عن أي انقسام في سورية يتحدث أردوغان
نوال السباعي
تمضي ثورة الجماهير في المنطقة العربية لاسترداد كرامتها وحريتها من أيدي عصابات القتلة والسرّاق الذين اختطفوا حياة الناس فحرموهم حقوق المواطنة ، وسلخوا منهم الشعور بإنسانيتهم ، عصابات أسرية نشأت بمساعدة ودعم الغرب ، الذي تواطأ معها ، ورفدها بدعمه وصمته عنها ، وجاء اليوم يريد القفز إلى قطار الثورة الذي سيغير في المنطقة الكثير من الأشياء ، ولأول مرة ، دون إذن من هذا الغرب!.
ثلاثة مكتسبات مصيرية حققها الغرب من خلال هذه الأنظمة ، أولها الاستئثار بالمليارات المنهوبة ، كُدِست في مصارفه يستثمرها كيفما شاء ، بينما تركت الشعوب جائعة إلى أبسط احتياجاتها الإنسانية ، تتسول المنح والعطايا بشروط تقصم ظهور الأمم!، وثانيها ضمان تركيع هذه الشعوب وإخراجها من ساحات الفعل العالمية ، بإلغاء إرادتها وصوتها ، واعتبارها قطعانا من العبيد ، على مثال مقاطعات أوربة المتوحشة في القرون الوسطى! ، وثالثها استثمار صيغة التقسيم السايكس بيكوتية ، التي ضمنت بوجود هذه الأنظمة ، استمرار "إسرائيل" حائط الصدّ الغربي الرئيسي لانتفاض المارد الإنساني في هذه المنطقة الحيوية.
حديث أردوغان عن سورية ، وعن أن بلاده لن تقبل بتقسيم سورية ، قد يبدو في غير محله ، لولا أن القضية على درجة من الخطورة التي يجب أن تؤخذ على محمل الجدّ القاطع ، لكن أردوغان لايتحدث عن تقسيم سورية بين طوائف ، إحداها تشكل 85% من التركيبة السكانية المعقدة لجغرافية سورية الإنسانية ، ولكن الحديث يشمل تركيا نفسها ، التي يشكل فيها الأكراد مايقارب ال33% ، والعلويون 10% ، من سكانها الذين يفوق تعدادهم ال80 مليون نسمة! .
تحذير أردوغان للحكومة السورية، يعني به التحذير من مغبة دفع الحكومة السورية باتجاه الفتن ، والتنبيه إلى مخاطر إعادة تقسيم المنطقة كلها على أسس الانتمآت الدينية والعرقية ، وهو قضية مصيرية لاتحدث إلا بعد حروب عالمية مزلزلة! ، الأمر الذي أخذه الشعب السوري مأخذ الجدّ منذ البداية ، وهو يقوم بانتفاضته هذه في وجه القمع الوحشي الذي مافتيء يعانيه السوريون منذ أربعين عاما.
شعارات الثورة -وقد وصلت سورية -، ركزت على أن الشعب السوري واحد، بما في ذلك أبناء القومية الكردية ، الذين كان لهم موقف تاريخي مشرف من هذه الانتفاضة ، لاطائفية ، ولاقومية ، شعارات تُنْبيء بحسٍ وطنيٍ متقدم جداً ، و وعي دقيق بملابسات الوضع السوري بخصوصيته الجغرافية ، وليس الطائفية.
لم يعرف التاريخ ولا السياسة اعتباراً للأغلبية الساحقة على أنها طائفة !!، وليس من المنطق أن تطالب الأقليات بالسيطرة الكاملة على البلاد أو بالانفصال ، وإلا لوجد العالم نفسه أمام سلسلة من الانشطارات الفسيفسائية التي تعود بالعالم الحديث إلى العصر القبلي! .
كتب الشاعر السوري "أدونيس" يقول : الخلاص في سورية يكون بإنهاء سلطة الحزب الواحد! ، لعل أدونيس "المطلع" ، يعرف قطعاً أن "حزب البعث" لم يكن إلا مطية في كل من العراق وسورية لفرض النظرات القومية والطائفية بقوة البطش، على كلا الشعبين العراقي والسوري ، في العراق مُزِقَ الشيعة والأكراد ، وسُحلوا وتمت معالجتهم بالمواد الكيميائية المحرمة باسم القومية العربية والأكثرية السنية ، وقد اختَطف باسمهما مجرمٌ وعائلته العراق وشعبه لمصالحهم الشخصية ، وانتهوا في سلة قمامة التاريخ ، وفي سورية تمت واحدة من أكبر عمليات تغييب الشعوب التي شهدها العالم ، باسم الاشتراكية والقومية العربية والقضية الفلسطينية ، والتي باسمها ارتُكبت الفظائع في سورية..ومازالت .. ولم يتعلم "شبيحة" سورية كل الدروس التي تلقنها الشعوب في الجوار لشبيحتها!.
تركيا تفهم تماما أبعاد السلوك الهمجي لقوى الأمن السورية ، الرامية لإثارة الفتن الطائفية والقومية ، التي تتهدد التركيبة الجغرافية- السياسية لمنطقة الشرق الأوسط ، وقد خرج أحد أبواق النظام يهدد في الفضائيات بإشعال المنطقة من الجولان إلى البحرين!! ، لكن الشعب السوري بكل انتماآته ، وبإصراره على السلوك السلمي الحضاري الاستثنائي ، أسقط بيد جلاديه ، فافتُضِحوا أمام الرأي العام العربي والعالمي، وبيَدِ الشعب السوري اليوم ، تقرير مصير مايسمى منطقة الشرق الأوسط ، سياسيا وإنسانيا وجغرافيا .
بين عموم مطالب الثورة الإنسانية في المنطقة ، وخصوصية الحالة السورية في فسيفسائها العرقية والدينية، يبقى القرار بيد الشعب ، حيث ماكان لهذا القرار أن يخرج من يده أبدا.