخل، وكذلك فمطالب الثوار مشروعة، ولا يمكن أن تخلط الملفات فيقال للثوار كفوا عن ثورتكم لوجود مؤامرة، إذا كان ثمّ مؤامرة على الشعب السوري فإن من سوف ينجحها ويسهل مهمتها تعامل النظام معها وليس ثورة الشعب، ولا أدل على ذلك من الثورة الليبية مثلاً، هناك ثورة شعبية وهناك أسبابها المنطقية (الظلم مثلا) وهناك متآمرون في كل مراحلها وأهم هذه المراحل قطاف ثمارها، فهل ستقولون لثوار ليبيا ارضوا بالقذافي واقتنعوا بإصلاحاته الصورية الشكلية وصدقوا ما يقوله إعلامه عن الثورة والثوار بأنهم عملاء جرذان 0000 إلخ لوجود مؤامرة، وإذا حصل ههنا التدخل الدولي فما رأي سعادتكم في أسبابه هل هو القذافي ونظامه الظالم الاستئصالي أم الثوار الذين يدافعون عن أنفسهم أمام آلة الفتك الوحشية المنفلتة من عقالها والتي لا خطوط حمراء لها

ثانياً : لا علاقة من قريب ولا بعيد لبدهية (المقاومة) في حس الشعب السوري لما يجري فالشعب مقاوم ويدعم المقاومة وهو الذي دفع ثمنها وتحمل تبعاتها عبر تاريخيه الطويل، ولنفترض أن النظام مقاوم ويدعم المقاومة وأنا أقول بصدق هذا ليس مسلماً به عند شريحة وطنية واسعة من الشعب السوري، وموضع جدل بينهم ولكل أدلته ومبرراته، على كل ليس هذا موضع النقاش، و لو افترضنا أحسن الاحتمالات أن النظام مقاوم والشعب مقاوم فلا يوجد عندنا مشكلة، وليست المقاومة من مفردات البحث ومحاور النقاش والخلاف

ثالثاً : وليس من المطروح الآن البحث في النيات والدوافع والأهداف الحقيقية لأننا لو دخلنا في هذه المسار لوجدنا من شكك في أهداف حزب الله من مقاومته وهناك تحليلات كثيرة وهي معروفة تبدأ بنظرية (المؤامرة) التي تتحدث عن أهداف أخرى غير معلنة وهي كثيرة ومتنوعة فبعضهم يرى أنه أداة بيد إيران ورأس حربة لمشروعها التوسعي، والبعض الآخر يرى أنه حزب أهدافه طائفية، وتنتهي بأنه حزب مقاوم حقق انتصارات حقيقية على العدو الصهيوني وحقق الأهداف المعلنة التي نسمعها على لسان الأمين العام أو على لسان منابره الإعلامية العديدة كقناة المنار

رابعاً : المستغرب في هذا المقام موقف حزب الله المعلن من الثورة السورية ووصفه جملةً للثورة بأنها مؤامرة وخلط ملفاتها والدفاع عن الممارسات القمعية للنظام وتبرير ذلك، والتبني الكامل للرواية الرسمية للنظام دون تمحيص ودون ترك أي مجال لهامش من تمحيص أو أي رأي مخالف، وهذا موقف غير أخلاقي وليس شرعياً ولا إنسانياً ، إن حزب الله كما هو معلن قام في وجه الظلم والطغيان في الداخل والخارج وقام لنصرة المظلومين وعلى رأسهم الفلسطينيون، ووقف في وجه إسرائيل من هذا المنطلق، والشعب السوري مظلوم بكافة المقاييس، ولن أتحدث عن دعمكم المادي لهذا النظام فهناك روايات كثيرة متناقضة والبعض يجزم بالمشاركة الفعلية لعناصر حزب الله في القمع وخاصة القنص، وعلى كل لو تجاوزنا هذه النقطة فالشعب السوري لا يستبعدها عنكم لأن موقفكم المعلن يبررها ويسوّغ تصديقها، وكما قال الشاعر: ومن دعا الناس إلى ذمه       ذموه بالحق وبالباطل

خامساً : إن ما نسمعه منكم ومن قنوات الجمهورية الإيرانية الإسلامية أن الحسين عليه السلام قام لنصرة المظلومين على الظالمين الذين كان يمثلهم يزيد ومن معه، وجميع المسلمين على اختلاف طوائفهم يثمنون هذا الموقف العظيم لسليل بيت النبوة ويهزهم ذكره ويعيشون على دروسه ومعالمه، فما بالكم اليوم تقفون مع يزيد ضد الحسين، قد نتفهم ذلك من موقف إيران فالدول تتعامل بالمصالح بمعزل عن المبادئ مع أن النظام في إيران وصل بثورة شعبية (ثورة المظلومين) وهدفه منذ نجاح الثورة ورسالته إلى الشعوب لا الأنظمة، وهو كذلك مع كل الثورات الشعبية ما عدا الثورة في سوريا بدعوى (المقاومة) ولماذا يمنع غيره هذا الحق الذي كان سبب مشروعيته ووجوده !!!!!

