السبت الدامي في "حماة" السورية

فاروق مشوح

السبت الدامي في "حماة" السورية

ثأر قديم، وحقد دفين

في جمعة "أطفال الحرية" التي أعلنته الحركة الاحتجاجية العارمة على النظام السوري 1/رجب/1432هـ، 3/6/2011م_سالت دماء غزيرة على أرض سورية، وبخاصة في مدينة حماة الجريحة .. فقد كانت الجماهير سيولاً بشرية متلاطمة بلغت بتقدير الكثيرين من المراقبين نحواً من مئة وخمسين ألفاً أو يزيدون .. كان ذلك بسبب الشعور الذي بثه أزلام النظام في حماة؛ أن المظاهرات السلمية لها الحق في الخروج بلا اعتراض من الأمن، ولا ممانعة من جلاديه .. فاطمأن الناس، وركنوا إلى وعود بلا عهود، وكلام بلا مصداقية أو تأكيد، فانطلقوا ومعهم أغصان الزيتون وزهور الياسمين، وباقات الورود؛ تحية منهم لهذه الجمعة المحتفية بالأطفال البرآء، راغبة بالتعبير البريء على فوح الرياحين، وحرارة الهاتفين، ونداء الداعين إلى الحرية والعدل والكرامة .. لكن الأمل خاب، والرجاء تبدد مع طلقات الغدر القاتل، والإجرام المستعلن، والحقد الدفين، فكانت جمعة الأطفال جمعةً دامية وصل فيها عدد الشهداء إلى ما فوق المئة شهيد، وبعضهم قال إنهم أكثر؛ لأن بعض الشهداء خطفهم الجناة إلى المجهول، ومنهم من لم تعرف هويته، وآخرون ربما ضاعت أشلاؤه بين الضحايا، واختفت معالم أجسادهم في هذه المعمعة الغادرة، والوطيس المحموم ..

من هنا كان يوم السبت يوم تشييع الشهداء الذين استطاع الأهلون معرفتهم، وتكريم جنائزهم التي بلغت الأربعين؛ حيث سارت خلفهم الجموع مشيعة حزينة آسفة كاسفة على شبابهم الطاهر، وعلى مرور خديعة الغدر الفاجر .. لكنها برغم كل شيء آملة مستبشرة، تنظر إلى الأفق البعيد .. لقد كان هذا السبت الذي تلا المجزرة هو اليوم الذي سجلنا فيه هذه الجريمة؛ حيث كانت الجمعة يوم قتل ودماء، وفوضى واضطراب، وحيرة وذهول، عقبته الصحوة في التالي من الساعات التي كشفت هول الأحداث، وفظائع النظام، وما يعدّه لأبناء شعبنا من بلايا ونكبات، وأيام داميات، وسخائم في النفوس انطوت على غل، وباتت على ضغن، فقد نكأت_هذه المقتلة_جراح مأساة العصر "حماة الشهيدة " عام 1982م، التي ذهب ضحيتها أكثر من أربعين ألف شهيد، وعشرين ألف مفقود، ومئة ألف مشرد، وهدم النظام المجرم ثلثي المدينة، فذهبت من أوابدها معالم تتقطع لها القلوب حسرةً، وتذوب منه النفوس كمداً .. فلم يتركوا لهذا البلد العريق مسجداً جامعاً، ولا معلماً شاهداً، ولا منظراً رائعاً، حتى جعلوا من تلك البقعة الجميلة خرائبَ تنعب بها الغربان، ومكارهَ تسرح بها الهوامّ .. إن مواكب الدفن في السبت الأسود الذي تلا جمعة أطفال الحرية في حماة، كان علامةً فارقةً في تاريخ الإجرام العائلي الطائفي للنظام السوري، وهو صفحة سوداء دامية في التاريخ الغارق في دماء الشعب السوري لهذه السلطة الآثمة .. وهذه الصفحات السود هي التي سوف تكتب شهادة وفاته، وأيام إدباره، وليالي زواله واندثاره..".. فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً، وكنا نحن الوارثين" ...