تربى بشار الأسد على يد ماسح أحذية

وحيد صقر

وحيد صقر

 حتى الأمس القريب كان الدور الأبرز في المنطقة العربية مناطا برؤوس المثلث دمشق-القاهرة-الرياض،  إلا أنه طرأ عليه بعض التعديل من وجهة نظر دمشق وطهران فتمثل بفريق جديد يضم كل من تركيا  وإيران  وسوريا ولاعب احتياطي تمثله قطر عند الحاجة. أما في موضوعنا هذا سنتوقف عند بعض حيثيات الملف الإيراني وتسلط الملالي على جميع مراكز القوى في سوريا،  ونشر التشيع في البلد ناهيك عن دور السفارة الإيرانية الجديدة في الإشراف على إدارة سوريا وغيرها كثير، وبهذه العجالة لعلنا نستفيد من قراءة التاريخ السياسي لنعود بمقارنة نظرية بين حقب وعهود ساد فيها حكم الدكتاتورية والاستبداد في أصقاع الأرض. لنأخذ حقبة حكم الأسد الأب مع أية سلطة استبدادية على غرار أوغستو بينوشيه أو موسوليني أو رفيقه صدام، نجدها متطابقة في معظم أجزائها، وما يزيد الطين بللا توريث السلطة لابنه بشار الذي لم يقو عوده بعد وكان صبيا، وقد وصفه عمه الدكتور رفعت الأسد بالمعاق عقليا. والذي أرسل بحجة الدراسة من أجل العلاج في لندن من "شيزوفرينيا" الفصام، قال عمه كان الهدف معالجته من مرض وراثي كحال خاله محمد مخلوف الذي يعاني من آثار مرض التوحد الطفولي، وقد عانى حافظ الأسد منه ما عانى، لكن شاءت الأقدار وكما يقول المثل الشعبي(( اذا الولد بار ثلثيه يعود إلى الخال)). إن صدق ما نقله رفعت الأسد عن وضع ابن أخيه الصحي، أي أن بشارا معاق، إذن من يلقنه ما يقول، وكم من الوقت يدربونه على إجراء مقابلة ما، وهل يجوز إنسانيا توريط مريض بقضايا لا يفهمها، وهل تسليم بشار هذا المنصب العالي من لجعله شماعة يعلق الناهبون عليه وساخاتهم وسرقاتهم؟ ويبقى السؤال الكبير قائما: من يحكم سوريا اليوم..! 

لعلنا نصل كسوريين مهتمين بالشأن العام معا لنقاط نلتقي عندها، بغية الوصول للحقيقية  وجواب أكثر إقناعا للكثير من التساؤلات التي تراود أذهان نشطاء الشأن السوري العام المبهم. 

بعد أن اقتنص الأسد الأب السلطة في سوريا قام بحملة تصحر حيث غدر بأقرب الرفاق، ونحى من توجس منهم خيفة. لأن أسرة أسد أضحت تشكل خطرا على الوحدة الوطنية، رغم ما تشيعه بأنها حامية للأقليات الأثنية والمذهبية بينما في الحقيقة هدفه التجييش وضرب المكونات الوطنية ببعضها، وكانت الطائفة العلوية أكثر المتضررين من حمايته المزعومة لهم، وقام بتصفية قادة ومثقفين ورفاق له من العلويين، أما الطوائف والأقليات الأخرى كالدروز مثلا، اعدم سليم حاطوم  بتهمة الخيانة ومحاولة الانقلاب عليه، وكلف من يدهس ابنه بسياره عسكريه، ومن ثم  ذهب حافظ شخصيا للتعزيه، فبصقت زوجه سليم حاطوم بوجهه حافظ الاسد  أمام المعزين. أما عن فتكه بالإسماعيلية والمرشدية وتهميشهم وكذلك أبناء القومية الكردية لا يحتاج لتفصيل.. وبهذا لا نقصد أنه حمى طائفة بل كان يحابي وينتخب شخصيات من كل الطوائف جاهزين ليتزلموا له وإلا فلا مكان لهم في صفه.

منذ وصول حافظ الأسد للسلطة لم يكشف ولم يعثر على جاسوس واحد لإسرائيل في البلد. وستكشف الوثائق بعد سنوات وتبرهن ان كوهين قد جند حافظ الأسد منذ أمد، ولنلاحظ معا عبارة الرئيس أمين الحافظ "كان كوهين يزورني وأنا في البيت، بينما كان ينتظر العديد من المسؤولين في بيوتهم حتى يعودون" وذلك كناية عن العلاقة الحميمة مع كوهين الذي جند حافظ أسد وتم تعميده في بريطانيا زعيما مستبدا أوحدا وجمع حوله ثلة منتخبة من أشباه المعوقين من الملل والنحل والطوائف السورية مثل طلاس وخدام ومشارقة إلى آخر حبات المسبحة المنفرطة. ولم يترك ذكيا او حاذقا في الحزب إلا وأخرجه من اللعبة أو من الحياة نهائيا.

 استغرب المراقبون آنذاك إعلان وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد سقوط القنيطرة  قبل سقوطها الفعلي بثلاثة أيام، وكيف تمت مكافأته على صنيعه، لذا يعتبر حافظ الأسد من القلة في العالم الذين خاضوا حروبا وخسروها كلها وخرج هو منها بطلا، وكلف آلته الإعلامية بتمجيد انتصارات لا أساس لها، سمى نفسه بطل التشرينين واستمر يحصد الألقاب والبطولات رغم أنه منذ اتفاقية نيسان 1974 إلى الآن لم يطلق رصاصة واحده على الجبهة السورية.

