الهروب من متطلبات السلام
جميل السلحوت
لم يعد خافيا على أحد أن اسرائيل وبدعم لا محدود من الولايات المتحدة الأمريكية تتهرب من متطلبات السلام المنشود في الشرق الأوسط، بل كلما اقترب العرب خطوة من متطلبات السلام كلما ابتعدت اسرائيل وأمريكا عنه مئات الأميال، وبنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الاسرائيلية الحاكمة معروف بتمترسه خلف عقيدته الصهيونية بمسشروعها التوسعي طويل الأمد، وهو صاحب نظرية"التكيف العربي" والتي يقول فيها بأن العرب يرفضون أيّ شيء يعرض عليهم، ثم لا يلبثون أن يتكيفوا معه، وقد أثبت التاريخ صحة نظريته مع الأسف، فـ(كنوز اسرائيل الاستراتيجية) من الحكام العرب استجابت لضغوطات اسرائيل وأمريكا ونفذت كل ما طُلب منها دون أيّ مقابل، وكلما نفذوا طلبا كلما تولدت طلبات جديدة أكثر قسوة، وسياسات الحكومات الأمريكية المتعاقبة بخصوص الشرق الأوسط، لم تثبت أن أمريكا تكيل بمكيالين فقط، بل تثبت أن الإمبراطورية التي تحرث العالم بقرن واحد هي الراعي الأكبر للإرهاب في العالم، وهل هناك إرهاب أكبر من احتلال يهلك البشر والشجر والحجر ويقتلع شعبا من أرضه لإحلال آخرين مكانه؟
وليس دفاعا عن الرئيس محمود عباس وعن حكومة الدكتور سلام فياض، فقد استطاعا تجريد أمريكا واسرائيل من كافة الذرائع التي كانوا يتحججون بها، والتي تطالب الفلسطينيين بالاستجابة لها، لكن ذلك لم يغير من موقف أمريكا واسرائيل شيئا، وهما تدركان جيدا أنهما ستقفان عاريتين أمام العالم أجمع الذي سيصوت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في ايلول القادم لصالح قبول فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة بالرغم من "الفيتو" الأمريكي المؤكد في مجلس الأمن.
وليس بعيدا عن الحكومة الاسرائيلية أن تخرج من الأزمة السياسية التي تنتظرها بشن حرب جديدة في المنطقة لخلط أوراق الصراع من جديد، فمعروف عن اسرائيل أنها تهرب من أزماتها بافتعال الحروب، خصوصا وأن حكومة اسرائيل تواجه مظاهرات كبيرة تطالب بالعدالة الاجتماعية، وتتخوف من تطور هذه المظاهرات الى مطالب سياسية عندما يدرك قادة المظاهرات ومخططوها أن الاحتلال والاستيطان هما المسؤولان عن أزمتهم التي يعانون منها، وأن حجة"الأمن" التي ترفعها الحكومات الاسرائيلية ليست أكثر من أكذوبة اختلقتها القيادات الاسرائيلية وما لبثت أن صدقتها، وأنها زرعت عقدة الخوف في ثقافة شعبها ليبقى متمسكا بسياسة الاحتلال والعدوان والتوسع.
ومن السخافة تصديق ما تدعو اليه أمريكا من أن الحل لن يأتي الا من خلال المفاوضات دون تحديد مرجعية قانونية ودولية لذلك، فاسرائيل فاوضت عشرين عاما منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن ولم تقدم للفلسطينيين والعرب شيئا، بل العكس هو الصحيح، فقد كثفت البناء الاستيطاني في محاولة منها لفرض حقائق على الأرض، خوفا من أن تتعرض لضغوطات دولية تجبرها على الانسحاب.
من هنا فان الإصرار على الذهاب للأمم المتحدة في ايلول القادم يبقى ضرورة قصوى يشكل التراجع عنها خطيئة نأمل أن لا تقع القيادة الفلسطينية فيها تحت ضغوط عربية ودولية.
وعلى القادة العرب أن يتعلموا كيف يقولون لأمريكا"كفى إذلالا فشعوبنا ما عادت تحتمل أكثر مما جرى ويجري، وأن المصالح الأمريكية في المنطقة لن تستمر من خلال السياسة الأمريكية المعادية للحقوق العربية وللقانون الدولي.