أمّة لن تموت

مجاهد مأمون ديرانية

الثورة السورية: خواطر ومشاعر (6)

مجاهد مأمون ديرانية

لا أحد يعرف الشعب السوري أكثر من الشعب السوري نفسه، فقد قالوا عنه وقال عن نفسه، فأخطأ فيه قولُهم وصَحَّ في نفسه قولُ نفسه.

ثار الشعب التونسي على طاغيته وطاغوته، ثم ثار الشعب المصري على طاغيته وطاغوته، وثار الشعب الليبي والشعب اليمني، وتحركت من عقالها شعوبٌ أخرى هنا وهناك، فعلمنا أنّ شعبَ سوريا الأبيَّ على الطريق. ولكنّ قوماً لم يعرفوا هذا الشعب قالوا إن الشعوب كلها تثور والشعب السوري لا يثور! لماذا ويحكم؟ أهو أقلُّ من غيره رجولةً ونخوة، أم أنه أصْبَرُ من سواه على المذلة والهوان؟ أم غرّكُمْ منه طولُ صبره وسَعةُ صدره حتى ظننتم أنه بلا خَلاق؟

نعم، لقد طال على هذا الشعب ليلُه حتى كاد لا يَرى في آخر نفق اليأس شُعاعَ أمل، وخَبَتْ شعلة حماسته حتى ظنّ الناس أنها لا تشتعل من جديد، ولكنّ الشعلة التي خَبَتْ واستحالت جمرة لم تطفئها ريحُ القهر العاتية على مرّ السنين، والجمرة عادت فاتّقدت نارَ غضب جامحة، والشعوب إذا انفجر غضبها صنعت الأعاجيب.

لقد حُبِسْنا في قمقمٍ أربعين سنة فأعْشَتْنا عتمةُ القمقم، ولبثنا ننظر فنرى باب القمقم مغلقاً حتى يئسنا من رؤية ضوء الشمس، ثم قام فريق منا فدفعوا الباب، فإذا هو قطعة من فلّين! وأرهبنا زئيرُ الأسد وأدمَتْنا خرمشاتُ نابه فظننا أن النظام أسدٌ من لحم ودم، لكنّا لمّا زأرنا نحن في وجهه وخرمشناه بصوت الغضب، بكلمات لا تتقدمها من أمامها حراب ولا تحرسها من ورائها حراب، لما صنعنا ذلك اكتشفنا أنه أسد من ورق، بلا ناب وبلا أنياب!

لا تستغربوا يا قوم، فما شعب مصر عن شعب تونس ببعيد، ولا هما مختلفان عن شعب العراق أو سوريا أو فلسطين... إنْ فرَّقَتْ بين هذه الشعوب اليومَ حدودٌ فقد طالما وحّدتها العقيدةُ وجمعها إرث الجدود، إرثٌ يأبى عليها أن تطئطأ الرأس ذلاً أو ترضى بأن تُسام خطّةَ خسف وهوان.

هذه الأمة قد تغفو أو تنام، لكنها لا تموت، والدليل في صحف اليوم وفي صحائف التاريخ.