تصريحات مخلوف ودلالاتها الخطيرة

د. ياسر سعد

د. ياسر سعد

[email protected]

التصريحات التي أطلقها رامي مخلوف أحد رموز وأوثان الفساد في سورية في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية لها دلالات خطيرة، وتكشف عن طريقة تفكير مدمرة، كما تفضح حقيقة النظام وإدعاءاته الزائفة في المقاومة والممانعة. ولعل أول ما يتبادر لذهن القارئ عن الموقع (المنصب) والذي يتحدث منه مخلوف مما يؤهله لتحديد مواقف النظام من الأحداث، وليرسل الرسائل للخارج والتي تتضمن تحذيرات من العواقب حال انهار النظام في أسلوب مستنسخ من منهج القذافي. فإما النظام أو الطوفان وأن البديل عن حكم يجيد اللعب على الحبال وإطلاق الشعارات المناقضة لسلوكه وتصرفاته، هو الإمارات السلفية والعناصر المتشددة. 

مخلوف قال إن النخبة الحاكمة تكاتفت أكثر بعد الأزمة، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن الكلمة الأخيرة هي للأسد إلا انه يتم وضع السياسات بـ"قرار مشترك"، وأضاف "نؤمن بأنه لا استمرارية من دون وحدة. وكل شخص منّا يعرف أننا لا يمكن أن نستمر من دون أن نكون موحّدين. لن نخرج ولن نترك مركبنا ونقامر، سنجلس هنا، نعتبرها معركة حتى النهاية. يجب أن يعلموا إننا حين نعاني، لن نعاني لوحدنا". حديث مخلوف عن العائلة الحاكمة يعيدنا إلى مناشدة زيدون الزعبي- نجل عضو مجلس الشعب عن محافظة درعا عبر قناة  بي بي سي- الأسد بأن يتدخل للسماح لأهالي درعا بإخراج الأطفال من المدينة المحاصرة. و ناشد  الزعبي والذي بدا باكيا أم بشار أنيسة مخلوف وشقيقته بشرى ليتدخلوا لإغاثة الأطفال المحاصرين. زيدون لم يناشد رئيس الحكومة أو وزير الدفاع أو الداخلية، بل ناشد عائلة الأسد والدة وشقيقة ليقينه بأن الحكم تديره عائلة الأسد. كلام مخلوف واستغاثة الزعبي تكشفان عن القاع السياسي والذي وصلت إليه الأمور في سورية، مما يجعل مسألة تغيير النظام مسعى أخلاقي حميد وإنساني رفيع.

مخلوف حذر عبر الصحيفة الأمريكية بأنه "إذا لم يكن هناك استقرار هنا (في سوريا) فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. لا يوجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام". هذا اعتراف ضمني بالترتيبات والتفاهمات بين نظام الأسد والدولة العبرية والتي جعلت من جبهة الجولان الأكثر هدوءا وانضباطا منذ عام 1973، وهو أمر ينسف مزاعم النظام عن تبنيه منهج دعم المقاومة، وهو دعم في حقيقته إعلامي يستخدم ذريعة لقمع المواطنين وعسكرة المجتمع، ومقايضة دور النظام بكل ما يمكن له تقديمه للحفاظ على استقرار إسرائيل وأمنها.

المواقف الصريحة والرسائل الفاقعة والتي وجهها مخلوف تكشفان عن مشاعر الضيق والاختناق واللذان يعاني منهما النظام مما جعله يسقط القناع عن وجهه ويكشف عن أدواره وحقيقته. هذه الأمور تناقض ما ذهبت إليه بثينة شعبان وفي نفس الصحيفة بقولها "أن الأخطر في الأحداث التي عصفت بسوريا منذ حوالي شهرين قد مرّ وأصبح ورائنا"، و"آمل أننا نعيش المرحلة النهائية من هذه القصة".  التناقض بين الموقفين يفضح ازدواجية الخطاب الرسمي، وهي ازدواجية أدمن عليها نظام يعقد الصفقات وراء الكواليس فيما ترتفع حناجره بالزعيق والصراخ بشعارات المقاومة وتخوين كل من يقف في وجه ظلمه وفساده واستبداده، ويعلن عن مشاريع الإصلاح فيما يستهدف بالرصاص والدبابات المدنيين المسالمين، ويحول مدارس الأطفال إلى مراكز للاعتقال.

رامي مخلوف رمز الفساد المالي وما يسمى زورا بالإصلاح الاقتصادي، والذي يحوز –مخلوف- بحسب تقارير اقتصادية على نحو 65% من الاقتصاد السوؤي، يدفعنا ومع الحديث عن ازدواجية النظام للتذكير بالمادة 13 من الدستور السوري والتي تنص "الاقتصاد في الدولة اقتصاد اشتراكي مخطط يهدف إلى القضاء على جميع أشكال الاستغلال". كيف يمكن الوثوق بوعود النظام وإعلانه عن رفع حالة الطوارئ إذا كان النظام لا يحترم ولا يلتزم بدستور كتبه ووضعه؟ ولماذا لا تعاد كتابة الدستور خصوصا وأن مواده بمجملها – وليست المادة الثامنة فحسب- لا تصلح لدولة مدنية حديثة، وهي تتحدث عن الاشتراكية وغايات الأمة العربية فيما هجر النظام الاشتراكية وتحالف مع الأمة الإيرانية وأصبح من بيادقها؟

كل ما يصدر عن النظام من سلوكيات إجرامية ومجازر ومحاصرة للمدن وتناقضات ومواقف سياسية وتصريحات إعلامية تدفع بالمتحجين إلى مزيد من الإصرار لتحرير سوريا من هذا الوباء القاتل والطاعون المميت والذي أهلك الحرث والنسل.