الثورة السورية وصمت أردوغان
د.مصطفى حميد أوغلو
طبيب وكاتب
لايختلف اثنان على لمعان اسم اردوغان وعلو وسطوع نجمه في لحظات تاريخية مظلمة من عصر الامتين العربية والاسلامية,خاصة بعد مواقفه الرجولية وتصريحاته النارية خلال العدوان الاسرائيلي على غزة ,أردوغان قال لما تفعله اسرائيل بأنه ارهاب دولة حينما كان القادة العرب لا يجرؤون حتى على التصريح بسحب المبادرة العربية.الشعوب العربية المسحوقة والمقموعة من المحيط للخليج وجدت في شخصية أردوغان بصيص الأمل وطريق الخروج من الإحباط واليأس والظلام .
موقف أردوغان في دافوس جعل منه البطل القومي والاممي لكل هؤلاء المتطلعين لمستقبل مشرق تسوده الحرية والكرامة.وهذا ما دفع كثير من الشعوب ومنها الشعب السوري التعويل الذي يصل لدرجة اللامقول والغير منطقي على دور هذا القائد في حركات التحرر ونصرة الشعوب وثورات الحرية والكرامة.مما زاد عبأ هذه المسؤولية عليه ,وجعله محط أنظار وتطلع كثير من حركات التحرر وأحزاب المعارضةالعربية.سؤال اللاجئين السوريين بحرقة وتلهف عن نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة التركية الجديدة يدمي القلب ألماً على هذا التعلق, ويجعل المرء يشفق من خيبة الأمل على هؤلاء المساكين .
أردوغان طالما تغني بشعر محمد عاكف أرصوي شاعر الامة التركية وكاتب النشيد الوطني عندما يترنم بأنه لا يصفق للظلم ولا يحب الظالمين.والشعوب العربية تذكر خطاباته الأخيرة عندما يقول أن حزن دمشق هو حزن اسطنبول وفرح الرياض فرح انقرة والم القاهرة يؤلم قونية.
جاءت الثورات العربية لتمتحن هذه الخطابات ولتضع المواقف على المحك,تونس ومصر سجلت مواقف ايجابية بخانة السياسة التركية ,لكن ليبيا كانت بداية التردد والحيرة ثم التراجع والانتكاسة التي ثلمت هذا الدور لدى الشعوب العربية,قبلنا بذلك أم تجاهلناه لكنه الحقيقة,ومن حسن الحظ وقدرة العقلية التركية على البراغماتية استطاعت تجاوز هذه الكبوة باقل الخسائر.
لكن الأمتحان الأصعب والأقسى على كل القيادة التركية وخاصة الثلاثي غل واردوغان وداودأغلو كان مع الثورة السورية ,فسوريا هي غير ليبيا ومصر وتونس بالنسبة لتركية.
العلاقات التركية السورية كان يشار لها في كل النوادي والصحف والمحطات لكونها علاقة نموذجية أستطاعت تجاوز كل الاختلافات لتصل وبسرعة مذهلة مرحلة يحلم بها كثيرمن الدول المتجاورة التي تجمعها وشائج أكثرة قوة وصلابة.والعلاقة الشخصية الحميمة التي جمعت بشار مع أردوغان كانت تبدو صلبة ومتينة لتدفع أردوغان بمخاطبته بالأخ والصديق في كل تصريحاته.
كل هذه المعطيات والاسباب جعلت تركيا في موقف حرج ومتردد ,متقدم أحيانا ومتراجع أحيانا ,وصامتاً أحيانا اخري.
البلد الوحيد الذي رفع علمه المتظاهرون في سوريا هو علم تركيا,والصورة الوحيدة هي صورة رجب طيب أردوغان ,هذا ما كان في بداية المظاهرات ,ثم رأينا ما كتب عن خيبة الأمل لدى الشارع السوري بالمواقف الصامتة بعد الانتخابات التركية.
بعد تصريحات أردوغان عشية الإنتخابات التركية التي قال بها أن تركيا لا تريد ولن تسمح بحماة جديدة ,ساد الموقف التركي فترة من الصمت رغم التصريحات اللاذعة من الطرف السوري,ورغم تزايد الإجرام والقتل والتشريد,ورغم دخول الدبابات مدينة حماة في بداية شهر الصيام وقتل ما يزيد عن مئة وخمسون في يوم واحد,ظل الصمت الأردوغاني دون أن يصل لحجم الدماء النازفة, وظل محيراً لكثير من المراقبين والمتابعين.
وزير الخارجية التركية زار السعودية ثم طار لإيران على أمل أن يعرج على سورية,لكنه هاد إلى أنقرة ليسود الصمت مرة ثانية من جديد.
التحليلات والتفسيرات للموقف التركي تباينت من أقصى اليمين لأقصى الشمال,منهم من فسره تواطئ مع النظام ومحاولة الإبقاء عليه,ومنهم أتهمهم بالمتاجرة بدماء السوريين أو عدم المبالاة بها. ومنهم من قال هو العجز التركي عن فعل أي شيئ تجاه هذا النظام,والبعض تفهم وضع تركيا المحرج وخوفها من الورقة الكردية والطائفية,التي لن يتوانى النظام السوري عن إبتزاز تركيا بهما.
المعارضة السوري تسرح وتمرح بتركيا ولم يبقى فرداً منها إلا وزارها ,بل وربما أجتمعت كلها في يوم من الأيام هنا,هذه كلها إيجابيات تحسب بخانة حكومة أردوغان ,لكن حتى هذه المعارضة تتمنى وتطلب من تركيا أن تكون أكثر تقدماً على المواقف الفرنسية والبريطانية والامريكية ,لاأن تكون تابعة لهذه الدول,يريدون من تركيا أن تضغط على الدول هذه لتزيد عزلة هذا النظام ,لا أن تحاول طلب المزيد من الوقت والفرص للنظام كما يقول أغلب المعارضين السوريين من أوربا.
برأيي أن سياسة صفر المشاكل لم تعد صالحة في هذه المواقف لمن يريد أن تكون دولته إقليمية لاعبة لها وزنها يحسب حسابها, وإمساك العصى من الوسط لاتقبله المعارضة ولا يليق بتركيا إذا كانت تريد أن تكون دولة مؤثرة لا متأثرة ,ودولة قائدة لا تابعة كما سمعناه من قادة تركيا وخاصة أردوغان وداودأغلوا.
على تركيا وحكومتها أن تقتنع أن الشعب السوري هو الباقي والانظمة متغيرة والشعب السوري لن يتراجع بعد اليوم لآنه يعي أن التراجع هو الإبادة له .عليها كسر حاجز الصمت وتوضيح موقفها بشكل واضح لتنهي كل تلك الأقاويل ,علها تعجل بحسم الأمر وتقصر في عمر الأزمة السورية,وتكسب شرف إيقاف نزيف الدم السوري.
لقد طال صمت أردوغان وكثرت الأقاويل وزادت الشبه ,ومن يعرف أردوغان يقدر حجم المعاناة والألم النفسي الذي يعانية من وراء هذا الصمت والصبر .
فمتى ينهي هذا الصمت ليريح نفسه ويريح الآخرين؟؟