تصفية أسامة

صلاح حميدة

صلاح حميدة

[email protected]

خلال دعاية باراك أوباما للإنتخابات الرّئاسية السّابقة، قال: انّه سيقتل ( أسامة بن لادن حتّى لو كان في باكستان) و ما جرى الآن هو تطبيق لما ورد على لسانه  قبل أن يصبح رئيساً.

 أسامة بن لادن شخصية زاهدة متواضعة تركت الحياة السّهلة الباذخة، في سبيل فكرة آمنت بها، وسواءً اتفقنا معه أم اختلفنا، فهذه حقيقة لا يمكن إهمالها في تحليل أبعاد نشوء وتصفية وإغلاق ملف بن لادن في هذا التّوقيت بالذّات.

اندفع آلاف الشّبان العرب للقتال ضدّ السّوفييت في أفغانستان، وكان يتم تسهيل عملهم من قبل مخابرات السّعودية وباكستان والأردن والولايات المتحدة وغير تلك الدّول من العرب والعجم، وكان الهدف النّهائي لكل هذه التّسهيلات هو هزيمة السوفييت في أفغانستان وانحسار المدّ الشّيوعي.

الدكتور عبدالله عزّام كان أب المقاتلين العرب، وكان صاحب رؤية تقول أنّ هزيمة السّوفييت تستوجب البدء بالعمل ضد الاحتلال الصّهيوني لأرض فلسطين، فيما رأى غيره من المقاتلين العرب التّابعين لابن لادن أنّ التّوجّه للجهاد في فلسطين ليس أوانه الآن، وهذا الكلام منسوب للباحث رضوان السّيد الأستاذ الجامعي في جامعة صنعاء في ذلك الوقت.

قتل عبد الله عزام على يد جهاز مخابراتي حليف للولايات المتّحدة بعد إعلانه عن نيّته العمل ضد الاحتلال الاسرائيلي، حسب بعض المصادر، ولا تزال تفاصيل هذا الاغتيال غامضة حتّى الآن. بعدها عاد بن لادن للسّعودية مع الكثير من المقاتلين السّعوديين، وتفرّق بقيّة المقاتلين العرب في الأرض باحثين عن مأوى.

كانت الولايات المتّحدة بحاجة لعدو جديد، واعلنت بعد انهيار الاتحاد السّوفييتي أنّ عدوّها الجديد هو الأصولية الإسلامية، ولذلك كانت بحاجة لصنع عدو يظهر بأنّه قويّ جداّ ويستحق ملاحقته وشنّ الحرب عليه من القوى الغربية الكبرى وحلفائها العرب، فبدأ التّضييق على بن لادن حتى غادر بلاده إلى السّودان، وعندما بدأ تضخيم جماعته إعلامياً من الغرب بعد تفجيرات كينيا وتنزانيا، خافت الحكومة السّودانية وعرضت تسليمه للسعودية، ولكنّ السّعودية رفضت؟! وبدأت الضّغوط السّودانية تتزايد عليه، وفي هذه الفترة كانت المخابرات الباكستانية - حليفة الولايات المتّحدة- تدعم حركة طالبان للسّيطرة على أفغانستان، وتمّ تسهيل دخول بن لادن لأفغانستان عبر باكستان، وتبع بن لادن الكثير من الشّبان العرب وغير العرب من العالم أجمع، وهذا كلّه تحت عين المخابرات الباكستانية، وكان بالطّبع بين هؤلاء المتطوّعين من هو مخبر لأجهزة مخابراتية مختلفة.

وصولاً إلى تفجيرات نيويورك،يوجد الكثير من التّساؤلات حولها؟ فإذا كانت الولايات المتحدّة قادرة على اختراق باكستان والدّخول وقتل بن لادن، فلماذا لم تفعل ذلك وهو في السّودان أو في أفغانستان قبل تنفيذه لهجماته؟ ولماذا تمّ رفض عرض تسليمه للسّعودية بعد تفجيرات كينيا وتنزانيا؟ ولماذا تمّ توقيف أحد منفّذي هجمات أيلول ( زياد الجرّاح) في دبي عندما كان قادماً من باكستان ومتوجّهاً للولايات المتّحدة لتنفيذ الهجوم؟ أوقف بطلب من المخابرات الأمريكية، وأطلق سراحه بطلب منها؟ وإذا كان مشبوهاً كيف تمّ له المشاركة مع زملائه في الهجمات بدون عوائق ولم تجهض الهجمات قبل وقوعها؟.

