"السيادة الإيرانية" في لبنان

السيد زهره

"السيادة الإيرانية" في لبنان!!

السيد زهره

السلطات اللبنانية قررت قبل ايام منع عرض فيلم "الأيام الخضر" للمخرجة الايرانية هانا مخملباف، والذي كان مقررا ان يعرض في مهرجان سينمائي في بيروت. والفيلم يتحدث في اطار تسجيلي وروائي عن المظاهرات التي اندلعت في ايران عام 2009 احتجاجا على نتائج الانتخابات الرئاسية، ويتضمن مشاهد فعلية من هذه المظاهرات.

طبعا يحدث كثيرا ان تمنع السلطات المسئولة في أي بلد عرض فيلم سينمائي ان رات ان هناك مصلحة عامة، وطنية او اخلاقية مثلا، توجب هذا المنع.

لكن القصة مع منع عرض الفيلم الايراني في لبنان مختلفة عن هذا تماما.

الذي حدث ان قرار منع عرض الفيلم صدر عن جهاز الأمن العام اللبناني. وعندما استفسر المنظمون للمهرجان من المسئولين في الامن العام عن سبب منع الفيلم، قالوا لهم :" القرار ليس قرارنا، وانما نحن ننفذ الاوامر".

اذن، القرار، قرار من؟.. ومن الذي اصدر الامر بمنع عرض الفيلم؟

كما هو متوقع بالطبع، القرار صدر من ايران، والامر صدر من السفير الايراني في لبنان.

ليست هذه مجرد تكهنات. مسئول لبناني اكد صراحة هذا مباشرة . قال ان السفير الايراني في لبنان هو الذي طلب منع عرض الفيلم، وابلغ المسئولين اللبنانيين ان عرضه " يعتبر تعديا على السيادة الايرانية".

طبعا، لا نعرف بالضبط، كيف يكون عرض فيلم سينمائي ايا كان " تعديا على السيادة الايرانية".

لكن اذا كانت السلطات الايرانية تعتبر الامر هكذا، فما الذي يمكن ان يلزم السلطات اللبنانية بأن تتبنى هذا المفهوم الغريب؟.. وما الذي يجبرها على ان ترضخ لهذا الامر الايراني وتنفذه على نحو ما حدث بالفعل؟

المعنى الذي اراد السفير الايراني في لبنان ان يؤكده بقوله هذا، وباصداره الامر بمنع عرض الفيلم بكل ثقة، هو معنى واضح تماما .. انه في ظل النفوذ الايراني الطاغي في لبنان وخصوصا مع الحكومة الحالية، وفي ظل تبعية قوى لبنانية لايران وهي القوى التي تشكل الحكومة اليوم .. في ظل هذا، لا محل للسيادة اللبنانية، ولا محل لحق السلطات اللبنانية في ان يكون لها قرار مستقل حتى في مسألة كهذه بعرض فيلم من عدمه .. المعنى انه في لبنان " السيادة الايرانية " تأتي اولا، وعلى حساب " السيادة اللبنانية " وأي شيء، واي مصلحة لبنانية.

ان لبنان لطالما تفاخر طوال تاريخه، وعن حق، بانه نموذج للحريات والانفتاح الاعلامي والسياسي والفنى، في الوطن العربي.

لكن لبنان هذا، وفي لحظة واحدة قتل الحرية، وفقد قراره المستقل، بأمر اصدره السفير الايراني في بيروت.

اذن، هذه الواقعة ليست واقعة بسيطة.. ليست امرا يتعلق فقط بعرض او عدم عرض فيلم سينمائي.. ولا تتعلق بلبنان وحده.

هذه الواقعة تلخص، بشكل معبر، طبيعة ونمط العلاقات بين ايران و القوى التابعة والموالية لها في أي مكان .. من العراق .. الى لبنان .. الى البحرين .. الى أي مكان.

أن تكون تابعا لإيران ومواليا لها، سواء كنت حزبا او قوة سياسية او حكومة، ليس له في عرف طهران وفي الواقع العملي الا معنى واحد .. معناه انه لا حرية لك .. لا قرار لك .. لا ارادة لك ..لا سيادة لك . القرار والارادة والسيادة هي لأسيادك في طهران. اما موقعك، فليس الا موقع " التابع الذليل" الذي لا يملك من امره شيئا .. عليه ان ينفذ ما يؤمر به، ويردد، كما الببغاء بالضبط، المواقف الايرانية ازاء أي تطور واي قضية بلا نقاش وبلا حتى تفكير.

انظر مثلا كيف تتجسد هذه الحقيقة في الحملة المسعورة التي تشنها الاحزاب والقوى التابعة لايران في العراق وفي لبنان على البحرين. هذه القوى تشن هذه الحملة ليس فقط لأن هذه هي بالضرورة مواقفهم التي هم مقتنعون بها .. هم لا يجرؤون على ان يخرجوا عن الخط الذي يرسمه لهم اسيادهم في طهران، ولا يجرؤون على ان يحيدوا عن هذا الخط حتى لو ارادوا.

ولا حظ انهم يشنون هذه الحملة المسعورة على البحرين تحت دعاوى كاذبه تتعلق بالدفاع عن حقوق الاحتجاج والتظاهر والمطالبات بالتغيير. لكن هؤلاء اتفسهم يشنون حربا شعواء على الشعب السوري باسره ويتهمونه بالعمالة للقوى الاجنبية ويدافعون بشراسة عن القمع الوحشي الذي يمارسه النظام السوري .. لماذا؟.. لأن ايران امرتهم بأن يتخذوا هذا الموقف. لا يملكون حتى ان يفكروا في هذا التناقض الفاضح بين موقفهم من البحرين وموقفهم من سوريا. فهم مسلوبو الارادة لا يملكون حق التفكير المستقل.

الكارثة هنا لا تتعلق بقوى واحزاب تابعة لايران بهذا الشكل، وهي ادوات بيد ايران تحركها كما تشاء.

القضية ان وجود هذه القوى العميلة لايران في أي بلد، بهذا النمط من العلاقات مع طهران، معناه تدمير المصلحة الوطنية والتضحية بها . وقد راينا مثلا، كيف ان العراق دفع ثمنا فادحا بسبب موقف القوى العميلة لايران من البحرين، وكيف قاطعته الدول العربية مثلا ورفضت عقد القمة العربية في بغداد. وراينا كيف فقد لبنان حريته وسمعته كبلد منفتح .

وما هذا الجانب الا احد جوانب الخطر الداهم الذي تمثله ايران على امن واستقلال واستقرار الدول العربية، والذي لا نكف عن التحذير منه.