هل يتمكن الشباب السوري من تغيير النظام

معاذ السراج

هل يتمكن الشباب السوري من تغيير النظام

معاذ السراج

بعد مرور أكثر من شهرين على التظاهرات الشبابية في سوريا هل نستطيع قراءة مستقبلها؟؟

ليس سهلا أن يجاب على مثل هذا السؤال بعيدا عن العواطف والأحاسيس البشرية وربما كنا ونحن سوريون بالطبع نحاول تلمس آفاق هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ بلادنا التي سترسم مستقبل بضعة أجيال قادمة , أو بعبارة أخرى لو كانت لدينا القدرة على التأثير على

مسار الأحداث فماذا كنا سنفعل..؟

لاشك أولا أن الأحداث آخذة بالتبلور يوما بعد يوم , فالمتظاهرون الشباب حققوا ميزات عديدة :

أولا: حققوا الاستمرار في تظاهراتهم رغم القمع والقتل والاعتقال والتنكيل الذي تستهدف منه السلطة ايقاع الرعب في قلوبهم وثنيهم عن المتابعة , والا كيف نفسر مظاهر التعذيب الوحشي الذي تعف عنه النفس البشرية ومن ثم تسليم جثث المعذبين بعد الى ذويهم ...؟

ثانيا : تمكن المتظاهرين الشباب من ايصال الصوت والصورة بصدق وأمانة وشجاعة وكفاءة تثير الاعجاب , وشكلت بهذا اعلاما بديلا استطاع أن ينقل الحدث الى العالم الخارجي بامكاناته البسيطة و يحرك من ثم وسائل الاعلام العربية والعالمية الكبرى التي غاب بعضها وغيب بعضها الآخر عن ساحة الحدث بصورة غير مسبوقة ...

ثالثا : تمكن الشباب من تطوير تحركهم الذي يقوم أساسا على المجازفة بالأرواح في مقابلة الرصاص الحي ..فاستفادوا أولا من حالات تشييع الشهداء التي تحولت الي مناسبة رمزية للتنديد بجرائم النظام ثم صاروا يخرجون في تظاهرات مسائية واعتصامات ليلية والتكبير في الشوارع ومن داخل البيوت والحفاظ على زخم التحرك الذي يبلغ أوجه أيام الجمع ...

رابعا : تمكن الشباب المحتجون من امتصاص كافة مراحل القمع التي بدأت بالشبيحة والأمن ثم دبابات الجيش ومدرعاته التي استخدمت كل طاقتها في القتل والتدمير لكنها لم توقف التظاهرات حتى في المدن المستهدفة التي لم تترك فرصة للخروج أو التعبير عن الرفض الا واغتنمتها

خامسا : تمكن المتظاهرون من التصدي للهجمة الاعلامية القذرة للنظام التي استخدم فيها كل وسائل التشويه والتخوين والصاق التهم ومحاولات التثبيط واحباط الهمم لكنهم أفشلوا محاولاته افشالا ذريعا حتى تحول الناطقون باسمه الى مهرجين مضحكين يثيرون الشفقة في محولاتهم اليائسة لتغطية الحقائق الدامغة ...

سادسا :صمود الشباب وثباتهم أحرج الكثيرين هنا وهناك حتى اضطر العديد من الدول وعلى رأسها أمريكا والاتحاد الأوروبي الى اتخاذ بعض المواقف ضد النظام وتوقيع العقوبات عليه ...ومع استمرار هذا الصمود ستكون هناك مواقف أخرى ... والأهم في الموضوع أن هذه المواقف لا ـتاتي الا تبعا لصمود الشباب وتصاعد حركتهم ...

سابعا : ولنقل هنا كذلك ان تحرك المعارضة السورية في الداخل والخارج انما جاء متأخرا خطوة أو خطوات على حركة الشباب في الوقت الذي كان ينتظر منها سرعة الحركة وهي المعنية بالأحداث اكثر من غيرها ومطلوب منها الكثير والكثير خاصة وهي تتمتع بالقدرة على الحركة والاتصال أعني المعارضة في الخارج ...

لاأنفي مع هذا استفادة المتظاهرين من حركة العالم الخارجي وتفاعلها معه وخاصة أجهزة الاعلام والقنوات الفضائية والمواقف الدولية وما الى ذلك والتي كانت تعني في أضعف الأحوال وصول صوت المتظاهرين الى المجتمع الانساني كله... وهي صدى هامّ  للاحتجاجات لا يستهان به وربما ساهم الى حدّ كبير في الاستمرار والصمود

خلاصة ماذكرنا حتى الآن يثبت حقيقة هامة جدا وهي تبلور الاحتجاجات واستقرارها وتصاعدها واستعصاؤها على حملة القمع بهدف الايقاف  النهائي ... وبالتالي وضعت النظام في موقف حرج ومربك, فحركة الاحتجاج مستمرة ومتطورة ولديها مبادرات على الارض في حين ان النظام يخسر اوراقه الواحدة تلو الاخرى ... وهذا هو الموقف الراهن فماذا بعد ... ؟!!

