من الساقط بعد الساقط

د. عامر أبو سلامة

د. عامر أبو سلامة

إن المتابع لأحداث ما يعرف ب( الربيع العربي) يشعر أنه أمام مسلسل معروف الوقائع, معلوم الأحداث, كأنه كتب من قبل, وما على هذا المتابع إلاّ أن يقلب صفحات هذا الكتاب, مستمتعاً بتسلسله, منتظراً صياغة القادم من الأحداث, وكيف يكون الكاتب قد عالج هذه المسألة أو تلك؛ من حيث الأسلوب, أو الصياغة, أو فن الكتابة.

 وهذا قطعاً ليس من باب الكرامات, ولا نريد الدخول بمثل هذا النوع من التحليل, رغم أهميته وشرعيته, لأنه يسوقنا إلى جدل بعض الغيورين, حول تنزيل هذا على الشخص, أو الخلاف عليه صلاحاً وفساداً.

وهو من باب أولى ليس من قبيل الرجم بالغيب, وادعاء علمه, فهذا كفر صريح, لا لا يجوز لمسلم أن يقول هذا أو يدعيه, فلا يعلم الغيب إلاّ الله تعالى, وانقطع الوحي بإنتقال رسول الله- صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- إلى الرفيق الأعلى, إذن ما الخبر؟ وكيف كان هذا الشعور, الذي نشأ بهذه الصورة القوية؟؟

 الحق أن هذا من باب معرفة الواقع, الذي يعرفه كل أحد يعيشه في تفاصيله اليومية, ويكتوى بناره التي لاتعرف الرحمة, في كل لحظة, يجلد بسياطه أينما حلّ أو ارتحل, يشاهده في كل زاوية, ولا يفارقه حتى في نومه, يفاجئه في مكان عمله, يلاحقه في حارته, يتعامل معه في السوق, وفي البيت, وفي الدوائر الرسمية, وغير الرسمية, يشعر بألمه بالمستشفى, وهو راقد على سرير النوم, يراه ولو غاب عنه, يلمسه حتى لو فقد خاصية الإحساس, يشم رائحته, ولو كان مزكوماً, يداهم فكره إذا قرأ جريدة رسمية, أو سمع الأخبار من إذاعة محلية, أو إذا شاهد برنامجاً تلفزيونياً, أما إن لقي مسؤولاً, فحدث ولا حرج.

 هذه المعرفة لا تحتاج إلى كثير فقه, وعظيم علم, ولا تتطلب معرفة اختصاصية بعلم الإقتصاد, أو عمق بفن السياسة, فمن يتألم من حرق أصابه وصرخ, ليس لائقاً أن تقول عنه بأنه ذكي, لأنه شعر بالألم, الاّ إذا كنت ساخراً, وهذا لايجوز.

لو كان للظلم رائحة في بلدي, لصارت الحياة جحيماً لايطاق, فأين يروح الواحد؟ إن رحل عن الوطن, ربما هذا يكون حلاًّ مؤقتاً, هذا لمن كان قادراً, فما العمل مع الذين لايستطيعون ذلك؟ ولو استطاعوا!!!! هل يهاجر أبناء الوطن كله؟؟ ربما يروق هذا لساسة بلدي, بل ربما هو الذي يخطط له, فعلى الشعب أن يرحل.

 إن مارس المعارضة, ستجابهه قوى الشر, وتلامذة الباطل, وأحلاس الجريمة, ويقولون له: صدقت ما يعلن أيها المتخلف,أخذت ما نقوله للدعاية والإعلان حقيقة!! فيدخل في غياهب السجن, والسياط تأكل لحمه, وتشوي جلده.

 فإن رأى أن يكتب ليصلح, لن يجد من ينشر له, ويا ويل من نشر له, وإن افترضنا وحصل ذلك, فسيتفرغ له مدير المخابرات, سيناً وجيماً, وفي نهاية المطاف, سيعلن عن عمالته, وارتباطه بالقوى الخارجية, وربما قالوا عنه: مندس, أو جرثومة, أوجرذ أو سلفي, أو ينتمي لعصابة مسلحة, وأجمل حكم يصدر في حقه, النيل من هيبة الدولة!!!؟؟؟؟ فأين يروح الواحد؟؟؟ وماذا يصنع مع نظام, كمّم الأفواه, وشرّد الأحرار, وقتل الأبرار, ونهب الأموال, وأهان الأخيار, ومن خالفه فله العار والشنار, حارب الفضيلة, ونشر الرذيلة, بكل شعبها وجوانبها, وبصورها كافة.

 والحل هو أن يكون الذي كان, ويتخذ الشعب قراره, وينفض عنه غبار السنين, وركام الأيام, ويرفع شعار( الموت ولا المذلة). فتثور الجماهير على جلاّديها, وتقول كلمة الحق, لايخشون في الله لومة لائم, وقد فعلوا, وبشائر النصر تلوح في الآفاق, والله لا يخيب رجاء المظلومين,( واتق دعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب).

ومن هذه البشائر, أن الساقط قد سقط, والمراهنة على الساقط بعده, وسيكون نظام سورية, ومجرمه الأكبر بشّار, هو الساقط الذي سيسقط قريباً, والله تعالى لا يضيع جهد العاملين, ولن يتر الناس أعمالهم, ولا يضيع أجر من أحسن عملاً.

أمة عندها هذه الإرادة, لن تهزم بإذن الله, شعب يمتلك هكذا تصميم, لن تخمد جذوة ثورته, بعون الله ومدده, وقريباً سيحتفل الناس, بنصر الله, ويومئذ يعز الذين وقفوا مع الشعب, ويخسر المبطلون الذين انحازوا إلى صف النظام, وما ذلك على الله بعزيز.