وأما الأحزاب فمن المفترض أن تحافظ على مبادئها أكثر من الأنظمة، أما أن تتحول الأحزاب إلى مصلحية بالمطلق، فليس له إلا تفسير واحد وهو التفسير الطائفي أو المصلحي الشخصي الضيق

سادساً : إن الشعب السوري استطاع أن يتجاوز التهييج والشحن الطائفيين فيما مضى عندما استدعي الخلاف المذهبي من جهات معروفة لأهداف معروفة، فلم يقع السوريون معارضة ولا شعباً في هذا الفخ، وظل بريق المقاومة والولاء لها ولو كان الذي يمثلها حزب ينتمي إلى طائفة أخرى سمع كثيرون عنها ما يمكن أن تجعل الكثيرين يبتعدون عنها وذلك كما قلت باستدعاء التاريخ والخلافات والمواقف في مناظرات ومهاترات 000إلخ، ولم يكن يسمح شعبياً وأخلاقياً لأحد أن ينال من المقاومة تحت أي تبرير ولأي ذريعة فالشعب واع لم يفقد البوصلة في يوم من الأيام، لكن اليوم وللأسف بدأنا نسمع أصواتاً مغايرة لها ما يبررها وبدأت التفسيرات الأخرى تستولي على المشهد السياسي في الوسط الشعبي السوري، وهذا ما سيعود بالخسارة على حزب الله وما بناه خلال عقود، وستعود بالضرر على المقاومة وتعود بالضرر على مصداقية إعلامها، ولا يمكن لحزب الله أن يقنعنا بالإصلاحات التي يعدنا النظام بها لعدة أسباب:

الأول : فقد الثقة بين غالبية الشعب والنظام

الثاني : الممارسات القمعية الوحشية وأنتم أدرى الناس بها وتعلمون ما يعني اجتياح الجيش لمدينة أو قرية

الثالث : هذه الوعود الكثيرة حتى ولو كانت صادقة فهي من طرف واحد يمنّ بها النظام على شعبه ولا تنطلق من توافق شعبي وطني

والذي أريد أن أقترحه في النهاية عليكم لحفظ ما بقي لكم من رصيد نحرص عليه كما تحرصون ما يلي :

أولاً : حاولوا أن تسمعوا للمعارضة السورية ولن تعدموا من تثقون به منهم، فمن الحيف والظلم الاستماع إلى طرف واحد، ثم حاوروهم اسمعوا لهم وأسمعوهم رأيكم ولعلكم تكونون وسيطاً مقبولاً في مرحلة ما

ثانياً : استطلعوا ما بقي لكم من رصيد عند الشعب السوري وأنتم لا يخفى عليكم ذلك لتدركوا مدى وفداحة الخسارة التي لحقت بسمعتكم ومصداقيتكم، إلا إذا كنتم تعولون على النظام ولا يهمكم الشعب، وأنا أقول لكم إذا كان هناك مؤامرة على سوريا فهناك مؤامرة عليكم ساهمتم بموقفكم تجاه الشعب السوري بإنجاحها، ونحن نعلم المؤامرات التي تعرضتم لها وليس آخرها تحويلكم من حزب مقاوم إلى حزب سياسي يتقاتل على المناصب والمغانم، فقد كان ميدانكم أرجاء الأرض واسمكم على لسان كل مظلوم، فصرتم تتحركون الآن في الزواريب والحارات الضيقة

ثالثاً : بإمكانكم الوقوف في هذه الأزمة من خلال استراتيجية فصل الملفات، فأنتم مع النظام في موقع المقاومة ومع الشعب في موقع الحقوق والمظلومية، أما الوقوف الكامل في خندق النظام فأنتم ستتحملون كل ممارساته القمعية والمجحفة وأقل ما سيقال عنكم أنكم تبررون أو تؤيدون أو تعينون الظلم فضلاً عن أن يقال أنكم تسكتون على الظلم لأنكم ما سكتم بل أيدتم قولاً وفعلا، إن التاريخ لن يرحمكم وإن الشعب السوري لن يغفر لكم، ويا خسارة المقاومة بمواقفكم الانتهازية والجائرة

مركز الدراسات الاستراتيجية لدعم الثورة السورية