القشة التي ستقصم ظهر البعير حلب الشهباء

أسامة العلي

القشة التي ستقصم ظهر البعير

حلب الشهباء

أسامة العلي

حلب بركان خامد يتهيأ للانفجار . ففي آخر دعوة وجهتها المعارضة للاضطراب ( الخميس الماضي ) قام مجموعة من التجار الشرفاء بالاستجابة لهذه الدعوة فما كان من الأجهزة الأمنية إلا أن قامت باعتقالهم ولا أدري أتم أخذ تعهدات عليهم و إطلاق سراحهم وهو الأرجح أم بقوا قيد الاعتقال وهذا مستبعد لأنّ الأجهزة الأمنية لا تريد أن تدخل حلب في الصراع بل تريد بقاءها خارج دائرة الحراك الشعبي . علماً أن الشرارة قد اشتعلت في الأطراف من حلب فلم يبق مركز من مراكز الريف إلا واشتعلت فيه المظاهرات بدءاً من الباب ومنبج وكوباني ( عين العرب ) وأعزاز ومارع وتل رفعت ... كما أنّ الحملات الأمنية لم تتوقف فالاعتقالات قائمة على قدم وساق .

رغم ما سبق نجد حلب المدينة هادئة وإن خرجت فأهلها يخرجون بأعداد قليلة جداً حيث لا يتناسب هذا الخروج مع عراقة المدينة وتاريخها العريق والقيم الأصيلة لأبناء هذه المدينة هذه المدينة التي يقرب عدد السكان فيها 3 ملايين .

أعود للقول إن هذا البركان سينفجر وإذا انفجر فإنّ ذلك يعني سقوط النظام ، اسميه ( نظام ) تجاوزاً ، غير أنّ السؤال الذي يطرح نفسه لم َ تقاعست حلب عن الخروج ؟ أحاول في هذه العجالة بيان بعض الأسباب وليس كلها .

أولاً : القبضة الأمنية الحديدية التي حكمت بها حلب على عكس بقية المحافظات التي لم تحكم بالشدة والقسوة التي كانت مطلقة في حلب . سبحان الله لدغ النظام من مكان لم يكن يتوقعه .فنظراً لثقل حلب السكاني ( حلب مع ريفها تشكل حوالي ربع سكان سورية ويزيد ) والاقتصادي (حلب أكبر مركز تجاري وصناعي في سوريا ) حرص النظام ـ على الدوام ـ على تشديد القبضة الأمنية وبالتالي لم تلن هذه القبضة منذ بداية أحداث الإخوان المسلمون في أواخر السبعينيات من القرن الماضي فقد كان يعيّن عليها أقسى الضباط وأقلهم رحمة وشفقة ـ إن وجد شيء منها ـ فمارسوا أبشع وسائل القهر والعنف فزرعوا الخوف في قلوب الأجنة وهم في بطون أمهاتهم إن هذه القبضة لا مثيل لها في بقية المحافظات فالأسد - السفاح ابن السفاح - خلال زياراته المكوكية لحلب كان غالباً ما يجتمع بقادة الأجهزة الأمنية يعطيهم توجيهاته وتعليماته .

ثانياً : حساب الربح والخسارة فحلب قد خسرت كثيراً في الثمانينيات وعانت الأمرين وهي لا تريد إعادة التجربة مرة ثانية إلا إذا رأت بوادر حقيقية لنجاح الثورة فحينئذ لن يتقاعسوا بل سيهبون ويقومون قومة رجل واحد فهم يرون أن أي حركة غير مدروسة ستكون عواقبها كارثية . إن منطق الربح والخسارة مبرر عندهم لما عانوه ولأن هذا المنطق يعيش عليه التجار .

