إسقاط النظام أم إسقاط الدولة

م. عبد الله زيزان

إسقاط النظام أم إسقاط الدولة،

ماذا يريد الغرب في سورية؟

م. عبد الله زيزان

[email protected]

مع وصول الثورة السورية لنقطة اللاعودة، لا نجد حتى اللحظة موقفاً غربياً أمريكياً واضحاً تجاه الأحداث في سورية... فكل المواقف والتصريحات تشير إلى وجود تخبط وتردد في الإدارة الأمريكية وكذلك الغربية... فهم من جهة يستصعبون فكرة التخلي عن النظام السوري الذي خدمهم لعقود، ومن جهة أخرى يجدون في استمرار الأحوال على ما هي عليه الآن خطورة كبيرة تهدد مصالحهم ومصالح حليفتهم "إسرائيل"...

فمع دخول الثورة شهرها الرابع لا تزال الإدارات الغربية تراهن على قدرة النظام السوري في استعادة المبادرة والسيطرة على الموقف... ويدعم فكرة المراهنة الغربية هذه ما نتابعه من مواقفهم الهزيلة والتي لا تزال تطالب بشار الأسد بالإصلاح أو التنحي...

إن الأوضاع في سورية متجهة نحو مزيد من الغموض... فالنظام السوري الآن يلعب بكل أوراقه المتاحة وهو لن يتردد بالدخول بأي مغامرة محسوبة أو غير محسوبة في سبيل استعادة السيطرة على الشعب والبقاء في سدة الحكم... وهو بذلك يدفع الدولة السورية برمتها إلى حافة الهاوية...

فلا الأوضاع الاجتماعية تُنبؤ بالخير ولا الاقتصادية ولا العسكرية... فالأزمة السورية الآن وصلت إلى كل مكونات الدولة... فمن الناحية الاجتماعية يحاول النظام أن يعبئ الجماهير طائفياً، في وقت تلوح فيه الجماهير بالعصيان المدني والذي يحرز تقدماً يوماً بعد الآخر... ومن الناحية الاقتصادية فكل المؤشرات تدل على قرب انهيار الليرة السورية وبالتالي الاقتصاد السوري برمته... ومن الناحية العسكرية فالأزمة فيها كبيرة، فالجيش والأمن يعانيان من الإرهاق والتخبط، والانشقاقات تهدد هذه المؤسسة برمتها، خاصة إذا ما وقع سيناريو الانشقاق الكبير والذي قد يوصل هذه المؤسسة إلى انهيار سريع ومفاجئ...

كل ما سبق سيؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط النظام... والمعلومات السابقة باتت معروفة لدى جميع السوريين... ويضاف إلى ذلك علم المتظاهرين المسبق بعواقب التراجع عن مطالبهم بإسقاط النظام والذي يعني بالنسبة لهم انتحاراً جماعياً...

إذاً على الغرب أن يعلم أن سقوط النظام أمر محتم لا مفر منه... فالغرب الذي كان سبباً في وجود هذا النظام وبقائه، عليه أن يتحمل مسؤولياته الآن تجاه سورية، فهو من تجاوز عن جرائم النظام القديمة في حماة وغيرها، ليتجلى لنا أعلى درجات الازدواجية الغربية إذا ما قارنا تفاعل الغرب مع الأحداث في دارفور السودانية مثلاً وتفاعله مع الأحداث الحالية في عموم سورية... فتخاذلهم إلى هذا اليوم... وترددهم في سحب الشرعية عن هذا النظام يزيد من تعقيد الأمور، فبدلاً من مجرد سقوطٍ للنظام العائلي الحالي، هم يدفعون بالأمور إلى سقوط سورية بكامل مؤسساتها المدنية والعسكرية، وسقوط سورية دولةً يعني الفوضى وانعدام الاستقرار، وبالتالي ربما تتحول سورية إلى بؤرة مضطربة في قلب الشرق الأوسط وهو بالتأكيد ما لا يريده الغرب...

إن سقوط سورية بمؤسساتها المدنية والعسكرية قد لا يغير كثيراً من المعادلة عند الشعب... فسواء سقط النظام أو سقطت الدولة، فالشعب مقبل على مرحلة بناء دولة مدنية جديدة عصرية... قد تكلفه بعض الوقت لكن السوريين بعقولهم المتنورة سيخرجون من أزمتهم لتصبح سورية نموذجاً فريداً في المنطقة... لكن هذا الوقت، من سقوط سورية كدولة إلى بناء دولة عصرية جديدة لن يكون لصالح الغرب... فالمعادلة بالنسبة لهم ليست بهذه البساطة... لأن خسارتهم من سقوط سورية كدولة سيكون كبيراً على مصالحهم، خصوصاً إذا ما ترافق ذلك مع بعض الفوضى وانعدام للاستقرار...

إذاً ما المطلوب من الإدارة الأمريكية والغرب؟؟

يتذرع الأمريكيون والغرب عند توجيه الانتقاد لهم بازدواجيتهم في التعامل مع الأزمة السورية والأزمة الليبية، بأن الشعب السوري هو من يرفض التدخل الأجنبي، هذه الذريعة جاءت على لسان جفري فيلتمان -مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى- بشكل واضح...

لكن الحل العسكري المفضي إلى احتلال أي أرض سورية هي فقط ما يرفضه الشعب... لكن ذلك لا ينسحب على رفع الشرعية الدولية عن النظام... فحتى هذه اللحظة لم تجرؤ أي دولة على حسم أمرها برفع الشرعية عن نظام الأسد... حتى فرنسا التي تعد قائدة أوروبا في التحركات ضد النظامين السوري والليبي لم تعلنها صراحة ولم تتخذ أي إجراء عملي يجسد رفع الشرعية عن النظام...

فالشعب السوري لن يمانع مثلاً من رفع الغطاء الدولي عن نظام الأسد، والذي يعني طرداً للسفراء وإلغاء لأي تمثيل رسمي لسورية في المحافل الدولية، ولن يمانع من حظر للطيران في سماء سورية لمنع استخدام الطائرات في قصف المدنيين... لن يمانع الشعب في حصار بري بحري جوي لأي قطعة سلاح أو أداة قد تدخل سورية قادمة من إيران أو حزب الله... لن يمانع الشعب من مقاطعة العالم للنفط السوري الذي تدخل ميزانيته لجيوب حكام سورية لتعود إلى المواطن على شكل رصاصة حية أو قاذفة أو دبابة...

فإذا ما أراد الغرب الحفاظ على سورية كدولة عليه الإسراع في الخطوات الضرورية لإسقاط النظام القائم وسحب الشرعية عنه وبأسرع وقت ممكن، فالوقت ليس في صالحهم كما هو ليس في صالح المواطن السوري الذي يتحرك عداد الموت عنده مع عداد الزمن...