 لم يلعب على المتناقضات الدولية كما يحاول البعض إيهام الشارع بل كان يقبض ثمن بيع الجولان كما يقبض اليوم ابنه ثمن إسكندرون. أما بعيد تسليم القنيطرة وهضبة الجولان بصفقة تمت بين حافظ الأسد والولايات المتحدة الأمريكية تم منح حافظ الأسد صلاحيات مفوض سامي في لبنان  لتصبح تحت الانتداب  حتى طرد ابنه منها بأمر أمريكي أيضا. 

كان لحافظ علاقة مميزة بالخميني الراحل، ومن بعده بجوقة الملالي الطهرانية، لا احد يعلم أسرارها الحقيقية، وهنا يأتي دوره بالتوفيق بين أدواره في اللعب على الحبال وهو الدور الوحيد الذي برع فيه طيلة حياته السياسية لنصف قرن. هذه العلاقة الخاصة بجوقة الملالي ورثها لابنه بكل ما تحمل له من شبهات، ومن ثم وقائع حقيقة على الأرض تفرض نفسها بقوة وحزم.

تشير بعض المصادر الفارسية الخاصة أن عائلة الأسد (الوحشي) هاجرت من إيران إلى سوريه عام 1860 وكان الأب آنذاك يسمى علي الوحشي  وهو والد سليمان الأسد والد حافظ الأسد أي أن الجذور الحقيقية للعائلة  من العجم .... وهذا هو السر وراء ولاء بشار لأصوله وهم الأكثر خوفا على بقائه في الحكم، وهو (ومن يحركه) بدوره صار يعتمد عليهم بكل ما يخص امن واستمرار حكمه، وهذا ما جعله يقصي صهره اصف شوكت بناءا على اتهامات من علي مملوك وزهير حمد.المنحدرين من أصول إيرانيه  أيضا بأن اصف شوكت يتهيأ لا انقلاب على بشار الأسد، وما كان إظهاره الصامت المتعمد مؤخرا للإعلام إلا تمويه وتسترا على وضع لم يعد مخفيا على أحد، وأنه فيما يشبه الإقامة الجبرية، ويكثر الهمس خلف كواليس السلطة أن مصير غازي كنعان سيتلبس اصف شوكت، وقد أكد حرفيا اللواء علي مملوك واللواء زهير حمد ان الأخير أحبط محاوله انقلابيه كادت تطيح ببشار الأسد، وهو سبب ترقيته لرتبه لواء، ونقل عن علي مملوك قبل صدور قائمه التنقلات الأخيرة أن اصف شوكت  تحت الإقامة الجبرية وان مصيره السجن او ,,, بل أردف وبالحرف "انه خائن" وهذا ما يتردد في أوساط الحرس الثوري الإيراني الذي بدأ يفرض اسماء موالين له لتتمترس في المواقع الأمنية الحساسة بأعلى المراكز لاستراتيجيه، ناهيك عن التغلغل الإيراني في عموم الحياة الاقتصادية والاجتماعية لسوريا على غرار ما يتم في بعض مناطق العراق تحضيرا للقيام بدور محسوب يخدم الهدف الأكبر، أي إعادة هيمنه الإمبراطورية الفارسية في المشرق العربي، وهنا تحضرني عبارة للأستاذ حسنين هيكل عندما قال "من الممكن أن تزول إسرائيل من المنطقة لأنها دوله مصطنعه لكننا لا نستطيع قط أن نلغي الدور الإيراني وتاريخ الإمبراطورية الفارسية  منذ قرون" هذا يفسر المد الفارسي الذي بدأ يغطي المنطقة  وبتسهيل  من بشار الأسد وزمرته مقابل حماية عرشه واستمرار نفوذه، وهنا لا اعني نفوذ بشار كشخص، فهو لا يعدو كونه بيدق على رقعة شطرنج يحركه الإيرانيون كما يريدون  وحسب أهوائهم وكما تقتضيه مصالحهم. ويتم الآن بناء مركز إداري ينوب عن القصر الجمهوري ومقر الحكومة باتخاذ القرارات الحاسمة ويتمثل ذلك في مبنى عملاق كمقر لسفارتهم  في دمشق، بمواصفات خياليه، تحت الأرض . هذا يفضح النوايا الصفوية المبيتة لسوريا وستكون تلك السفارة –المفوضية- مجهزه  بكل ما يخطر وما لا يخطر ببال  للدور الذي ستقوم به.

قال الإسرائيليون علنا لبشار انه لا يفي بتعهداته وليس وفيا كوالده، ورغم معرفتهم أنه لا حول ولا قوة له، أما الأب فكان مراوغا يعلم متى يكون ثعلبا ومتى يكون أرنبا. 

بشار أسد لم يستفد من خبرة أبيه وحنكته شيئا، بل الذي تولى شأنه هو أستاذ الفلسفة بهجت سليمان، الذي كان يعمل ماسح أحذية عند رفعت الأسد، وأغدق عليه الرتب، ومن ماسحي الأحذية لا تؤخذ الحكمة بل فقط خبرة الأحذية.