الران على القلوب
م. محمد حمزة الطنطاوي
قال ربي في محكم تنزيله في الآية الرابعة عشرة من سورة المطففين "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" وأنا هنا أود تنبيه من قد ابتلاه الله بالران وقسوة القلب الذي يدفع به لعدم فهم الحقائق وقراءة الواقع الأليم الذي مر ويمر ونخشى أن يستمر المرور به لوطننا الغالي – سوريا الأسيرة.
فحقيقة النظام الجاثم على جماجم الشعب السوري منذ الستينات من القرن الماضي ومنذ تسليم حزب البعث سدة قيادة الحكم في سورية، حقيقته أنه بني على الظلم والخيانة وبيع الذمم بعد الأوطان وهذا النوع من الأنظمة قد أتي لبلادنا العربية بعد الثورة العربية الكبرى لتقوم بالدور المرسوم لها حرفياً ولم ولن يكون يوماً للغرب الرأفة والشفقة على شعوبنا العربية والمسلمة ولو أتيح للغرب إعادة حقبة الحملات الصليبية التي تلحق بالمسلمين المذلة والقتل والاستغلال المباشر لما قصرت وما ترددت لحظة ولكنها وبذكاء الغرب ودهائه المعهود يدير وينفذ أجندته السوداء على كل الشعوب عن طريق عملائه من هذه الشعوب والسبب الوحيد هو أن هذه الشعوب قد رين على قلوبهم ما كانوا يكسبون – وكما كانوا ولي عليهم.
فكيف يقبل القلب السوري (طبعاً القلب علمياً مصدر الحس والإدراك وليس العقل فقط) فما حدث من زيارة "مدبر لها" للسفير الأمريكي الحساس جداً والرحيم المشفق على دماء الشعب السوري والذي تغفل إدارة هذا السفير ما تقوم به من سفك وهدر وانتهاك لدماء الشعب العربي في العراق وكثير من الدول الإسلامية الأخرى – فترجل سفيرهم من برجه وقرر بقدرة قادر النزول للشارع السوري المكتظ بشتى أنواع القوى الأمنية وتجرأ ليكون الدرع البشري الأعزل لشعبنا الأبي في حماة ووافق على أن يفدي مدينة أبي الفداء بوقته الثمين وروحه الغالية وغفل المغفلون بأن مثل هذه الطبقة من السفراء الغير عاديين (سفراء الغرب وخاصة أمريكا وبريطانيا وفرنسا) تحصى عليهم أنفاسهم وليس تحركاتهم، وما نزوله للشارع السوري والذي لحقه - تغطية سياسية إعلامية سخيفة ومكشوفة لكل سياسي مبصر- سفير فرنسا إلا فصل مقيت من مسرحية مساندة لهذا النظام القمعي الجبان، و"لحبك" هذه المسرحية قام النظام بإظهار حماقته المعهودة وكأن غيرته على سيادة بلده ما زالت موجودة فأتاح الفرصة لأزلامه بالهجوم على سفارتي هاتين الدولتين وتم رفع الأصوات في كل الميادين الدولية ليدين هذا الفصل من المسرحية وإعادة إظهار وتلميع هذا النظام وكأنه معاد لهذه الدول وليس "كومبرس رخيص" في مسرحية لعبة الأمم التي بطلتها أمريكا وفرنسا وبريطانيا، ولكن هذا الكومبرس خشي أن يطول المشهد ضده فطلب التخفيف من هذه الدراما، فعادت أمريكا وفرنسا والغرب للتهدئة بالرغم من إذلال رجلها الرخيص (نظام أسد) أمام أعين الذين لا غشاوة على عقولهم من سنوات عدة.
وها قد جاء دور الجامعة العربية على لسان (أمينها العالم المسمى: نبيل العربي – يا حيف على هذا الاسم) (الدور الحقيقي لها ومنذ نشأتها في 1945) في دعم هذا الكومبرس وأي نظام صنعه الغرب ودورها في هذه المسرحية وبعد غياب أربعة أشهر من تقتيل وانتهاك لأعظم ولأبسط حقوق الإنسان في سوريا الأسيرة – جاء دورها بشكل صفيق – فأيدت النظام القمعي ووقفت بجانبه وغفلت عن القيام بأبسط أدوار التمثيلية المبينة للشعوب العربية بأن للجامعة هذه موقفاً تمثيلياً مشرفاً واحداً في حياتها الهرمة (حوالي 66 سنة من الخذلان).
وها قد عدنا للمربع الأول من دعم وتدليس القوى العظمى ومن شد وجذب للمواقف ورجعنا نسمع بطلب الإصلاح أو التنحي وغفلت أمريكا عما قام به النظام أمام العالم من تجاوزات يندى لها (حتى جبين الجبناء وليس الشرفاء فقط) وتجاوزت القرار "الظني" الخاص بمحكمة قتلة الحريري الذي وحده – يمكنها إزاحة هذا النظام المجرم.
فيا إخوتنا دنيا السياسة مصالح دون قلوب ولا حتى عقول لتدبر مصالح الأمم – فأوراق النظام السوري كثيرة للعلب على العالم الطماع (من الورقة الفلسطينية إلى اللبنانية والعراقية والإيرانية وورقة الوجود الكردي واستقرار الجارة "المحتارة بأمرها تركيا" من حيث الأقلية الكردية والعلوية المستعدتان للتحرك بأمر من النظام، مع الورقة النووية "ولو كانت هزيلة" والورقة الإرهابية العالمية من بلطجة بأي مكان تصل إليه أيدي أزلام النظام ومرتزقته والورقة الأهم والرابحة دائما ( أمن واستقرار الكيان الصهيوني) فما على القوى الثورية السورية سوى سحب هذه الأوراق من هذا النظام القمعي ورقة ورقة حتى يتعرى ويسقط بقرار إلهي عظيم وتنتصر أمتنا في سوريا والتي ستلحقها بإذن الله انتصارات لإخوتنا في العراق وأفغانستان وتقوى شوكة مصر الكنانة ويكون لأرضنا المغتصبة – فلسطين – الأمل فينا وبدورنا المكبل منذ خمسة عقود متتالية من الخذلان.