المشايخ الظرفاء والدجاجة السورية

ناديا مظفر سلطان

ناديا مظفر سلطان

أسخف وأسمج نكتة سمعتها في حياتي أن" الرئيس الأسد زاهدا في الرئاسة".

فرقع هذه النكتة فضيلة الشيخ حسون مفتي الجمهورية السورية في الوقت الذي كان الرصاص الحي يفرقع في أحياء سوريا ، فيغتال شبابا في عمر الورود ، لأنهم أرادوا زحزحة الأسد من كرسي الأبدية بعد أربعين عاما فقط من الحكم .

وفرقعة هذه النكتة ، جاء في فندق الكارلتون في مدينة حلب ، بينما كان سماحة المفتي ، ينعم بالأجواء المبردة ، ويتناول هو وصحبه من رموز الدين المسلمين والمسيحيين ما لذ وطاب من المآكل والمشارب بينما تعيش  مدنا  كاملة في سوريا دون ماء أو كهرباء في شهر رمضان المبارك ... في شهر آب ، وما أدراك ما آب اللهاب في سوريا.

و الظرف بضم الظاء، أمر محمود ، خاصة إذا كانت غايته مخرجا شرعيا مناسبا من مأزق حرج .

وفيما كان يرويه والدي- رحمه الله -عن ظرف المشايخ  في هذا المجال ، أن رجلا فقيرا عثر ذات يوم على دجاجة شاردة ، وكان الجوع قد أخذ منه ، فتنازعته مشاعر عنيفة بين الاحتفاظ بالدجاجة ، لأجل وجبة شهية ، وبين الإعلان عنها خشية الوقوع في إثم السرقة ، فهرع إلى أحد المشايخ يسأله الفتوى في ذلك

فأجابه الشيخ: ما عليك إلا أن تصعد إلى المأذنة  ثم تنادي بأعلى صوت : من أضاع؟

ثم اجعل صوتك همسا :دجاجة!

وهكذا تكون قد أبرأت ذمتك من سرقة الدجاجة وتحررت من الشعور بالإثم ،واحتفظت بها في ذات الوقت!

ولكن في الشأن السوري أعتقد أن النظام السوري قد تحرر تماما من عقدة الإثم بعد مجزرة حماة في الثمانينات ، فأصبحت عمليات القتل والاغتصاب  والاعتقال والتعذيب وتدمير البيوت فوق أصحابها وقصف الجوامع وتمزيق المصاحف والتطاول على الذات الالهية .... تمارس كشربة ماء

 أما إضفاء صفة الزهد والعفة على نظام كهذا - وسوريا تغرق في انتهاك المحرمات  - فليس له من مخرج سوى أنه "ظرف سمج" أو " نفاق "مستعصي العلاج.

والقرآن الكريم يشير بتهكم إلى الفئة المنافقة ، بتعبير فريد

"بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا"139-3

والمفتي حسون إذ يتخذ الطرف المنتهك للحرمات وليا  ، إنما يسعى لعز قصير الأجل ، ورفعة آيلة للسقوط ...واستمتاع هنيء ، بالتهام الكرابيج المحشوة بالفستق الحلبي في الكارلتون ، بينما جاره جوعان و "هو يعلم "

و سياسة الترويض تعتمد بشكل عام على التناوب بين السوط بيد ، وقطعة الحلوى باليد الأخرى.

وإذ اختار النظام الأسدي سياسة الترويض عوضا عن خطة إصلاح جدية ، فكان السوط من نصيب حمص وحماة ودرعا ودير الزور وجسر الشغور وريف دمشق واللاذقية وادلب ومعرة النعمان ... بينما فازت حلب بريادة حسون  بقطعة الحلوى .

 واختيار الثوار للجمعة القادمة" لن نركع إلا لله " ،عنوانا ،يعني أنهم  يبتغون العزة عند الله ،في إباء أسطوري ،وإيمان وثيق

 وهل يذل من يوالي الله؟؟؟؟؟

والتناوب بين الإسرار والإعلان  عن الدجاجة السورية  الشاردة من سجن البعث ، سياسة أخرى اتخذها العالم للخروج من صمت الموتى وشجب المجازر، دون التفريط بالدجاجة  في ذات الوقت ،

 فغادر أردوغان الأراضي السورية مطمئنا ، وشجب مجلس الأمن قتل الأبرياء ، شجبا لطيفا أقرب  للعتاب الرقيق ، وقطع المجلس الخليجي  العلاقات الدبلوماسية ، وبكى الدب الروسي صديقه الأسد لمصيره المحزن ..

فرقعات هشة ، كفرقعة نكتة الشيخ السمجة ،غطى عليها هدير الدبابات وأزيز الرصاص وبكاء الثكالى وصراخ الأطفال لأجل شربة ماء أو جرعة حليب في شهر القرآن ، وفي القرآن "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم"142-3