الثورة السورية والأبواب المفتوحة والأخرى المؤصدة

ناديا مظفر سلطان

الثورة السورية

والأبواب المفتوحة والأخرى المؤصدة

ناديا مظفر سلطان

خمسة أشهر والثورة السورية تقف وحيدة في وجه الطغيان ، خمسة أشهر والأبواب ، كل الأبواب،  مؤصدة من دونها ، لم يناصرها سوى بعض الشرفاء من هنا وهناك ، وكأن ثورتها ابتلاء  نزل بالخلق ليميز الخبيث من الطيب ، والحر من النذل ، والشريف من الفاجر ، والصادق من المنافق ، والمؤمن من الكافر ،والجبان من المقدام ، والنائم من اليقظان .

أغلقت من دونها أبواب خلانها في الجوار ، وأبواب أشقائها في العروبة ، وأبواب أندادها في البشرية.

أغلقت من دونها  أبواب إخوانها في الدين والتوحيد ، وطاغية الشام لازال يقتل النفس ، ويهتك العرض ،ويبطش بالعباد ،ويعيث في البلاد الفساد ، " ،ويمنع المساجد  أن يذكر فيها اسم الله ،ويسعى في خرابها ، فكتب جنوده على حيطانها " لا إله إلا بشار ". فما دفع أحد منكرا !! .

أغلقت من دونها "أبواب حاراتها" فوقف وراء الأبواب أبناء أرضها من "  مهرجين " اصطنعوا على الشاشات الشهامة والإقدام  ، و" تجار منتفعين" باعوا إخوانهم  بأبخس الأثمان.

وفتحت  يأجوج ومأجوج ، والفرس والروس والمجوس ، وفتحت أبواب الجحيم في البر والبحر والجو.

حتى إذا ضاقت الأرض ، بما رحبت وظن ثوارها أن لا ملجأ ولا منجى لهم إلا باب السماء رفعوا أكف الضراعة وهتفوا : إذا لم ولن تكونوا معنا يا إخواننا في الدين، والعروبة، والجوار، والأرض والبشرية.. ف "الله معنا "فاستمدوا من هذا الباب المفتوح على مصراعيه ، الأمل والثبات  فالهموا صبرا،  وأشربوا أملا ،واستمدوا قوة وعزيمة وثباتا .و أضاء أمامهم  أمل وثيق ، بلقاء الأحباب بعد الفراق ، لأم ثكلى ، وطفل يتيم  ، وبنعيم الفردوس  لفتية اختاروا بعزم متين منزلة الشهيد.  

ولكن هذا الباب لم يحل للبعض أيضا ، فانبرى الأدنيسيون ، والماركسيون ، والعلمانيون  ، خوفا من ريح  تأتي من فتحة الباب قد لا تلائم الهوى... فأغلقوه ! بمعنى، لا نرحم من في الأرض ، ولا ندع رحمة الله تهبط من السماء!.

وسوريا اليوم بأبوابها المغلقة  ،والأخرى المفتوحة ، ليست سوريا كما كانت قبل آذار ، ولن تكون أبدا فقد عصفت بها ريح ورياح.

و القرآن يبين لنا أن بوابة الدين يمكن أن تأتي  ب الريح الصرصر العاتية ، كما يمكن أن تأتي بالرياح اللواقح الناعمة .

ومن "باب الدين" هبت ريح " من اتخذ إلهه هواه"  ومن لبس" عمامة الإخفاء" وتسربل "بعباءة الإسلام" في لبنان وإيران ، والبوطي والحسون وما أفتيان ...  فكانت ريح نحسات مرت بحماه وحمص ودرعا وجسر الشغور ودير الزور فتركت القوم  هناك صرعى كأعجاز نخل خاوية

ومن باب الدين أيضا هبت ريح النذير والوعيد و حركها أعوان النظام لبث الرعب في قلوب الأقليات

ومن باب الدين أيضا هبت ريح التوجس والقلق- من بعض المسلمين- أن تنفرد الأحزاب الدينية  فتستأثر بالثورة لإقامة دولة  تقوم على الإكراه ...رغم أن صريح القرآن "لا إكراه في الدين" البقرة

"وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الكهف

ف هل من الحكمة أن نسد هذا  الباب الذي تأتي  منه الريح ، كي نستريح ؟؟!

هل نستطيع أن نسد في هذه الليالي المباركة ، أبواب السماء المفتوحة على مصراعيها ، و هي المنفذ الوحيد ، والأمل الباقي  أمام  الثورة السورية ،ثورة الأغراب،  لتحظى  بأنسام الحرية بعد نصف قرن من لظى القمع ، وتنعم برياح  الكرامة بعد جحيم الذل ،وتستنشق هواء الديمقراطية بعيدا عن عفن المعتقلات

  إن الثورة ابتدأت بأكف طفولية  كتبت على الحيطان  دون تخطيط أو تكتيك ، بخط اليد ، وأحيانا على أكياس الورق أو صفحات ممزقة من كراريس مدرسية ، عبارات عفوية

الشعب يريد إسقاط النظام

 الشعب السوري ما بينذل ،

واحد  واحد  الشعب السوري  واحد

 الله  ،سوريا ، حرية ، وبس

دون تنظيم حزبي ،أو تكتيك إيديولوجي ، أو طرح شوفيني.

والرسول (ص) أسس "فردا"  حرا و لم يبدأ بتأسيس "دولة" ، إنما جاءت الدولة نتاجا لتجمع الأفراد الأحرار.

  وفي المدينة المنورة وعند تلك الفترة الحرجة، من تأسيس الدولة اليافعة ،التي كانت تتربص بها تحديات التعايش بين  المهاجرين و الأنصار، واليهود "الأقلية" ،المقيمين في" يثرب "من قبل ، جرت حادثة " الدرع المسروق".

 والقصة أن رجلا من الأنصار يقال له طعمة بن أبيرق ، سرق درعا من جار له قتادة بن النعمان ، وكان الدرع في جراب فيه نخالة فخرق الجراب حتى كان يتناثر منه النخالة طوال الطريق ، فجاء به إلى دار اليهودي زيد بن السمين ، وتركه على بابه وحمل الدرع إلى بيته ، فلما أصبح صاحب الدرع جاء على أثر النخالة إلى دار زيد ، فأخذه وحمله إلى النبي ، فهمّ النبي أن يقيم الحد على زيد ، فأنزلت الآية التي تدين الأنصاري وتبرئ اليهودي وتعاتب النبي!!!

إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولاتكن للخائنين خصيما ،واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ، يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون مالا يرضى من القول وكان الله بما تعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة "النساء

هذا هو موقف الإسلام من الأقليات ، فهل سنسعى إلى إغلاق أبواب السماء؟؟؟

ومع كل مظاهرة يعلو فيها هتاف الثوار المسالمين ، العزل، الأبرياء، الغرباء ،الساعين للحرية والكرامة ، تفتح أبواب تهب منها  رياح لواقح  ،تحمل الأمل لأرض سوريا الحبيبة بنماء سعيد ، وخير وفير.

أيها الشرفاء  في كل مكان ، ومن أي دين أو مذهب أو طائفة ، أوصدوا أبوابكم أمام الريح الباغية ، وافتحوها لرياح الثورة المباركة ،  ففيها الخير العميم بإذن الله.