الثورة السورية: خواطر ومشاعر (7)

مجاهد مأمون ديرانية

لا؛ ما هؤلاء أسود!

مجاهد مأمون ديرانية

ما زلت أشاهد أعاجيب رجال الثورة الأبطال فأهتف: يا لَهؤلاء من آساد! لكني استرجعت وفكرت، فرأيت أني لن أكرر هذا القول بعد اليوم.

لا، ليس لأنّ الأسودَ والآسادَ جمعُ أسد، وليس لأني آنَفُ أن أشبّه بطلاً من أبطال سوريا بأسد، فذلك الأسد المزوَّر طارئ على اللغة والأرض والتاريخ، وسوف يذهب عما قريب -بإذن الله الواحد الأحد- ويبقى الأسد الحقيقي الذي كان ملك الغابة على الدوام. ليس لهذا، بل لأني ضَنَنْتُ بشجاعة ورجولة أبطال ثورة سوريا أن أقيسها إلى أسود الغاب.

فكروا معي لحظة: ما شجاعة الأسد وما جرأة الأسد؟ إنه مخلوق زوّده الله بناب وأنياب فهو يقهر بها ضِعاف المخلوقات، يُرهبها ويرعبها حتى لَتَفِرّ من أمامه ولو شمَّت ريحَه قبل أن تبصر صورته، لكنه لو وقف أمامه صيّادٌ فأطلق في الهواء فوق رأسه رصاصةً لفَرَّ من أمام الصياد.

وهذا -بعدُ- الملكُ الذي توّجَه أهل الأدب على سائر الحيوانات. فماذا -لعمري- كانوا سيقولون لو رأوا هذه الطائفة من أبطال الشام يخرجون إلى الطرقات مجرَّدين من السلاح، لا تروسَ ولا دروعَ ولا سيوفَ ولا رماح، يواجهون القتلة والمجرمين كواشفَ الوجوه والصدور، لا يبالون أن تُستهدَف وجوههم بصورة فيُعرَفون ثم من بعدُ يُعتقَلون، أو تُستهدَف صدورهم برصاصة فيُصابون أو يُستشَهدون؟

والأسد يقطع الأميال الطِّوال في الدَّغْل آمناً لا يخشى عدواً ولا يرهب خطراً، ثم يعود بالغذاء الكثير والكسب الوفير، والرجل من هؤلاء الرجال في سوريا لم يخرج لمغنم أو مال، ما خرج إلا هاتفاً للكرامة ومنادياً بالحرية. ثم إنه لا يقطع الخطوة إلا وروحه على كفه، فلا يدري أيقطع الخطوة التي بعدها جسداً يمشي على الأرض أم روحاً ترتقي في السماء. فأيُّ الاثنين يُمدَح لو شُبِّه بصاحبه؟

يخطئ بعد اليوم من يريد أن يمدح هؤلاء فيقول إنهم كالأسود، بل الحق أن نمدح الأسود -لو أردنا أن نمدح الأسود- فنقول إنها كرجال سوريا الأبطال!