صرخات حرائر درعا وبانياس فأين المعتصم

د. أبو بكر الشامي

صرخات حرائر درعا وبانياس

فأين المعتصم .!!!؟

د. أبو بكر الشامي

لقد ارتفعت في تاريخنا العربي والإسلامي أصوات استنجاد ، وانطلقت صرخات استغاثة ، رفعتها حناجر المظلومين ، وأطلقتها أفواه المحرومين ، وكان الجواب الثابت من حكام العرب والمسلمين ، على كل تلك الصرخات ثابت لم يتغير ، وهو المسارعة للإغاثة والمساعدة .. ولم يحدث قط أن ماتت في أمتنا روح الحمية ، وفضيلة النجدة ، حتى في أشد لحظات ضعفها وتمزقها ...!!!

ولعل أول تلك الأصوات المستغيثة التي صدحت في أذن التاريخ ، هو صوت المرأة الأنصارية المسلمة ، التي غدر بها (يهود ) ، في سوق بني قينقاع ، فكشفوا بعض عورتها ، فصاحت ، وامحمداه .!!!

وجاءها الجواب من القائد الأول لهذه الأمة المجاهدة : أن (يـا لبيكِ ) .!

وزحف النبي صلى الله عليه وسلم  ، بجنود الحق يدك أوكار اليهود ، حتى مزقهم كل ممزق.!!!  

ومن من العرب والمسلمين يجهل صرخة الهاشمية الحرة التي غدر بها الروم فأسروها ، فصاحت صيحتها التي غدت مثلا" وامعتصماه .!!! فأجابها المعتصم ، من عراق التاريخ والأمجاد :  أن ( يـا لبيك ) !!!

وجهز جيشاً لجباً ، قاده بنفسه ، واقتحم به عمورية ، ولم يرجع إلا بالأسيرة المسلمة ، وهي حرة عزيزة ، ولا تزال كلمات أبي تمام التي خلد بها تلك الملحمة الرائعة تجري في عروقنا ، والتي قال فيها :

السيف أصدق أنباءً من الكتبِ    في حدّه الحدُّ بين الجدِّ واللعبِ

ومن هناك .. من وراء البحار .. من الأندلس الخضراء ، صدح صوت امرأة مسلمة ، غدر بها الأعداء فأسروها ، فصاحت :  واغـوثـاه بــك يا حكم ...!!!

( الحكم الأول بن هشام الأول ملك قرطبة من 180-206هجري).

وانطلق النداء يجلجل في أرجاء الكون ، حتى بلغ الحكم ملك قرطبة ، فصاح من فوق عرشه: أن ( يــا لبيك ) .!!!

وتحرك من فوره على رأس جيش يعربي يعشق الموت في سبيل الحرية ، حتى دهم العدو في عقر داره ، وخلص الى الأسيرة المسلمة ، وقال لها : هل أغاثك الحكم يا أختــاه .!!؟

فانكبت الأسيرة تقبل رأسه ، وهي تقول : والله ، لقد شفى الصدور ، وأنكى العدو ، وأغاث الملهوف ، فأغاثه الله ، وأعز نصره ..!!!

ولله در الحجاج بن يوسف الثقفي ، يوم بلغه صوت عائلة مسلمة أسرها الديبل في أعماق المحيط الهندي ، فصاحت في أسرها : يا حَجاج .!!!

وانطلقت الصرخة تهز أوتار الكون ، حتى بلغت العراق ، بلد النخوة ، والكرامة ، والنجدة .! فصاح الحجاج بأعلى صوته والتاريخ أذن تسمع: أن يـــا لبيك  .!!!

وأرسل جيشاً لجباً جعل عليه أعظم قواده ، محمد بن القاسم ...

وتحرك الجيش العربي المسلم ، يحدوه صوت المرأة العربية المظلومة ،حتى اقتحم بلاد الديبل (كراتشي حالياً ) ، وقتل ملكها ( داغر ) .! وعاد بالمرأة العربية المسلمة حرة عزيزة .!!!

واليــوم .. ما أكثر أصوات الاستغاثة والاستنجاد ، التي تطلقها أفواه المظلومات والمظلومين ، وترفعها حناجر المسحوقات والمسحوقين من أمتنا

ابتداءً من أطفال درعا الذين اعتقلهم المجرمون الساديّون ، وتفنّنوا في تعذيبهم ، وقلعوا أظافرهم ، وأطفؤوا أعقاب السكائر في وجوههم ،  وحرائرها الطاهرات ، وشيوخها الموقّرين ، الذين تتفنن قوات الشبّيحة الأسدية الظالمة في قتلهم في المساجد ، وسحلهم في الشوارع ، وتعذيبهم وإذلالهم ، وما جرائم المسجد العمري عنا  ببعيدة !!!

ومروراً بأطفال دوما وحمص واللاذقية وشبابها وشيوخها ونسائها  الأبرار ، الذين يتفنن الشبّيحة المجرمون أيضاً في ذبحهم  ، وتكسير عظامهم ، وبقر بطونهم ، وتهديم بيوتهم ،  وحصار مناطقهم تحت سمع العالم وبصره ...

وانتهاءً بمآسي بانياس والبيضة وبيت جناد ، الذين يحاصر المجرمون مناطقهم ، ويعتقلون شبابهم ، ويرّوعون نساءهم وأطفالهم ،  وما زالوا يفعلون بهم حتى هذه اللحظة ما  يشيب لهولها الولدان .!!!

ولا تزال الجرائم مستمرة ، ولا تزال طاحونة الموت والدمار تدور رحاها على شعبنا السوريّ الأعزل  ، ولا تزال فرق الموت ، وعصابات القتل والإجرام الأسدية تتحرك في طول سورية وعرضها ، وتنشر معها الموت والتخريب والدمار والإجرام ، ولا تزال آلاف الحناجر من النساء والأطفال والشيوخ ، تستصرخ ، وتستنجد ، وتستنصر ، أن واعروبتـاه ..و  وا إســلامـاه  .!!!

أفلم يعد في الضمير العربي المسلم متسع لنصرة طفل درعاويّ مظلوم .!؟

أولم تبق في النخوة العربية والإسلامية ، بقية لإغاثة امرأة بانياسيّة ثكلى .!؟

وهل هانت قيم النخوة والرجولة والمروءة في أمتنا ، إلى الحد الذي صار فيه ذبح الأطفال ، وبقر بطون الحوامل ، وقتل المصلين في المساجد وهم سجود وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها ، أمراً عادياً ومألوفاً .!!!؟

ربَّ وامعتصماه انطلقت ... ملء أفواه الصبايا اليتّم

لامست أسماعهم لكنّها ...  لم تلامس نخوة المعتصم   

ولكن الأمل بالله كبير ، فالأمة لم تمت ، بالرغم من كل مظاهر الضعف والذلة والغثائية البادية على حكامها  ...!!!

ولعل في بطولات شبابنا  السوريّ الثائر  ، وتضحياتهم المشرّفة ، وبطولات أهلنا في تونس ومصر وليبيا من قبلهم ، والتفاف الجماهير العربية والإسلامية من حولهم ، واحتضانها لهم ، وتفاعلها معهم ، لخير دليل على ذلك ...

وسيأتي اليوم _ لا نشك في ذلك _ الذي تنتصر فيه الجماهير المؤمنة على  أعدائها ، وتنتقم من جلاديها ...

بسم الله الرحمن الرحيم (( ويقولون متى هو ، قل : عسى أن يكون قريباً )) صدق الله العظيم ...