نحو الإعلان عن المجلس الوطني السوري

أدباء الشام

تشهد سورية ولادة فجر جديد للحرية يصنعه الشعب السوري بدمائه وتضحياته على الأرض في مواجهة نظام استبدادي فاسد فقدَ كل مشروعية أخلاقية وسياسية ولم يبق منه سوى جانبه الأمني العاري، وما عاد مقبولاً أن تبقى سورية بعد اليوم رهينة بيد نظام دموي مجرم.

يأتي اجتماع اسطنبول تتويجاً للاجتماعات والمؤتمرات التي عقدت خلال الأشهر الماضية، وكان على جدول أعماله بحث السبل الكفيلة لتشكيل مجلس وطني سوري لضمان وجود مرجعية وطنية في هذه اللحظة المفصلية.

وقد استعرض المجتمعون مختلف المبادرات والوثائق والبيانات والمؤتمرات داخل سوريا وخارجها، بدءاً بما عرضه شباب ائتلاف الثورة، ولجان التنسيق المحلية، واتحاد تنسيقيات الثورة، والهيئات والتنسيقيات الأخرى، مروراً بما قدمته القوى السياسية كإعلان دمشق وهيئة التنسيق الوطنية ومبادرة الأحزاب الكُردية والمؤتمرات الوطنية على اختلاف مسمياتها، والمبادرات والاجتماعات التي حملت أسماء مثقفين سوريين أو علماء دين أو رجال أعمال وغيرهم.

وقد أعاد المجتمعون التأكيد على المبادئ الأساسية التالية:

1- وحدة الهدف ممثلاً بإسقاط النظام الأمني القمعي والانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تكرس سيادة الشعب وفصل السلطات والمساواة التامة بين مواطنيها، وضمان حقوقهم وحرياتهم من دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو المذهب أو الاعتقاد.

2- التغيير الوطني المنشود هو فعل داخلي محض يقوم على رفض التدخل الأجنبي الذي يلحق أضراراً بالسيادة الوطنية و وحدة التراب الوطني،وإن أساس أي علاقة مع الدول والحكومات هو المصالح الوطنية العليا، وعدم الخضوع لأي ابتزاز يقوم به النظام الحاكم الذي يجعل من نفسه مقياساً للوطنية، التي تحولت على يديه أداة لاستمرار الاستبداد وتأجيل الاستحقاق الديمقراطي وأداة لقمع الحريات.

3- التأكيد على الطبيعة الوطنية الشاملة للثورة السورية، والتي لا تمثل تحركا فئوياً أو توجهاً لاستهداف فئة بعينها في المجتمع السوري، و على محاربة أي شكل من أشكال الفتنة الطائفية أو التمييز الإثني، وإدانة كل من يمارسهما أو يدفع إليهما.

4- التأكيد والمحافظة على سلمية الثورة ونبذ العنف، وتثبيت مبادىء العدالة والتسامح، لا الثأر أو الانتقام، كناظم لمعالجة أية خصومات بين السوريين، وإزالة آثار الغبن الذي تراكم خلال عقود جراء سياسات النظام الاستبدادية.

وفي هذا السياق نرحب بتشكيل هيئة عامة للثورة السورية، بما يعبر عن مرحلة ناضجة وصلت اليها الثورة من حيث وضوح الهدف والآليات، ونتفهم الصعوبات التي تقف حائلاً أمام انضمام أجزاء أخرى فاعلة في الثورة بسبب الضغط الأمني وصعوبات التواصل.

كما نعلن تقديرنا لنداء شباب الثورة بتوحيد جهود المعارضة في الداخل والخارج، ونضم صوتنا إليهم من أجل بذل كل الجهود الممكنة لمشاركة جميع القوى والتكتلات والشخصيات الوطنية وقوى شباب الثورة في مبادرة تكوين مجلس وطني سوري يضمن أوسع تمثيل وطني يساهم في بلورة المواقف السياسية وإنجاز المهام المتعلقة بالعلاقات العربية والدولية والأوضاع الحقوقية والإنسانية التي لم يعد من الممكن تجاهلها أكثر.