الاحتجاجات الآن في وضع جيد لكن السؤال المهم الى متى سيستمر النظام في الصمود بعد ان تمكن الشباب المحتجون من اثبات قدرتهم على الاستمرار في الاحتجاج والصمود عليه بل وتصعيده ... ؟!! بتعبير آخر هل ستؤدي الاحتجاجات الى انهيار النظام , وكيف؟!!

اؤكد مرة اخرى صعوبة الاجابة لكن لابد في النهاية من الوصول الى نتيجة ... بهذه المناسبة سمعت اليوم تعليقا لمراسلة CNN في بيروت وهي تختم تقريرها بالقول ان شعب سوريا لديه خياران لا ثالث لهما .. اما اسقاط النظام او حصول مجزرة تاريخية للشعب السوري ... وابادر فأستبعد الخيار الثاني لان النظام يبدو الآن على الاقل بالنسبة لي جبانا الى حدّ كبير وفي تقديري انه لن يتمكن من الذهاب بعيدا في عمليات القمع والقتل ... اقول بعيدا قياسا على ماحدث في الثمانينات حين استفرد بسوريا ممثّلة بمدينة حماه وبالمعتقلين العزّل في السجون وبطش بعشرات الآلاف وهجّر مثلهم ... أمّا اليوم فالنظام اصبح يواجه اكثر من مئة مدينة سورية تحتفظ كلّها بأبشع الذكريات بل والوقائع عن النظام وما أحدثه من مآس لهذا الشعب الصابر الصامد الذي لن يجد بديلا عن الصمود لان البديل يعني تكرار ماحدث في الثمانينات وبصورة مضاعفة ربما مرات ومرات ...  ولا أفسّر استمرار النظام في حملات القمع الا بالهروب الى الامام, فهو لايملك حلا جديا فأيّ حل جدي سيفضي بالنتيجة الى زواله والأهمّ من هذا كله ان فاتورة الحساب التي سيتوجب عليه دفعها باهظة جدا وهو يحاول تاخير الدفع لكنه لن يتمكن من التهرب منه في كل الاحوال ...

هل سيكون هناك انقلاب عسكري من بعض الضباط الذين ربما تدفعهم بقايا وطنية او حفاظ على الروح او مستقبل ما فيقومون بالانقلاب على اسياد الامس ... حل ربما يكون ممكنا لكنه سياتي بكل تاكيد في سياق التغيير القادم لامحال لكنه ربما يفيد في بقاء المؤسسة العسكرية متماسكة الى حدّ ما وكذلك ربما يقلل من نزيف الدماء وحالات الثأر والانتقام ...

هل ستثور دمشق وتخرج الملايين لتملأ شوارعها وتشلّ اجهزة الأمن الجبانة التي لن تجد في هذه الحالة سوى الفرار بعد أن تحرق كافّة مراكزها وشعبها التي تتخذّ من العاصمة الأموية مركزا لها ... دمشق تحتضن معظم اجهزة الدولة وخاصة منها مايتعلق بالحزب والامن والجيش والوزارات ... وهي الى ذلك مقرّ لكافة السفارات العربية والاجنبية ... واهل دمشق ليسوا اقلّ نقمة على النظام من باقي المحافظات بل ربما يعلم اهل دمشق من ذلك اكثر مما يعلم غيرهم من تخريب ديموغرافية المدينة العريقة ومحاولة سلب اهلها اصالتهم وشهامتهم التي طالما اشتهروا بها وخاصة في الاحياء القديمة كالميدان والشاغور والعمارة وغيرها ... ولا ننسى ريف دمشق الذي سيكون رديفا عظيما لاهل دمشق ويشكلون معهم لحمة واحدة ... ربما يكون هذا الاحتمال الاكثر توقعا وفي حال حصوله سيشلّ حركة النظام وربما يحيّد الجيش الذي لن يتمكن من فعل شيء أمام تحرّك الملايين ...

اعود لأؤكّد ان استمرار الاحتجاجات وتصاعدها (والاستمرار بحدّ ذاته يعتبر تصاعدا في الحالة السورية الخاصة كما يعلمها الجميع), اقول هذا الاستمرار هو الذي  سيقود الى التغيير وترحيل النظام بأيّ صورة تنطبق على ماذكرنا أو صورة اخرى محتملة وفي كلّ سيكون القدر الالهيّ هو الحكم والله المستعان ومنه النصر وعليه الاتكال ولا حول ولا قوة الا بالله العليّ العظيم.