الثورة الحلبية تتوسع فأين الإعلام
م. عبد الله زيزان
منذ انطلاقة الثورة السورية في آذار الماضي وحتى قبيل انطلاقتها كانت حلب محط الأنظار ومعقد الآمال في إنجاح الثورة وإرباك النظام السوري وتشتيت جهوده... فهي المركز البشري الكبير، وانضمامها إلى الثورة نصر كبير لها...
لقد وعى النظام السوري مبكراً معنى انضمام حلب إلى الثورة، وقد زادت التحركات على الأرض وفي الفضاء الالكتروني قبيل الثورة من مخاوف النظام من أن تكون شرارة الثورة من هذه المدينة الكبيرة، فقد حدد الناشطون حينها ساحتين فقط في كل سورية للتظاهر، ساحة سعد الله الجابري في حلب وساحة الأمويين في دمشق، مما دفع النظام لوضع كل ثقله في هذه المدينة خشية أن تكون حلب مشعلة الثورة...
وللنظام السوري الحق في تخوفه من مدينة حلب فثقلها السكاني الكبير، و مكانتها الاقتصادية المميزة، وموقعها الجغرافي على حدود تركيا الدولة الإقليمية الكبيرة والمؤثرة في المنطقة كلها أسبابٌ تجعل من النظام يُخضع كل إمكاناته لكبت هذه المدينة، خصوصاً أن تاريخها الحديث كان حافلاً بمواجهة النظام في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والحق أن خططه التي وضعها كانت ناجحة إلى حد ما في تأخير التحاق هذه المدينة بأخواتها في سورية...
فقد جنّد المتشردين في الشوارع قبيل الثورة، ونقلهم إلى دمشق وقام بإعادة تأهيلهم، ثم أنزلهم إلى شوارع حلب عند بدء الحراك الشعبي في عموم سورية... ثم زاد على ذلك بإخراج المجرمين من السجون وإعطائهم الرواتب من أجل قمع أي تحرك محتمل، ولم ينس بعض رجال العشائر المرتبطين كلياً بالنظام فنشاطاتهم غير الشرعية كتهريب المخدرات والسلاح لا تكون إلا بضوء حكومي أخضر... كل ما سبق إذا ما أضفنا إليه رجال الأمن والمخبرين فإننا نتحدث عن جيش كامل يتواجد في كل حي وفي كل شارع في مدينة حلب...
وهذا تماماً يفسر سبب سرعة التواجد الأمني عند أي تجمع يمكن له أن يشكل مظاهرة مؤثرة... فالأمر لا يحتاج إلى دقائق بعدد أصابع اليد الواحدة لتشاهد أرتال الأمن والشبيحة قد وفدوا إلى المظاهرة التي لم تجد النور بعد...
لكن ورغم كل المقدمة السابقة، فإن إصرار المخلصين من أهل حلب وعملهم المتواصل في مجال الثورة قد آتى أُكله... فنواة العمل الثوري في حلب قد تكونت منذ عدة أسابيع، وكرة الثلج الحلبية قد تشكلت وبدأت بالتوسع يوماً بعد الآخر، والنقاط الملتهبة في حلب قد زادت عن الأربعين نقطة في المدينة وحدها، وريف حلب قد انتفض بالكامل من خلال عشرين نقطة ملتهبة فيها، وبلغ عدد المظاهرات في حلب ما يزيد عن المئة والخمسين مظاهرة بمعدل مظاهرة يومياً منذ انطلاقة الثورة في الخامس عشر من آذار الماضي، وقد مرّ على المعتقلات السورية ما يقارب العشرة آلاف حلبي منذ انطلاقة الثورة... لكن الثغرة حالياً هي في الإعلام أولاً وفي الانطباع السلبي تجاه حلب عند جمهور عريض في سورية وخارجها ثانياً...
فحلب الآن تخرج يومياً في نقاط كثيرة متحدية الأمن والشبيحة، وأعدادهم تتزايد باستمرار، فلا يوجد يوم كسابقه، لكن رغم ذلك نجد أن الإعلام لم ينصف بعد هذه المدينة، فهو من الناحية الإعلامية الصرفة يفضل إبراز الفيديوهات التي يظهر فيها مئات الألوف على تلك التي يظهر فيها الآلاف في حلب، رغم أن هذه المئات الألوف لم تخرج هكذا بيوم وليلة، بل بدأت بمئات ثم آلاف تماماً كما هي في حلب الآن... وضعف التغطية الإعلامية لمدينة حلب تؤلم الناشطين الذين يشعرون أن جهودهم والمخاطر التي يتعرضون لها من أجل استنهاض الهمم في هذه المدينة تقابل بالإهمال وعدم الاكتراث... وما يزيد ألمهم موقف إخوانهم الناشطين الذين لم يقتنعوا بعد بتغيير انطباعهم عن هذه المدينة، بل إن البعض لا يتورع حتى اللحظة بكيل الأوصاف التي لا تليق على الأقل بهؤلاء الرجال الذين يدفعون أمنهم الشخصي ثمناً لنشاطهم...
باختصار شديد، المطلوب من كل الناشطين النظر بتفاؤل تجاه هذه المدينة، وإزالة الروح السلبية في تعاطيهم مع أخبارها... ودعمها إعلامياً بشتى الوسائل والطرق، واستخدام شبكة العلاقات المتوفرة لهم لخدمة الثوار فيها... فثورتهم تشتيت لجهود النظام في قمع المدن الجريحة من درعا وصولاً إلى دير الزور مروراً بحمص وحماة...