إن تأسيس مجلس وطني يجمع المعارضة السورية لا يعني تخلي أي طرف عن هويته السياسية، وإنما الارتفاع إلى مستوى الوطنية الجامعة، وتشكيل أداة ضرورية للتنسيق بين مواقف الأطراف المختلفة وتوحيد جهودها، في وجه النظام الظالم، وأمام القوى الخارجية.

ولا شك أن هذا المجلس يمثل في الظروف الراهنة جزءاً من شبكة أمان وطنية لا بد منها من أجل ضمان السلم الأهلي، وتحقيق التوافق الواسع حول عملية التغيير. وقد رأى المجتمعون أن غياب هيئة سياسية موحدة ومتسقة لمواكبة مسيرة الثورة، وتشكيل هويتها، وترسيخ مكاسبها الميدانية، والرد الناجع على التحديات التي تواجهها، سواء ما تعلق منها بالتصعيد الأمني الذي يمارسه النظام أو بتنسيق علاقاتها مع المحيط العربي والدولي الذي بدأ يتعاطف معها؛ هو الثغرة الأخطر في مسيرة سورية نحو الدولة المدنية الديمقراطية.

إننا ننطلق في رؤيتنا لتشكيل المجلس الوطني من الاعتبارات والمعايير التالية:

1- البناء على ما تم إنجازه في الفترة الماضية من جميع أطراف المعارضة في الداخل والخارج.

2- يشكل المجلس الوطني السوري في اللحظة الراهنة استجابة للحاجة الضرورية للثورة، على الرغم من الإقرار في هذه المرحلة بصعوبة استيفاء كافة الشروط والمعايير لإطلاق مجلس وطني منتخب أو يمثل جميع الأطياف السياسية والشرائح الاجتماعية في سورية.

3- ضرورة أن يكون شباب الثورة ممثلين في هذا المجلس بالطرق التي يختارونها، رغم معرفتنا بمخاطر اللحظة الراهنة، ولقوى الشباب الثائر أن تختار بين أن تكون في الهيئة أو أن تنسق معها.

ولهذا الغرض شكل المجتمعون لجنة للتواصل مع شباب الثورة والقوى والتحالفات السياسية داخل سورية والمبادرات والمؤتمرات في الداخل والخارج، بالإضافة للحركات السياسية الشبابية التي تشكلت حديثاً، وستقوم اللجنة بمناقشة ما توصلت اليه مع الأطراف الأخرى داخل سورية وخارجها، من أجل بحث كافة السبل الكفيلة بتوسيع نطاق المشاركة والتمثيل.

إن اجتماع اسطنبول، الذي ضم سياسيين وناشطين وأكاديميين وخبراء، أعدّ رؤيته وأوراقه ووثائقه وتشكيلاته التي سيتبادلها مع الآخرين في الداخل والخارج بما يضمن ولادة المجلس الوطني السوري المنتظر من قبل السوريين، ويعتبر المجتمعون أن صيرورة التشكيل والانطلاق قد بدأت، ولذلك فهم يضعون أنفسهم في حال انعقاد من أجل تحقيق ذلك في موعد أقصاه أسبوعان بما يتيح للداخل وشباب الثورة والمبادرات الأخرى استكمال تصوراتهم بهذا الشأن.

إن الأزمة الراهنة ترتب على الشعب السوري بكل فئاته، خاصة الكتلة التي لم تقل رأيها بعد، ضرورة المساهمة في عملية التغيير السلمي الديمقراطي، كي نحافظ جميعاً على سوريا آمنة ونحفظ دماء السوريين ووحدتهم المجتمعية من جرائم النظام، مع التأكيد على سلمية الثورة ورفض العنف.

أخيراً يتوجه المجتمعون في اجتماع اسطنبول إلى الشعوب العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمجتمع المدني العالمي بمنظماته الحقوقية ليتحملوا مسؤولياتهم القانونية والأخلاقية من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة بحق المدنيين العزل، ودعم تطلعات الشعب السوري نحو الحرية والكرامة.

تحية إجلال لشهداء شعبنا البطل

والشفاء للجرحى والحرية للمعتقلين

وعاشت سوريا حرة، ديمقراطية، أبية

اجتماع اسطنبول التشاوري (20 – 23 آب/ أغسطس 2011)