إلغاء وزارة الثقافة
حيدر الحجامي
بين آونة وأخرى تطرح مجاميع من المثقفين العراقيين مشاريع ورؤى ومقترحات لتطوير الواقع الثقافي في العراق . طبعاً تلك المشاريع واعدة ومهمة لو قيض لها إن ترى النور ، ولكن لا جدوى ، لأنها في الأغلب ستظل حبراً على ورق أو تدخل في إدراج المسؤولين عن الثقافة وينسى أمرها .طبعاً الحديث عن فاعلية المثقف وتوضيح ماهية وجوده في دينامكية المجتمع صار حديثاً ممللاً للغاية ومعروفاً بقدر مطالبات المثقف العراقي بدور أوسع ليكون هو الاخر أكثر تأثيرا في المشهد إلى جانب السياسي الذي يحتكر الشارع بلا وجه حق ,كما يزعم المثقف ولكن يبدو ان السياسي العراقي يعرف ان مجتمع الثقافة وصناعها مجتمع هش يسهل اختراقه ، ولذا فليس من الصعوبة التصدي لأي فعالية او معارضة قد تبديها مجموعة هنا او هناك بإيجاد أضداد نوعية تتصدى من الداخل ،وتبقى "المعركة " بعيدة عن أسوار السياسي ، وهذا هو ما يحصل بالضبط ، فنحن نرى ان أي نذر بمواجهة بين المثقف والسياسي تقبر في مهدها لان أول من سيصدى لها هم المثقفون أنفسهم .ولذا ظل المثقف العراقي ينادي بمناسبة وبدونها بصوت خفيض عن رفضه لإدخاله في خانة الصراع والتحاصص ولكن النتيجة تحسم في النهاية لصالح السياسي الذي يرفض او يتغاضى عن سماع أصوات خفيضة . قبل تشكيل الحكومة الحالية تعالت أصوات المثقفين بضرورة إسناد وزارة الثقافة الى شخصية ثقافية عراقية وإبعاد الوزارة عن نظام المحاصصة والنقاط ، طبعاً الاستجابة كانت مذهلة فالكتل الكبيرة ، أجابت بعلانية ، هذه الوزارة لا تساوي شيئاً وها نحن نتنازل عنها ، فتلك الكتل لا تريد ان تدخل في "معمعة " لا تنتهي كما قال احد النواب مع الوسط الثقافي الذي وصف المثقفين العراقيين بأنهم "لا يعجبهم العجب ولا الصوم في رجب " ، وظلت الوزارة معروضة تتقاذفها الكتل ،حتى وصلت للسيد الدليمي الذي يكن له الكثير من العراقيين المودة والاحترام لمواقفه المعتدلة وهو مرشح ساخن لوزارة الدفاع .ولكن حتى السيد الدليمي في عرضه لمنجزات الوزارة تحدث بشيء من الخيبة والألم عن واقع هذه الوزارة ، فكشف عن وزارة فيها من الموظفين ما يفوق التوقع بل والأدهى إن هناك أكثر من 4000موظف من منتسبي وزارة الإعلام السابقة، يتقاضون رواتبهم وهم خارج العراق ،ويمجدون "المقاومة الشريفة " ويسبون الحكومة ليلا ونهاراَ ، سراً وجهاراً ، فكيف يمكن قيادة مؤسسة تدعي بناء ثقافة عراقية مع هذا الكم الهائل من الفساد والبيروقراطية المحاصصة داخل جسدها إضافة إلى ميزانية تتسم بالهزال .في حوار معه طالبَ المخرج هادي ماهود بإلغاء وزارة الثقافة لأنها حسب وصفة وزارة موظفين وحمايات فقط . الماهود يقول كلما زرت هذه الوزارة أفاجأ بعدد الموظفين الهائل الذين لا يجدون سوى احتساء أكواب الشاي سلوى لتمضية الوقت بانتظار انتهاء الدوام الرسمي ليعودا إلى منازلهم .كلام الماهود عن الوزارة ينطبق على مؤسساتها المنتشرة في المحافظات فانا شخصياً كثيراً ما أتردد لبعض المؤسسات المرتبطة بوزارة الثقافة فاجأ بموظفين لا علاقة لهم ابداً بالثقافة يعملون في هذه الدوائر والمؤسسات وحتى عندما تسألهم عن عملهم يجب الكثير منهم لا لنا سوى تمضية الوقت وانتظار نهاية الشهر لاستلام مرتباتنا وانتهى الأمر .شيء مؤسف حقاً ان تبقى مطالبات المثقف العراقي حبيسة الوسط الذي يطلقها فيه ، ولا تترجم الى واقع يمكن ان ينهض بالإنسان العراقي ويبدد امامه دياجير الظلمة التي كلما اقترب من نهايتها اعادته يد التخلف والجهل الى موضعه الأول ؟.حيدر قاسم الحجامي