المعلومات المتوفّرة تشير إلى أنّ بن لادن كان تحت المراقبة منذ فترة طويلة، وأنّ مراقبة رجل البريد الخاص به هي التي أوصلت إليه، ولكن هل رجل عرف أنّه انكشف منذ إلقاء القبض على شيخ محمد وإبن الشّيبة بقي رجل بريد بن لادن؟ وما دام الرجل معروف منذ ذلك الحين وتحت المراقبة، فلماذا قررت المخابرات الأمريكية إقفال ملف بن لادن الآن؟.

من الواضح أن للتّوقيت أسباب انتخابية بحتة، وقتل بن لادن في هذا التّوقيت كان أفضل ورقة يلعبها أوباما الملاحق من الجمهوريين، وهي بالتّأكيد ستوصله إلى تمديد فترته الرّئاسية، وما دام بن لادن تحت المراقبة كل تلك المدّة من قبل المخابرات الأمريكية وعبر الأقمار الصّناعيّة، فمن الطّبيعي أنّهم لم يكونوا على عجلة من أمرهم لقتله أو اعتقاله، وكانت مراقبته ستفيدهم لتتبع شبكة علاقاته واتصالاته، وقد يبرر هذا الاغتيالات والاعتقالات المتتابعة لقادة القاعدة في الفترة السّابقة.

أحد المسؤولين الأمريكيين قال:- ( الهدف من العمليّة كان قتل وليس اعتقال بن لادن) هذا صحيح ومنطقي، فقد كان من السّهل اعتقال الرّجل بسهولة وهو تحت المراقبة طوال تلك المدّة، فبالتأكيد أنّه كان يتحرّك من مكان لآخر، وبالتّالي كان من السّهل خطفه و اعتقاله وليس قتله.

القتل وليس الاعتقال، يفتح الباب على تساؤلات أخرى؟ فهل كانت المخابرات الباكستانية بريئة من دم بن لادن؟ بالتّأكيد لا، بل تؤكّد الوقائع أنّ بن لادن كان أكبر استثمار مالي لصالح المخابرات الباكستانية، ومن المعروف أنّ أجهزة استخبارات عربية وإسلامية كثيرة كانت ولا زالت تعمل كمقاول تحقيق واعتقال وجمع معلومات لصالح المخابرات الأمريكية، ولذلك تعمل هذه الأجهزة على خلق القاعدة إن لم تكن موجودة، وتضخّمها إعلامياً، بل تقوم هذه الأجهزة بتجنيد عناصر مندفعة وتدفعها لتنفيذ تفجيرات، ثمّ تنسب للقاعدة، وهذا ما ثبت في ما يتعلّق بتفجيرات سيناء وكنيسة القدّيسين وفي قتل المتضامن الإيطالي في قطاع غزّة.

ولذلك كانت المخابرات الباكستانية ترعى تنظيم القاعدة، مثلما رعاه غيرها من المخابرات العربية الحليفة للولايات المتّحدة، وهذا درّ على رؤساء هذه الأجهزة الملايين من الدّولارات، وكانت المخابرات الباكستانية تقدّم كل فترة كبش فداء للمخابرات الأمريكية حتى تظهر إنجازاتها، ولكن المعركة الانتخابية المتعثّرة لأوباما، كان لا بدّ لها من كبش فداء يجعل أوباما ممتنّاً للمخابرات الباكستانية طوال فترة رئاسته الثّانية، وهذا في علم الصّفقات التّجارية، رابح مئة بالمئة.

من الواضح أنّ بن لادن كان مرتاحاً في باكستان، وأنّ هناك من أقنعه بأنّه في مأمن في ضيافة شخص أو مجموعة ما مقرّبة من المخابرات الباكستانية، فبناء البيت بين معسكرات للجيش ومصنع ذخيرة وكلّية عسكرية حسّاسة تبعد عن بيته تسعين متراً فقط، وبنائه لأسوار عالية عليها أسلاك شائكة، وعدم الاحتكاك بالجيران، وحرق النّفايات وعدم التّخلّص منها ( حتى لا يستدل على الحمض النّووي ويعرف من بالمنزل) كل هذه التّصرّفات من عائلة غريبة عن المنطقة ملفتة للنّظر للغاية للنّاس البسطاء، فكيف بالمخابرات الباكستانية التي من المفترض أنّها ستجري مسحاً أمنياً لكل بيت وشخص يسكن في المنطقة، فكيف ببيت كالمعسكر المحصّن؟!.

أغلب الظّن أنّ هذا السّبب كان الدّافع وراء قرار قتل وليس اعتقال بن لادن، فالصّفقة تقتضي دفن الرّجل مع أسراره، وأنّ بقاءه على قيد الحياة سيكشف  كيف تمّ اخفاؤه واستغلاله وخيانته من قبل المخابرات الباكستانية.

