على هامش مؤتمر أنطاليا للمعارضة السورية
على هامش مؤتمر أنطاليا للمعارضة السورية
استطالت مرضية ونشازات مرفوضة
هذه مقالتنا الثانية حول مؤتمر المعارضة السورية في أنطاليا_تركيا، الذي أنهى أعماله في 3/6/2011م، وكان مؤتمراً عاماً لأعمال المعارضة السورية خارج القطر؛ فالسوريون بعيداً عن بلدهم المغادرين له بالإكراه، والمضطرين للنأي عنه بالقهر، قاموا بمحاولات عدة في مجال النشاط المعارض، اعتباراً من حركات جماعة الإخوان التي بدأت بعد خروجهم في عشر الثمانين من القرن الماضي، وحتى محاولة الجزء الخارجي المتصل بإعلان دمشق، ثم ما سمي بجبهة الخلاص الخائبة مع خدام، وما بين هذه الحركات من نشاطات فردية وجماعية الكثير الكثير .. لكن مؤتمر أنطاليا_تركيا هو حركة متميزة جاءت على حُداء الفوارس الشبابية داخل سورية، وهي تهتف بتنحي الرئيس وسقوط النظام .. كما انعقد هذا المؤتمر وشلالات الدم لا تكاد تنقطع من شرايين أولئك الأبطال وهم يدقون أبواب الحرية بعزائمهم التي لا تلين، وبحماستهم التي لا تهدأ أو تستكين .. هذا إلى كون المؤتمر قد ضمّ لأول مرة هذا العدد الكبير من الحضور، والطيف الواسع المتعدد الرؤى والطروحات من الاتجاهات المختلفة والعناصر المتباينة .. وقد خلص المؤتمر في بيانه إلى الوقوف الصامد مع الشعب السوري في ثورته المطالبة بسقوط النظام، ورفض طروحات العفو، وقرارات السلطة الورقية الزائفة، كما انتخب هيئة متابعة، ولجان دعم ومساندة، وعناصر اتصالات وارتباط متعددة ..
لكن ما شاب الطروحات من أفكار ناشزة، ورؤى غريبة هي نتوءات منفردة ربما عكرت صفو التوجه السليم للمؤتمر .. ونحب أن نتعرض لرؤيتين اثنتين فقط من هذه الاستطالات المرضية غير المريحة، نحاول معالجتها في هذه المقالة؛ علماً بأنها لم تؤثر في نتائج المؤتمر، ولا أثرت بجديته في حراكه انطلاقاً من حرية الراي، وقبول وجهة النظر المخالفة، ويأتي ردنا ضمن هذه الحرية التي هي ملك للجميع ..
الطرح الأول وهو دعوة العلمانية لمستقبل الدولة القادم في سورية، وفصل الدين عن الحكم باستبعاد مرجعيته عن هذه الدولة، وهذا طرح نشاز على مستقبلنا السوري .. لأنه غير مناسب لا في الزمان ولا في المكان، فمن حيث المكان، هذا المؤتمر للدعم والإسناد للثورة التي لا تزال تخوض أقسى جولاتها مع النظام، وهي منشغلة بتقديم التضحيات العزيزة الغالية قبل الأماني الخيالية، والرؤى المجنحة للحالمين على الأرائك المريحة في الظلال الوارفة .. وهو غير مناسب في الزمان؛ حيث إننا في البداية ولم نصل إلى هذه المرحلة، والطرح في هذا الباب هو مصادرة المستقبل المنشود؛ بل اقتسام جلد الدب قبل اصطياده، وهذا شأن فارغي الأيدي، والراقمين على الماء، ونرجو من الإخوان جميعاً أن يكونوا أكثر جدية، وأبلغ واقعية .. والإسلام قبل هذا وبعده هو دين الأمة، وتاريخها الباذخ، وحضارتها المعطاء، وهو فوق الفرق والطوائف والرؤى الاغترابية .. وفي هذه الإشارات كفاية، فلا المكان يسمح، ولا الزمان يناسب ..
أما النشوزالثاني؛ فهو تصريح الشيخ الكردي المعتوق؛ بأن إسلامه كردي، وهذا الإسلام علماني يفصل الدين عن الدولة، والدين عن الحكم، وهذا كلام عجيب ..! لم يقل به مسلم، فضلاً عن شيخ يتزيّا بزيّ العلماء من جبة وعمامة؛ فهل هناك إسلام عربي، وإسلام كردي خاص بالشيخ يحمله تحت عمامته .. فهذه جاهلية جهلاء، وضلالة عمياء، وعصبية خرقاء، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فقال:"دعوها فإنها منتنة"، وفي كل حال، فهو كلام خاص بالشيخ لا يقبله منا أحد، لكن ما نتمناه لنضالنا القائم، وكفاحنا القادم أن يكون صادقاً سليماً حكيماً بعيداً عن الأفكار المَرَضية، والرؤى الشاذة، والطروحات الناشزة، بريئاً من العاهات المعوِّقة، وسبحان الله "ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وما يذكر إلا أولو الالباب" ...