نصيحة للأمريكان: كثفوا التعامل مع الإسلاميين والإخوان
نصيحة للأمريكان:
كثفوا التعامل مع الإسلاميين والإخوان!!
حسام مقلد *
تناقلت وكالات الأنباء مؤخرا أنباء عن سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى فتح قنوات للتواصل مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومن جهتها رحبت الجماعة بذلك شريطة أن يكون علنيا ومحققا لمصلحة مصر، وقد تباينت مواقف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المختلفة من هذا الإعلان بحسب رؤيتها له في ضوء حساباتها ومصالحها الخاصة.
فمن جهتها اعتبرت بعض الجهات تحرك الإدارة الأمريكية نحو إقامة علاقات مع حركة لإخوان المسلمين في مصر تحركا عمليا براجماتيا يتسق مع شعبيتها الكبيرة، ويحاول تمهيد الأجواء للتعامل الطبيعي والحتمي بين الجانبين والذي فرضه الواقع الاجتماعي والسياسي الجديد في مصر بعد الثورة، وذهب خبراء ومحللون أمريكيون إلى أبعد من ذلك حيث رأوا أن تواصل أمريكا مع الإخوان سيفتح الباب أمام واشنطن للتعامل مع الحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة، ويرون أن ذلك التحرك سوف يساعد الولايات المتحدة على استبقاء نفوذها في المنطقة بشكل أو بآخر، وضمان بقاء تأثيرها على صناع القرار فيها حتى لو بلغ المشروع الديمقراطي المصري مداه بوصول الإسلاميين إلى الحكم.
ويرى عدد من الخبراء أن الإخوان المسلمين هم الآن إحدى أكبر القوى السياسية في مصر، وأكثرها تنظيما وأعمقها نفوذا، وبالتالي فستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة للتعامل معها عاجلا أو آجلا؛ لأنها تعد اللاعب السياسي الأبرز في الساحة المصرية حاليا، وعلى أمريكا قبول التعامل معها على وجه الخصوص، ومع جميع السياسيين الإسلاميين عموما، وقبول فوزهم في الانتخابات وحتى تواجدهم في السلطة!!
ومن جهة أخرى وبحسب ما نقلته جريدة الشروق القاهرية يرى بعض الخبراء الصهاينة مثل (إيتان جيلوبا) الخبير في شئون الشرق الأوسط بجامعة بار إيلان أن المحاولة الأمريكية للتصالح مع الإخوان المسلمين في مصر ستتسبب في حدوث مشكلة كبيرة لإسرائيل؛ لأن جماعة الإخوان المسلمين تعارض بشدة معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، ومن ثمَّ يزداد خطر إلغاء تلك المعاهدة كلما ازداد احتمال وصول الإخوان للحكم!! وفي المقابل وبحسب جريدة الشروق القاهرية كذلك يقول(جابرييل بن دور) وهو محلل صهيوني آخر بجامعة حيفا: إنه لا يرى مشكلة لإسرائيل بسبب التواصل بين أمريكا والإخوان، بل يتوقع حصول فوائد محتملة إذا ساعدت هذه الخطوة واشنطن على تكوين فهم أفضل لكيفية انتظام القوى السياسية في مصر الجديدة بعد الثورة.
هذا على الصعيد العالمي والإقليمي، أما على الصعيد المحلي في مصر فقد لقي الإعلان عن هذه المحادثات بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأمريكية ترحيبا مشوبا بالحذر من البعض ورفضا من البعض الآخر، حيث حذر بعض الإسلاميين الإخوان من هذه الخطوة وشككوا في جدوى إقامة أي حوار مع الأمريكان وذكَّروهم بأنهم أخطر أعداء الأمة الإسلامية، وأنهم لا يزالون يحتلون دولا إسلامية احتلالا عسكريا مباشرا(العراق وأفغانستان) وأنهم ينحازون للعدو الصهيوني على طول الخط، ويحمونه بكل الطرق، الأمر الذي يكون دائما على حساب الشعب الفلسطيني الصبور، كما يرى البعض أن عداء الغرب ـ ولاسيما أمريكا ـ للعرب والمسلمين هو عداء حضاري شامل وليس عداء عسكريا أو سياسيا وحسب، وإنما هو عداء اقتصادي واجتماعي وثقافي وتاريخي...إلخ، ومن ثم فلا يجب الانخداع لهم بحجة التحاور معهم؛ لأنهم لن يقبلوا من أحد بأقل من السير في ركابهم والخضوع لشروطهم وتحقيق مطالبهم، وجماعة الإخوان وإن كانت تعد أبرز وأقدم رموز الحركة الإسلامية إلا أن بعض الإسلاميين في مصر يتخوفون من أن تتعامل مع القضايا والمواقف السياسية المختلفة بمنهج سياسي براجماتي صرف يفقدها مصداقيتها لدى الناس، ويدعم هؤلاء مخاوفهم تلك بالتجارب السلبية السابقة لتعامل بعض فروع جماعة الإخوان مع الأمريكان وبالتحديد في العراق وأفغانستان!!
ورغم وجاهة هذه المخاوف ومشروعيتها إلا أن العلاقات السياسية بين الدول والجماعات والأمم والشعوب المختلفة لا تعرف الجمود ولا الثبات، ولا الوقوف طويلا عند الأشخاص والعناوين والأسماء، فالشيء الأهم بالنسبة لحكومة أية دولة هو تحقيق أكبر قدر من مصالحها ومصالح شعبها وأمتها؛ ولذلك لا تعرف السياسة أية قدسية للأحلاف ولا العلاقات ولا الصداقات ولا العداوات، فلا شيء ثابت في السياسة سوى المصالح، ولا يوجد أسهل ولا أوضح من لغة المصالح للتوصل بوضوح إلى تفاهم مشترك.
وبعيدا عن العواطف والشعارات والدعاوى والادعاءات، يجب أن نفهم أننا لسنا وحدنا في هذا الكون الذي أراد له الله تعالى أن يقوم على التنوع والتناغم والتعايش بين مختلف مكوناته، وانطلاقا من لغة المصالح وحدها يجب أن تفهم حكومة الولايات الأمريكية أن المصالح الأمريكية الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط لن تتحقق بعيدا عن رغبات شعوب المنطقة التي تؤيد الإخوان المسلمين والإسلاميين عموما وتثق في نزاهتهم وترغب في إعطائهم الفرصة كاملة هذه المرة...!! فإذا كانت الولايات الأمريكية حريصة حقا على مصالحها العليا فعليها أن تفتح صفحة جديدة للتعامل مع الإسلاميين والإخوان بكل مصداقية وشفافية ودون شروط مسبقة وبعيدا عن الألاعيب السياسية، ومن حق الجماعات السياسية الإسلامية الوليدة التي لا تثق لا في أمريكا ولا في الغرب أن تتمسك بموقفها وتبني إستراتيجياتها وفق ذلك وتقدم حلولا بديلة ومقنعة للشعب، لكن ليس من حقها الشغب على موقف الإخوان أو إثارة اللغط والجدل حوله!!
* كاتب إسلامي مصري