من المعروف أنّ الولايات المتّحدة ترغب - مرغمة - بالانسحاب من أفغانستان، وهي بحاجة لتسويق هذا الخروج بإتمام ما جاءت من أجله، وبقتل بن لادن يستطيع أوباما الإدّعاء بأنّه انتصر بالحرب على الارهاب، وأنّ ما تبقّى لا يحتاج لوجود كل تلك القوّات في أفغانستان.

ولكن هل سينتهي العمل الذي تقوم به القاعدة؟  وهل ستنتهي مهمّة المخابرات الأمريكية ومن يحالفونها في تجارة الحرب على القاعدة؟

لا زال الظّواهري موجوداً، وكذلك حركات كثيرة تتبنّى نهج القاعدة في مناطق مختلفة، وبالتّالي فالعمل وارد، وأمريكا والغرب وبعض الأنظمة العربية ، لا زالوا بحاجة لوجود القاعدة، وإن لم توجد سيوجدونها، ففي بلاد المغرب الإسلامي ألّفت كتب عن صناعة المخابرات الجزائرية للقاعدة هناك، وفي مصر كيف كان جهاز أمن الدّولة يدير منفّذي التّفجيرات وجماعة التّكفير والهجرة، وفي المغرب، عندما تصاعد الحراك الشّعبي، وبدأت تطفو على السّطح قضية فبركة تفجيرات الدّار البيضاء لجماعة  من الشّباب المندفعين، تمّ تفجير بطريقة متطوّرة في مرّاكش، البعض قال أنّه يحمل بصمات القاعدة؟! مع أنّ القاعدة تعمل وفق طرق انتحارية تفجيرية بدائيّة، فيما يرى البعض أنّ المخابرات الليبية انتقمت من اعتراف المغرب بالمجلس الانتقالي. أمّا في سوريا، فقد وجد النّظام السّوري أنّ أفضل طريقة لإبادة الحراك الشّعبي ضد القمع والإستبداد، يتمثّل في خلق القاعدة الخاصّة به، فيخرج شخصاً ليشتم طوائف معيّنة لإثارة النّعرات، ويبدأ بعدها بالحرب على المطالبين بالحرّية، بحجة أنّهم إرهابيون، مع أنّ سوريا كانت ممراً لهم قبل وبعد احتلال العراق، وفي نفس الوقت كانت تقوم بمقاولات تحقيق لصالح المخابرات الأمريكية في إطار ما يعرف بالحرب على الإرهاب، بل كانت تفاخر بمنعها لهجمات ضدّ أهداف أمريكية.

هناك سبب وجيه للإعتقاد بأنّ اغتيال بن لادن له علاقة بالحراك الشّعبي العربي في ثورة الرّبيع، فقتله ربّما سيعيد الأمور إلى ما كانت عليه، ففي حالة الاستعصاء والقمع الدّموي الذي يمارس ضد الجماهير العربية من قبل الحكام المستبدّين، يمكن أن تنفجر الأمور باتّجاه ظواهر عنفية تكفيرية جديدة، وهناك من يدفع الأمور باتّجاه التّأجيج الطّائفي، وربّما أنّ هناك من يريد تسعير حرب طائفيه حتى يجهض الحراك الشّعبي العربي، وهذه الحرب تحتاج لمن يفكّرون بمنطق القاعدة، بالإضافة للحمقى والمستبدّين والطّائفيين والدّمويين، وهؤلاء موجودون وعندهم استعداد لفعل كل شيء للبقاء على كرسي الحكم، فمن يصطنع وجود التّكفيريين ويقطع الماء والغذاء والكهرباء عن المدن، ويقتل النّاس تحت التّعذيب وفي الشّوارع، من الممكن أن يفعل أي شيء. والخوف الآن أن تكون تصفية وغلق ملف بن لادن مع الولايات المتّحدة، فاتحة خراب وتفجير صراعات داخلية ومذهبية عربية وإسلامية. ولكن الأمل هو بأن يغلب وعي الشّعوب العربية والإسلامية والعقلاء فيها على أفعال الحمقى والطّائفيين والدّمويين.

تصفية بن لادن وإغلاق ملفّه لن تنهي هذه الظّاهرة - الأصيل منها والمصطنع-  فأسباب هذه الظّاهرة تكمن في حالة الغضب العربية والإسلامية من مواقف الولايات المتّحدة المناصرة للاحتلال الصّهيوني  لأرض فلسطين، من نهرها لبحرها، ويكمن أيضاً في دعم الولايات المتّحدة للأنظمة المستبدّة في العالم العربي. ولا يمكن إنهاء هذه الظّاهرة إلا بإنهاء مسبّباتها، و بهذا فقط يتمّ غلق ملف القاعدة بشكل نهائي.