ثالثاً : تفريغ حلب من العلماء العاملين الربانيين، من العلماء الأتقياء الورعين ، من المفكرين والمثقفين الكبار أصحاب الفكر الحر النيّر وهؤلاء إن لم يكونوا بالآلاف فهم على الأقل بالمئات ، تركوا سوريا وهاجروا في بلاد الله الواسعة شرقاً وغرباً هرباً من بطش النظام وظلمه ليظهر على الساحة مجموعة من الطفيليات ، فتولى زمام الأمور مشايخ وعلماء أقل ما يقال عنهم ضباط أمن بلباس ديني ، فكثير من الشباب اعتقل بسبب تقارير نفذها هؤلاء العلماء وإني أحتفظ بأسماء أشخاص قابلتهم وعشت معهم ردحاً من الزمن رووا لي كيف قام هؤلاء المشايخ بتسليمهم للأمن ، هذا عدا زيارات رجال الأمن المكوكية للأئمة في المساجد يسألونهم عن الإرهابيين والسلفيين و ... ولا يتصور قارئ الكلام أن غالبية العلماء بهذه الصورة غير أن هذه الفئة الفاسدة هي التي ظهرت على الساحة وزرعت الخوف في نفوس الآخرين فانعدمت النشاطات العلمية والثقافية في المساجد لتتحول إلى أماكن للصلاة فقط على عكس مهمة المسجد في العصور الإسلامية الأولى . وحتى لا نظلم أولئك العلماء الشرفاء الذين للأسف تم تهميشهم - عن سوء نية وقصد من أجهزة النظام - وعـزلهم في زوايا ضيقة حـتى جهلهم أغــلب الناس فعاشــــوا منعزلين لا بســبب كسلهم وخوفهم بل لأن النظام منعهم .

رابعاً : التفكك الاجتماعي وقلة الترابط بين أبناء المجتمعات المدنية الكبيرة : فالسكان في الريف يعرفون بعضهم بعضاً ويتآزرون ويتشاركون الأفراح والأتراح على عكس المدن الكبرى ومنها حلب فتجد في الشارع الواحد مجلساً للفرح وآخر للعزاء . فالمدينة بسبب توزعها العمودي والأفقي اختلط فيها الحابل بالنابل حتى لم يعد الجار يعرف جاره في الشقة المقابلة لشقته أما في الريف فالكل يعرف الكل ، لذلك نلاحظ أن المظاهرات في حلب كانت ضعيفة إذ يقوم بها مجموعة صغيرة من الشباب الأبطال الذين يعرفون بعضهم بعضاً غير أن هذه الأعداد الصغيرة ستكون بؤرة للبركان القادم فلو تحرك حي واحد من الأحياء الشعبية فإنه يعادل مدينة كاملة في المحافظات الأخرى .

خامساً : التزاوج بين رجال المال والسلطة : فأنت قلما تجد تاجراً لا يقيم شراكة مالية مع ضابط أمن ليحميه وإن لم يشاركه تراه يغدق عليه الهدايا بمناسبة وغير مناسبة عدا الموائد والولائم التي تقام على شرف الضابط الفلاني وليس من المناسب الآن ذكر الأسماء والقصص التي إذا سمعتموها ظننتموها من الخيال أو قصص ألف ليلة وليلة .

سادساً : نشوء فئة فاسدة من أصحاب القلوب والضمائر الميتة : مارست هذه الفئة القرصنة والبلطجة أمام أعين النظام بل بحمايته أضرب مثالاً واحداً لإحدى العائلات في حلب المعروفة بتجارة المخدرات والإجرام والتطاول على رقاب العباد ، صحيح أن عددهم قليل لكن تأثيرهم عظيم. قام النظام برعاية هذه الفئة لاستخدامها في أغراض دنيئة ( يتولى قسم منهم قمع المظاهرات الآن ) حتى وصل الأمر أن قام رأس النظام ( الأسد ) بداية اغتصابه للسلطة بزيارتهم في بيوتهم وتم تكريمهم بإدخالهم لمجلس الدمى ( الشعب ) وهذا حال بقية أعضاء مجلس الشعب فهم إما تجار مخدرات أو مشايخ مخابرات أو شعراء بلاط أو تجار... فلا تجد إلا قلة من الشرفاء يضعهم النظام لا ليصلح نفسه بل ليجملها أمام الجماهير فهم مهمشون وسط أولئك الفاسدين .

مهما تعددت الأسباب وتنوعت فإنها ستسهم في تأخير خروج حلب لكنها لن تمنعها من الخروج بل قد تزيد هذه العوامل من حالة الاحتقان وبالتالي سيكون الانفجار أعظم فالشعب أمله واحد وحسه الوطني واحد ومشاعره واحدة وهمومه واحدة وأهل حلب جزء من هذا الشعب فلا بد لهم من القيام وهذا يفسر قيام الحملات الأمنية الاستباقية، هذه الحملات التي لم تقم إلا في حلب وهذا يدل على خوف النظام وفزعه من قيام هذه المدينة لما تمثله من ثقل اقتصادي وقبل ذلك جماهيري لذلك نلاحظ أبناء المحافظات الأخرى ينادون ( وينك يا حلب وينك ياحلب ) لعلمهم أن حلب إذا قامت ، قامت ، وإذا قامت سقط النظام .